يصادف
هذا الأسبوع مرور الأسبوع السادس عشر على القصف المتواصل وتدمير الحياة الإنسانية
في
غزة على يد الجيش الأكثر لا أخلاقية في العالم. أقدم هنا تلخيصا لعشرة أمور يجب
أن نتعلمها من هذه التجربة المؤلمة لنستقي العبر والدروس.
أولا: إن الأيديولوجية الاستعلائية الصهيونية ونظامها العنصري غير الشرعي هما السبب
الجذري للمشكلة. إن إصرار الكيان الصهيوني على الهيمنة على
الفلسطينيين وإخضاعهم
وتهجيرهم واقتلاعهم يجعل هذه الأيديولوجية غير قابلة للتغيير، وتشكل تهديدا
وجوديا، ليس فقط على الفلسطينيين، بل أيضا باعتبارها المصدر الرئيس للحروب
والصراعات وزعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، بل وفي أجزاء كثيرة من العالم.
ثانيا: إن الولايات المتحدة ليست فقط مجرد إمبراطورية تحاول الحفاظ على هيمنتها العالمية
ونظامها الإقليمي الجائر من خلال حلفائها الذين في معظمهم يمثلون أنظمة مستبدة
وطاغية، ولكنّ دعمها الأعمى وتواطأها في أعمال الإبادة الجماعية والوحشية التي
يرتكبها الكيان الصهيوني؛ يكشفان عما يمكن أن تسمح به لتحقيق هدفها المتمثل في
الهيمنة الكاملة على المنطقة بغض النظر عن أية عواقب أو نتائج. كذلك فإنها عند
احتضانها ودفاعها عن الفظائع التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في غزة وخارجها، تكون
قد تخلت وتنازلت عن أي سلطة أخلاقية كانت تدّعيها في الماضي.
تم انكشاف نفاق الحكومات في معظم الدول الأوروبية وعداؤها للعرب والمسلمين، خاصة في بريطانيا وألمانيا، كما تم الكشف عن طبيعتها العنصرية الحقيقية. إن الخطاب الأمريكي والأوروبي المزدوج حول احترام حقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية، وسيادة القانون، وحرية التعبير، والتنوع الفكري، والالتزام بالمثل الليبرالية والعلمانية، ودعم المؤسسات الدولية، قد تبين أنه مجرد كلام أجوف
ومع
استمرارها في حماية الكيان الإسرائيلي وتزويده بأسلحة الموت والدمار، تكون
الولايات لمتحدة قد أعلنت نفسها عدوا ليس فقط للفلسطينيين والعرب والمسلمين، ولكن
أيضا ندّا لجميع الأشخاص المناهضين للإمبريالية والمؤيدين للعدالة وحقوق الانسان
في جميع أنحاء العالم.
ثالثا: لقد تم انكشاف نفاق الحكومات في معظم الدول الأوروبية وعداؤها للعرب والمسلمين،
خاصة في بريطانيا وألمانيا، كما تم الكشف عن طبيعتها العنصرية الحقيقية. إن الخطاب
الأمريكي والأوروبي المزدوج حول احترام حقوق الإنسان، والقيم الديمقراطية، وسيادة
القانون، وحرية التعبير، والتنوع الفكري، والالتزام بالمثل الليبرالية والعلمانية،
ودعم المؤسسات الدولية، قد تبين أنه مجرد كلام أجوف وأداة لدعم النموذج الاستعلائي
والفوقي المزعوم، فضلا عن الحفاظ على الهيمنة والسيطرة على دول عالم الجنوب.
رابعا: إن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، بل وفي كل مكان في العالم، عازمون على
مواصلة مقاومة الاحتلال والعدوان، والدفاع عن حقوقهم في أرضهم ومقدساتهم، وإن أي
قدر من العنف أو الإرهاب الإسرائيلي لن يوقف مسيرتهم نحو نيل الحرية والكرامة
والاستقلال وحق تقرير المصير.
خامسا: لقد أثبتت الحرب الهمجية على غزة أن الدول العربية والإسلامية ضعيفة للغاية، كما
أنها تعاني من التبعية والتقسيم والتجزئة أو القبلية، ومعرضة للابتزاز إلى الحد
الذي يجعلها غير قادرة على إحداث تغيير حقيقي أو حتى متواضع في هذا الصراع الشرس،
أو الوفاء بمطالب شعوبها وتحقيق آمالها. إن هذه الحكومات والأنظمة قد تنقسم إلى
الفئات التالية:
أ)
المطبعون أو الذين يهرعون نحو التطبيع: هذه الأنظمة هي في الأساس أقرب الى معسكر
العدو، حيث يشاركونه الأهداف، ويتسترون على جرائمه ويستمرون بالتنسيق مع الأعداء
لتقويض
المقاومة أو القضاء عليها.
