اهتمت
منظمات حقوق
المرأة ومؤسسات رعاية الطفولة والأمومة في
مصر والدول العربية على مدار عقود بـ قضايا ختان الإناث، وظاهرة ارتداء الحجاب للفتيات، ومنع زواج القاصرات، وكذلك على قضايا الاعتداء الجسدي والجنسي من الأزواج على الزوجات، وتغيير قوانين الخلع والطلاق وتمكين المرأة من مسكن الزوجية، وأيضا حرية المرأة في الحياة خارج إطار الزواج.
إلا أن تلك المنظمات والمؤسسات التي ظلت لسنوات تتخذ من حقوق المرأة والطفل هدفا للهجوم على الشرع الإسلامي سقطت بامتياز في اختبار الإنسانية والتعاطف والدعم لأطفال ونساء وأمهات غزة الذين ارتقى منهم بين 5 آلاف سيدة و7 آلاف طفل شهداء.
اظهار أخبار متعلقة
وعلى سبيل المثال لم يصدر عن "المجلس القومي للطفولة والأمومة" في مصر، عبر صفحته على "فيسبوك"، دعم للطفل والمرأة الفلسطينية سوى في إطار ما سمح به النظام من إعلان لجمع المساعدات، بينما لم ينشر المجلس صورة واحدة من جرائم الاحتلال بحق نساء وأطفال غزة، ولم يشارك مقطع فيديو واحدا لصراخ الأطفال والأمهات وجثثهم الملقاة بالشوارع والمشافي، بحسب مراقبين.
ورغم أن المجلس، نعى يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وبعد 11 يوما من بدء المجازر الإسرائيلية، ضحايا أطفال غزة، إلا أنه استغل البيان للإشادة بالموقف المصري ومجهودات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.
وفي المقابل، فقد واصل المجلس الحكومي، مناقشة الحقوق النفسية للأطفال والمراهقين، والاحتفال باليوم العالمي للطفل 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتحذير من أي خطر أو تهديد لهم عبر الإنترنت، والإعلان عن لقاءات توعوية وتدريبات للقضاء على ختان الإناث بالأقصر وأسيوط والشرقية.
"عربي21"، طرحت التساؤل "هل سقطت منظمات حقوق الطفل والمرأة المصرية العربية في اختبار غزة؟"، على عدد من الحقوقيات والمهتمات بملفات الأسرة والمرأة والطفل، والخبيرات بالشأن المصري والفلسطيني.
اظهار أخبار متعلقة
"قمع حكومي وأجندات غربية"
ترى الصحفية والباحثة والإعلامية المصرية المهتمة بالشأن الفلسطيني هبة زكريا، أن "الحاصل لجمعيات المرأة والطفل له مستويان، الأول: أنهم جزء من المجتمع، والمجتمع بقواه المدنية والشعبية بالعالم العربي تم قمعه بالـ10 سنوات الأخيرة مع الثورات المضادة للربيع العربي، بفترة قاسية وساحقة لأي رأي وحراك شعبي".
وتضيف في حديثها لـ "عربي21" أنه "تمت السيطرة على منتجات الربيع العربي، وأُفرزت حكومات ديكتاتورية طاغية مهيمنة، لا تعطي مساحة من الحرية، والاستبداد بالنسبة لها الأساس".
وتشير إلى أن "التفاعل مع قضية فلسطين له مستويان أولهما: عاطفي، وهو ما يقال عنه أضعف الإيمان، ثم يتبع هذه العاطفة تقييم عقلاني للموقف وحراك، ويمكن تتجاوز التقييم العقلاني وتدفعنا العاطفة للحراك؛ لكن كل الأبواب أغلقت أمامه".
وتلمح زكريا، إلى أنه يجب "ألا ننسى أنه بوجدان الشعوب ربما وببعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني هناك رغبة في الحراك، لكن المساحة المتاحة من قبل الأنظمة وفي مقدمتها مصر، محدودة أو قل معدومة".
وتوضح أن "هذه النقطة الأولى والكاشفة أن منظمات المجتمع المدني وحقوق المرأة والطفل جزء من مجتمع يتم قمعه بمنظماته وأفراده وهيئاته وتشكيلاته وبكل شيء فيه خارج إطار النظام، ولا توجد مساحة لحرية للتعبير عن أية أفكار أو انفعلات، إلا في إطار ما تريده السلطة ويخدم أهدافها".
النقطة الثانية، وفقا للباحثة المصرية، هي "نشأة تلك المنظمات بمصر ودول عربية، فنجد أن المتعلقة منها بالمرأة والطفل وحقوقهما نشأت في إطار أجندة غربية أكثر منها أجندة وطنية، ووضعت الأجندة الغربية أولويات لحقوق المرأة والطفل وفقا لمفاهيمها الغربية، وطبقا لثقافة وخصوصية المجتمع الغربي، وبحسب نظرته لنا".
