هل أغلقت الحرب على
غزة ملف» التهجير»، أم أنها فتحته من جديد ؟
الأكيد أن هذا الملف ما زال مفتوحا، وسيبقى كذلك إلى حين أن تتغير موازين القوى باتجاه يسمح للفلسطينيين بانتزاع دولتهم وحقوقهم، ما يعزز ذلك أن إسرائيل، منذ تأسيسها، وضعت مشروع تهجير
الفلسطينيين، على أجندتها، كما أدرجته على جدول أهداف حربها الأخيرة، التي ما تزال قائمة، واعتبرته شرطا لضمان وجودها واستمرارها كدولة يهودية، رئيس وزرائها أعلن، مؤخرا، أن مشاورات تجري مع أطراف عديدة لإجلاء «طوعي» لعرب غزة إلى دول العالم، وزير الهجرة الكندي ذكر أن بلاده ستطلق، مطلع العام القادم، برنامجا للهجرة، يتيح لسكان غزة الحصول على تأشيرات إقامة، دون شروط مسبقة.
قائمة الدول المرشحة للانخراط في عملية استقبال اللجوء الفلسطيني يبدو أنها ستكون طويلة، ومزدحمة بالمتطوعين و»القبّيضة «، خاصة بعد أن تم إجهاض فكرة التهجير القسري الذي رفضته مصر والأردن، ولاحقا أمريكا، على هذه القائمة، كما تشير بعض التسريبات، إحدى الدول الإفريقية (اعتذر عن عدم ذكر اسمها) حيث تجري تفاهمات معها، في سياق وساطة من إحدى الدول العربية، لاستضافة نحو 1,000,000 فلسطيني من غزة والضفة الغربية، هؤلاء الضيوف، أو جزء منهم، حسب ما يتم طرحه من حوافز، سيشكلون طبقة من الخبراء والعمال المهرة، المؤهلين للمساهمة في عملية «الإعمار»هناك، بمجالاتها المختلفة، كما ان الصفقة ستساعد هذه الدولة على الخروج من عزلتها الدولية، واستعادة الأمن والاستقرار السياسي، وفقا لضمانات أمريكية وغربية تم تقديمها، وما تزال قيد النقاش.
تحت مظلة المساعدات الإنسانية، وإعادة التعمير في غزة، ربما تفتح العديد من الدول، في المنطقة وخارجها، أبوابها لاستقبال أعداد من الراغبين بالهجرة من غزة أو الضفة الغربية، تماما كما حدث بعد النكسة في السبعينات من القرن الماضي، ويبدو (وهذا الأخطر) أن تل أبيب تدفع بهذا الملف في سياق تفهمات «سرية» تجري لوقف الحرب، أو أي ترتيبات «لليوم التالي «، وفي تقديري أن أطرافا، عربية وإقليمية ودولية، أصبحت جاهزة للقيام بدور ما للمساعدة في هذا الاتجاه.
أدرك، تماما، أن أغلبية الفلسطينيين صامدون ومتمسكون بأرضهم، كما أنهم تعلموا من دروس اللجوء والنزوح، الشاهد والدليل ما فعله أهل غزة حتى الآن، لكن ما حدث، سواء في غزة أو الضفة الغربية، بفعل ممارسات المحتل الوحشية، هذه التي أعدمت كل مقومات الحياة الإنسانية، يمكن أن يشكل ضغوطا قاهرة على بعض الفلسطينيين، لاسيما الشباب، تدفعهم إلى الهجرة، بحثا عن فرصة عمل، أو مكان آمن، كما حصل لغيرهم من الشعوب التي عانت من الحروب (السوريون مثلا)، وبالتالي ستجد تل أبيب الفرصة مواتية لتكرار ما فعلته في سياق عمليات التهجير المستمرة للفلسطينيين، من منع للعودة، ومصادرة للأملاك.. الخ.
للتذكير، والتنبيه أيضا، يبلغ عدد الفلسطينيين 14,5 مليون، نصفهم تقريبا (7 مليون) في فلسطين التاريخية، فيما يتوزع النصف الآخر على معظم دول العالم (معظمهم في الأردن وسوريا ولبنان ومصر)، علما أن الهجرة الفلسطينية لم تتوقف مع حرب 67، بل استمرت حتى ما بعد أوسلو، ( منذ 7 أكتوبر الماضي أُجبر سكان 13 تجمعا في الضفة الغربية على الهجرة بسبب عنف المستوطنين )، ما يعني مسألتين، الأولى : حلم « التهجير» ما زال قائما في المخيلة الصهيونية، وهو قيد التنفيذ أيضا، المسألة الثانية : الحرب على غزة أعطت إسرائيل فرصة كبرى للتخلص من مشكلتها الأساسية (السكان )، وهي تعتقد أن النجاح في ملف التهجير سيكون علامة من علامات الانتصار في الحرب.
في ظل الظروف والتحولات التي أنتجها العدوان الاسرائيلي، عربيا وإقليميا ودوليا، يمكن لهذا الملف (النكبة الجديدة) أن يظل مفتوحا، وجاهزا للتنفيذ، يبقى الرهان، فقط، على صمود الفلسطينيين، ثم وجود قوة رفض عربي لإفشال تمريره، أو تنفيذه، بموازاة قوة عون ومساعدة تدعم صمودهم، وتمكنهم من البقاء في أرضهم، السؤال : هل سيكون الرهان في محله؟ أتمنى ذلك.
(
الدستور الأردنية)