ب)
حكومات تتمتع بدرجة من الاستقلالية والمواقف الأخلاقية، كما أن لديها نفوذا سياسيا
واقتصاديا وعسكريا كافيا للضغط على الكيان الصهيوني ومن يدعمه، إلّا أنها تفتقر
إلى الإرادة الحقيقية. وذلك يرجع إما إلى سوء تقدير للمصلحة الذاتية، أو عدم
الرغبة في دفع الثمن الذي يمكن أن تفرضه أمريكا أو حلفاؤها مقابل الوقوف في دعم
المُثُل والمبادئ التي يرفعونها ويدافعون عنها.
ج)
الحكومات التي تريد أن تتبنى السياسات الصحيحة أو تقوم بالأفعال المؤثرة، ولكنها
ضعيفة للغاية أو بعيدة جدا عن مسرح الأحداث للقيام بأي شيء يفضي الى نتائج حقيقية
في الصراع الدائر حاليا.
د)
حكومات ومجموعات أو فصائل قوية متحالفة معها في أماكن أخرى، وهي تلك التي تشكل ما
يسمى بمحور المقاومة. هذه الجهات اتخذت مواقف مبدئية وقامت بأفعال حقيقية على
الأرض لدعم شعب غزة ضد العدوان الإسرائيلي. وبالرغم من أن مساهماتها كانت محدودة
النطاق إما لأسباب استراتيجية أو لاعتبارات توازن القوى بين الأطراف العالمية
المتشابكة، إلا أن تأثيرها لم يكن ضئيلا، بل أدى بالفعل إلى زيادة الضغط على
الكيان الإسرائيلي من أجل تخفيف معاناة الفلسطينيين أو فرض بعض التنازلات على
معسكر الأعداء.
خطوط الصدع الموجودة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، مثل الطائفية والقبلية والتعصب القومي الضيق أو الخطاب المسعور المناهض للدين أو الهوية، أطلت برؤوسها القبيحة وأصبحت منتشرة على نطاق واسع، بحيث يمكنها زرع الفتنة وتقويض الوحدة اللازمة والفعالية المطلوبة لمواجهة العدوان
سادسا:
إن همجية ووحشية العدوان الإسرائيلي كشفت أيضا أن الحركات الاجتماعية والأحزاب
السياسية داخل المجتمعات العربية والإسلامية بكافة تياراتها، سواء كانت إسلامية أو
قومية أو يسارية أو ليبرالية، وكذلك منظمات المجتمع المدني وفئات العلماء ورجال
الدين وطبقة المثقفين والنخب السياسية في هذه المجتمعات، كانت ضعيفة جدا، حيث أنهم
إما منقسمون، أو مغيبون، أو في بعض الحالات أصبحوا يمارسون الانتهازية والنفاق
السياسي. كما أنهم في كثير من الحالات، يفتقرون إلى الفهم الاستراتيجي والقدرة على
التوجيه، فضلا عن العجز المطلق للفعل المؤثر أو الغياب التام للقيادة والتفكير
الإبداعي.
إن
خطوط الصدع الموجودة داخل المجتمعات العربية والإسلامية، مثل الطائفية والقبلية
والتعصب القومي الضيق أو الخطاب المسعور المناهض للدين أو الهوية، أطلت برؤوسها
القبيحة وأصبحت منتشرة على نطاق واسع، بحيث يمكنها زرع الفتنة وتقويض الوحدة
اللازمة والفعالية المطلوبة لمواجهة العدوان الإسرائيلي والغربي الذي يسعى إلى
إذلال وإخضاع العالم العربي والاسلامي.
سابعا:
من الواضح أن مشاعر وتعاطف الكثيرين من العرب والمسلمين في العالم، والذين يزيد
عددهم عن 1.8 مليار نسمة، تدعم شعب غزة والنضال الفلسطيني بشكل كبير وهائل. إلّا
أن الغالبية العظمى منهم يشعرون بالإحباط الشديد إزاء حكوماتهم، كما يشعرون بخيبة
أمل شديدة تجاه قياداتهم الرسمية أو الشعبية. إلّا أنه عاجلا أم آجلا، ستتحول هذه
الإحباطات وخيبات الأمل إلى حراك سياسي قوي يصحبه تغييرات هائلة في جميع أنحاء
المنطقة. وعلى عكس ما يسمى بظاهرة الربيع العربي، فإن الفصل بين الصديق والعدو
سيكون أكثر وضوحا هذه المرة، كما أن مناهضة السيطرة الأجنبية ومواجهة النفوذ
الخارجي سيحظى بالأولوية والأسبقية على أية قضايا أخرى.
