هذا ما قاله
السيسي ذات يوم، ولأنه قدوته العليا فهو
يقر منهجه -ولا مؤاخذة- الخياني من تحويل النصر العسكري (ويجب أن نلاحظ فرق
التواريخ والتوقيت معا) إلى هزيمه سياسية؛ لا أعتقد أن أحدا في بر
مصر، أو في غير
مصر لم يعد على دراية كافية بما حدث بشأنها، وقد أكد كل ذلك الراحل سعد الدين
الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر، وقد اعتقله مبارك لكشف خذلان عسكري وسياسي معا
تزامنا مع مراحل حرب أكتوبر.
إذن فلم يكن من المستغرب إسقاط كل ذلك على المسألة
الفلسطينية، عندما طلب السيسي أن يكون له دور -وحتى يذكر التاريخ دوره!- ومن ثم
يبني شرعية لنفسه لحكم مصر إلى لأبد، وربما يورث حكمها لأولاده من بعده، مستندا
على شرعية التوسط بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الصهيوني، تماما كما حكم السادات
مصر مستندا على ما أدعى به من "شرعية أكتوبر"، وذلك لحوالي 10 سنوات،
ومن بعده مبارك لحوالي 30 عاما حسوما، وبدون انتخابات حقيقية؛ إلا في أواخر عهده
ونتيجة لضغوط غربية غالبا، وكما حدث مع غيره الآن.
فعندما توسطت مصر السيسي بين المقاومة ودولة
الكيان، كان من الطبيعي، والحال هذه، تحويل النصر العسكري للمقاومة إلى هزيمة
سياسية في حال قبول الأخيرة لهذا الاتفاق الظالم غير المنصف، والذي لا يختلف في
كثير أو قليل عن اتفاقات أوسلو، التي أعطت دولة الكيان كل شيء، ولم تعط الفلسطينيين
أي شيء، حتى مجرد اعتراف بدولة لهم مقابل اعتراف ياسر عرفات، أو منظمة التحرير،
بدولة الكيان.
الاتفاق الذي رعته مصر الرسمية لم يقدم حتى في أحد
بنوده ولو وقف إطلاق ناري فوريا وغير مشروط، كشرط أساس حتى لبدأ حوار أو مفاوضات
جادة بين المقاومة ودولة الاحتلال، يسبق حتى إطلاق سراح أي أسرى.
وأعيد وأكرر ما ذكرته في مقال سابق، وحرصا على قضايانا
القومية، وفي ضوء التأكد من صحة افتراضات سابقة، فمصر الآن ليست هي المكان المناسب
للوساطة بين حتى أي طرف عربي وطرف عربي آخر في حالة صراع، وكان صراع السودان
بالمناسبة، وما تعرض له جنودنا على يد جبهة حمدتي، أو ما تسمى بالدعم السريع، خير
مثال على ذلك، وحيث انحياز مصر للبرهان عاد بالكوارث حتى على أفراد الجيش المصري،
وبعض معداتهم العسكرية هناك.
ثم كيف لمن قال يوما من على منبر الجمعية العامة للأمم
المتحدة: "أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي من أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي"،
أن يُضمن حياده عندما يتوسط في التفاوض بين المقاومة الفلسطينية ودولة الكيان
الصهيوني، من خلال مبادرة يقدمها هو لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل؟!
أعتقد أن خير من أجاب عن هذا السؤال هي بنود تلك
المبادرة ذاتها، والتي لم تتحدث صراحة -أو حتى مواربة- عن وقف شامل ونهائي عن وقف
إطلاق النار من ناحية، ولم تذكر، "تماما كأوسلو"، أي حديث آخر عن الدولة
الفلسطينية المستقلة المستقبلية وعاصمتها القدس الشرقية، في أي من المراحل الثلاث
التي ذكرتها تلك المبادرة، من ناحية أخرى.
إذن فهناك فرق شاسع بين 6 أكتوبر 1973، و7 أكتوبر 2023،
يصل إلى عنان السماء.