وتضيف أنه "بعيدا عن نظريات المؤامرة، وبافتراض حسن النية لديها، فإنها بشكل منهجي وعلمي تماما نشأت في ظل أجندات غير وطنية بل في ظل أجندات دولية غربية تضع أجندتها وأولوياتها وتتبنى دعمها بناء على تبني هذه الأجندة، التي لو نحينا أية أهداف مغرضة معينة، فيبقى الهدف المنطقي أمامها نظرة غربية لمجتمعاتنا وقياس أولوياتهم على مجتمعاتنا".
وتتساءل زكريا: "أين خصوصية مجتمعاتنا وأولوياته واحتياجاته؟"، مجيبة: "لا ولم يوجد، ولذلك نجد قضاياهم تركز على الخلع وقضايا شخصية أثارت جدل المجتمع أكثر من مراعاة حقوق المرأة والطفل، ونرى نتيجتها الآن بارتفاع نسب الطلاق وغيرها، في إطار عوامل أخرى".
وتختم رؤيتها بالقول: "لو سحبنا هذا على الحالة الراهنة في فلسطين؛ سنجد أن الجمعيات الغربية التي تعمل من منظور حقوقي وإنساني متعاطفة من هذا المنطلق، ولأنها متسقة مع أجندتها فتعاطفها ظاهر، بالإضافة لمساحة الحرية المتاحة، عكس الوضع لدينا؛ فليس هناك أجندة متسقة مع خصوصياتنا ولا مساحة حرية نعبر بها عن هذا الحراك".
"أجندة الممول"
وتعرب الحقوقية هبة حسن، عن أسفها الشديد بسبب حالة
التناقض بين ما كانت تتبناه منظمات حقوق المرأة ومؤسسات رعاية الطفولة والأمومة المصرية والعربية، وبين صمتها وعدم دعمها للطفل والمرأة الفلسطينية.
المدير التنفيذي لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، تضيف لـ"عربي21"، أن "كثيرا من المنظمات تعمل في ما يشغل داعمها وممول أنشطتها، وبحسب أجندة قد تختلف عن أولويات واهتمامات مجتمعاتها".
وتؤكد أن "هذا يظهر خاصة بالمنظمات العاملة بمنطقتنا العربية، وما تثيره من قضايا وملفات لا تمثل في الحقيقة المشاكل الحقيقية لمجتمعاتنا".
وتشير إلى أنه "حتى من تجتهد من المنظمات للاهتمام بالأولويات الحقيقية فإنها تتأثر بالضغوط التي تمارسها اللوبيات، والجهات الكبرى، وهذا ما ظهر بقوة بالحالة الفلسطينية".
وتوضح أن "قليل من الأحرار والشرفاء من المؤسسات التي تفاعلت مع واقع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وفي ذروته مع النساء والأطفال".
وتتعجب قائلة: "وكأن آلاف الشهداء والجرحى غير مرئيين بالشكل الكافي لينالوا دعم تلك المنظمات، أو لنكن أكثر دقة، فالتجاهل سيد المشهد، حيث يقابل الحقيقة وفضحها ضغوط بل وتضييق واتهامات معلبة".
وتتابع: "كما رأينا وفي حالة فجة إلغاء إقامة المنسقة العامة للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلى مؤسسة دولية، ولم يجد الموقف استنكارا كافيا من دول ومؤسسات منادية بحقوق الإنسان وتلتزم بالمواثيق الدولية".
حسن، تشير إلى نموذج لقضايا مماثلة لجرائم قتل الفلسطينيين ولاقت اهتمام المنظمات وظهرت فيها كمدافعة عن حقوق المرأة والطفل، قائلة: "للأسف الواقع العام كذلك، ومنه موقف تلك المنظمات من وفاة الإيرانية مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر 2022، عند اعتقالها بسبب رفضها ارتداءها الحجاب بشكل صحيح".
وتلمح إلى أن "تعرض أميني، للضرب ووفاتها بنوبة قلبية، حالة استحقت بالطبع التعاطف والدفاع عنها من كل المنظمات المتحدثة عن العنف ضد المرأة وقد فعلت، ولكن آلاف الحالات المماثلة في غزة وبدون اعتقال أو تحقيق تموت فقط لأنها أرادت الحرية أو ربما حياة بسيطة مع أسرهم في بيوتهم".
اظهار أخبار متعلقة
"أصيبت بالخرس"
وفي حديثها لـ"عربي21"، تتحدث الناشطة الحقوقة أسماء مهاب، عن إنشاء الأمريكية كاري تشابمان، بأن "التحالف الدولي للمرأة" كأول منظمة تدافع عن حقوق المرأة وذلك في برلين في 3 حزيران/ يونيو 1904، متسائلة عن مبادئها ومبادئ ما تلاها من جمعيات، وعن ماذا يدافعون وبأي مرجعية.
وتشير إلى أنها "تعمل على تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ومرجعيتها تتمسك برؤية نسوية شاملة ومتعددة ومتجذرة بالمُثُل الليبرالية التقدمية، ومن هنا كان الرابط بينها وبين ما تلاها من منظمات المرأة والتوجه نحو سن القوانين ومع دعم الأعمال الفنية لهم".