ثامنا: يشهد العالم الآن تحولا سريعا على مستويات عدة، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات
الدولية والهموم الإنسانية. لقد انتشر الوعي العام في مختلف أنحاء العالم فيما
يتعلق بالحقوق الفلسطينية والخطر الصهيوني، كما استيقظ الضمير العالمي بعد عقود من
غسيل الدماغ والخداع والأكاذيب. وبعد أكثر من 100 يوم من المجازر المتواصلة
واستهداف الأطفال والنساء والآمنين واستخدام كل الوسائل المتاحة، بما فيها سياسات
الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير وزيادة المعاناة، أصبح الملايين من الناس في
جميع أنحاء العالم الآن جنودا على الأرض يدافعون عن الحقوق الفلسطينية ويطالبون
بوضع حد للاعتداء والترويع الصهيوني. هذه الحركة ستكون عالمية بطبيعتها، ولسوف تصل
إلى جميع أنحاء العالم، كما أنها سوف تستمر في الاتساع والانتشار. لا توجد قضية
أخرى اليوم أكثر شعبية وانتشارا أو قدرة على توحيد أصحاب الضمائر الحية في جميع
أنحاء العالم، أو أولئك الذين يدافعون عن أو يتوقون إلى الحرية والعدالة والكرامة
الإنسانية مثل القضية الفلسطينية.
تاسعا: هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة للمستقبل، إلّا أنها كلها تؤدي، مع مرور الوقت، إلى
نفس النتيجة. الخطة الأمريكية الحالية تدعو الى إبادة المقاومة الفلسطينية، وإدماج
إسرائيل في النظام الإقليمي الذي تقوده أمريكا بينما هي تدفع نحو ما يسمى بحل
الدولتين. إلّا أن المقاومة لا يمكن أن تنتهي أو يقضى عليها، كما أن شعوب المنطقة
ترفض الهيمنة الإسرائيلية وأعمال الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال، في حين
أن حل الدولتين لا يمكن أن يصبح في ظل الحكومات الإسرائيلية الاستيطانية المتطرفة
حقيقة واقعة، كما لا يمكن لمقترحاتها الهلامية أن تكون قابلة للتطبيق.
في النضال المستمر والسعي الحثيث ضد قوى الإمبريالية والعنصرية والاستغلال والهيمنة في العالم، فإن فلسطين ستصبح هي الرمز العالمي الأكثر أهمية في صراع الحق أمام الباطل، والعدل ضد الظلم، والحرية ضد الاستعباد، ولنشر السلام والوئام الحقيقيين بدلا من الدمار والحروب
ومع
الفشل في فرض التهجير القسري أو الطوعي أو الطرد الجماعي للفلسطينيين والتسبب في
نكبة ثانية، فلسوف تنشأ دعوات عالمية متصاعدة لإقامة دولة ديمقراطية واحدة في
فلسطين التاريخية. إلّا أن الكيانات السياسية الإسرائيلية المتغطرسة، والمجتمع
الإسرائيلي العنصري، ومؤيديهم الصهاينة في العالم، سوف يرفضون هذه الدعوة رفضا
قاطعا لأنها ستكون نهاية الحلم الصهيوني بوجود سيادة ودولة يهودية في فلسطين
التاريخية. هذا الأمر يعني أن الطريق الوحيد للمضي نحو المستقبل سيكون في النضال
المستمر من أجل إنهاء الصهيونية من المجتمع وتفكيك نظامها العنصري على الأرض
وفي
أي من السيناريوهات الثلاثة الآنفة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات
المتحدة سوف يضعف باستمرار ليحل محله نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا.
عاشرا: في النضال المستمر والسعي الحثيث ضد قوى الإمبريالية والعنصرية والاستغلال
والهيمنة في العالم، فإن فلسطين ستصبح هي الرمز العالمي الأكثر أهمية في صراع الحق
أمام الباطل، والعدل ضد الظلم، والحرية ضد الاستعباد، ولنشر السلام والوئام
الحقيقيين بدلا من الدمار والحروب والصراعات التي لا نهاية لها.
حتى
نواصل المضي قُدما نحو النضال من أجل تحرير فلسطين، فإنه من المهم فهم هذه الدروس
واستيعابها، لأنها ستكون لها تداعيات ونتائج مستقبلية هامة نحو تفكيك المشروع
العنصري الصهيوني. وكما ذكّر نيلسون مانديلا شعبه ذات يوم بالنضال الذي ينتظره حين
قال: "بالطبع لن تكون المهمة سهلة، لكن عدم القيام بذلك سيكون بمثابة جريمة
ضد الإنسانية، وعليه فإني أطالب البشرية جمعاء أن تنهض وتقف لتحقيقها الآن".