وتؤكد أن تلك القوانين والأعمال الفنية "رسخت لأهداف ثابتة ظهرت جلية في إدعاء أن حرية المرأة بتخليها عن عاداتها وتقاليدها، ومساواتها بالرجل، وتمثل ذلك بقضايا (الإرث، والعمل)، وسن قوانين الطلاق والخلع".
وترى مهاب، أنها "مسميات تم العزف عليها وتصفيتها من محتواها وتشويه الجانب الإيجابي منها وكل ما يرتبط بالدين".
وهنا تسأل: "لماذا المرأة؟"، لتجيب قائلة: "لأنها ببساطة قوامة الشعوب وأساس المجتمع، وانهيار المجتمعات يأتي من المرأة، لذلك كانت الحرب الضروس عليها".
وتضيف: "وتحتاج المرأة بفلسطين لدعم حقيقي الآن، فهي شهيدة وجريحة وأم الشهداء والجرحى، التي تحطم بيتها، وضاع مالها"، متسائلة: "فهل هناك احتياج أكثر من ذلك؟، وأين دور المنظمات الدولية والحقوقية التي طالما تشدقت بحقوق المرأة؟"، مجيبة بأنها "أصيبت بالخرس".
وتوضح أنه "ليس هذا هدف تلك المنظمات، فهدفها الحقيقي من حقوق المرأة تفريغها من القيم، بينما المرأة التي تحافظ على قيمها ووطنها وحريتها ليس لها لسان يدافع عنها، من مدعي الدفاع عن حقوق المرأة".
أما عن منظمات الأمومة والطفولة تقول الناشطة المصرية: "حدث ولا حرج"، متسائلة: "أين دورهم مع قتل حوالي 8 آلاف طفل فلسطيني، وجرح وإعاقة أضعاف ذلك؟، أين صوتهم وحناجرهم التي صدعونا بها عندما نادوا بحقوق الطفل؟".
وواصلت تساؤلاتها: "هل نجحوا بإنقاذ الطفل بمجتمعات انتشر بها أطفال الشوارع وأصبحوا قنابل موقتة؟ أم استُخدموا لحماية الأنظمة؟.. خاتمة بقولها: "ولكن ستجدهم حاضرين بشدة للحديث عن زواج القاصرات، وقوانين الخلع، والطلاق، وتمكين المرأة من مسكن الزوجية".
اظهار أخبار متعلقة
"مخترقة فكريا"
وتقول الكاتبة المتخصصة بشؤون الأسرة والمجتمع فاطمة عبدالرؤوف، في حديثها لـ"عربي21": "يمكن وصف موقف النسويات المصريات والعربيات مما يحدث من انتهاكات مريعة على المرأة الغزاوية بأنه موقف مخجل متخاذل".
وتوضح أنه "أمر يمكن فهمه في سياق أن معظم هذه الشخصيات والتيارات النسوية مخترقة فكريا، وأيضا غالبا ما يكون عملها لقضايا بعينها بحسب التمويل الذي يقدم لها".
وتضيف: "بل يمكن القول إن موقف النسويات المصريات والعربيات هو أسوأ بكثير من موقف النسويات في الغرب الذين وجدنا لديهم تعاطفا تجاه المرأة الغزاوية أكثر مما نجد عن المصريات والعربيات".
وتشير إلى أنه "عندما تسخر إحدى النسويات المصريات من فتاة فلسطينية تشكو من انعدام أدوات الرعاية الصحية وما يسببه ذلك من ضغط إضافي على النساء، ناهيك عن الأمراض الناجمة عن ذلك، فترد النسوية بسخرية على هذه الاستغاثة وتعتبرها رفاهية، وهذا إنما يدل على تبلد الشعور والاستعلاء وممارسة العنف اللفظي والنفسي على نساء غزة ".
وتواصل: "عندما تنشر نسوية شهيرة فيديو هذه الأيام عن كيف ترفض النساء تدخل الرجال في انتقاء نمط ملابسهن، بينما لا نجد على صفحتها فيديو واحد يدافع عن حياة الفلسطينيات المنتهكة؛ فهو أمر لا يثير دهشتي فهذا هو المتوقع من هذه الحركات النسوية".
وتؤكد أنها "ليست حركات تحرر وطني، ولا تأبه حقيقة بالمشكلات الحقيقية التي تعاني منها النساء ولا أولوياتهن، بل هن يقمن بمحاولة فرض القضايا على النساء".
وتلفت إلى أنه في غزة "امرأة تلد في الشارع، وامرأة تلد بعملية قيصرية دون أي تخدير، ونساء يعانين من الجوع، ونساء معتقلات، ونساء مصابات، ونساء يُقتلن بوحشية، لا يحركن شعور النسويات ولا يفرضن أولوية".
وتضيف: "بينما يتحدثن وفي ظل هذه الأوضاع المتفجرة عن عدم مساواة المرأة الفلسطينية بالرجل في قانون الأحوال الشخصية، وعن العنف النفسي الذي يتعرضن له من الرجل الفلسطيني داخل العائلة".
وختمت متسائلة: "أي عين عوراء، وأي مشاعر عمياء، وأي عقل مغيب، يحكم النسويات العربيات؟ ولكن؛ فتش عن التمويل".