عادت دعوات التبرع بأشكالها المختلفة إلى الواجهة في
مصر، لدعم اقتصادها الذي يمر بأسوأ أزمة نقص عملة أجنبية، تُهدد بتخلّفها عن سداد الديون وهبوط تصنيفها الائتماني إلى درجات متدنية، من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني الدولي الثلاث "فيتش، موديز، وستاندرد آند بورز".
وجاءت الدعوة الأولى من قبل المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب الوفد المصري الليبرالي، عبد السند يمامة، الذي اقترح تقديم مشروع قانون يجبر العاملين في الخارج على تحويل 20 في المئة من دخلهم الشهري بالعملة الأجنبية إلى البنوك المصرية.
الدعوة الثانية أطلقها المغني المصري، أحمد سعد، للتبرع بمبلغ مالي قدره 50 ألف دولار من أجره من حفلاته الغنائية خارج مصر، لدعم اقتصاد مصر بسبب الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد، مؤكدا أن "هذه الدعوة من تلقاء نفسه ودون توجيه من أحد، على حد زعمه".
وكان رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، أول من دعا إلى التبرع للاقتصاد المصري، وذلك منذ توليه منصبه من خلال طرق غير تقليدية أثارت سخرية قطاع واسع من الشعب المصري، مثل "صبح على مصر بجنيه"، و"اتبرع بالفكة اللي معاك"، وأنشأ صندوقا خاصا باسم "تحيا مصر" لجمع التبرعات من رجال الأعمال والتجار "بالأمر المباشر".
ردود الفعل جاءت سريعا ومن أقرب مكان لرئيس حزب الوفد، حيث أحدثت دعوته انقساما داخل الحزب، فيما قال المعارضون إن مشروع قانون إلزام المصريين العاملين بالخارج بتحويل 20 في المئة من دخلهم الشهري بالعملة الأجنبية إلى البنوك المصرية، غير دستوري ويفتقد للشرعية، وذلك بحسب صحف محلية نقلا عن أعضاء بالحزب.
وفي محاولة لاحتواء موجة الاستنكار الواسعة، أكد حزب الوفد، في وقت لاحق، أن دعوة المصريين بالخارج لتحويل جزء من راتبهم للداخل، ليست إلا توجها خالصا نحو دعم الوطن في ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أن "المقترح يتضمن تحويل جزء من الدخل، وليس استقطاعا من الراتب أو فرض ضرائب كما يروج البعض".
انقسام داخل حزب الوفد
انتقد عضو مجلس النواب عن حزب الوفد، محمد مدينة، عدم إجراء أي دراسات حول هذا المقترح قبل الإعلان عنه، وقال إن: "مشروع القانون غير قانوني وغير دستوري ويفتقد للشرعية القانونية"، مضيفا: "مشروع القانون يعد ملكية خاصة ولا يجوز التعدي عليها أو المساس بها".
وفي السياق نفسه، تهكّم الإعلامي، عمرو أديب، على مقترح إلزام المصريين بالخارج بتحويل 20 في المئة من دخولهم الشهرية بالعملة الأجنبية، وقال ساخرا: "عجبني الاقتراح جدا بصراحة.. وعاوز أقوله إننا كمان ممكن نجبرهم إن كل واحد فيهم يتبرع بكلية".
اظهار أخبار متعلقة
وواصل سخريته، عبر برنامجه التلفزيوني، "حظ البلد وحش (سيء) إن يمامة مبقاش (لم يصبح) رئيس جمهورية.. لإنه لو كان بقى رئيس كان هيبقى عنده حلول زي دي كتير للأزمة الاقتصادية بس للأسف هو خسر بنسبة بسيطة".
لا لتمويل شطحات الحكومة
يقدر بنك الاستثمار الأمريكي، جولدمان ساكس، أن "الفجوة التمويلية لمصر خلال الأعوام الأربعة المقبلة، ستصل إلى 25 مليار دولار بفرض سد عجز صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي، والفجوة هي حجم التمويل غير المتوفر بعد استنفاد كل الموارد المتاحة للدولة".
كذلك، أثارت الدعوات الجديدة موجة استنكار وسخرية واسعة بين المصريين المغتربين وذويهم، واستهجن البعض الدعوة لما قالوا إنها لتمويل "شطحات ومغامرات الحكومة" في إشارة إلى "الإنفاق ببذخ على المشروعات القومية الكبرى وإغراق البلاد في الديون".
جباية جديدة
وصف الناشط والإعلامي بالجالية المصرية في إيطاليا مثل تلك الدعوات بأنها "غير واقعية، ولا يوجد لها أي استجابة، ومحاولة جديدة لاستنزاف أموال المصريين المغتربين لتمويل ديون النظام"، مؤكدا أن "هذه الدعوات ستبوء بالفشل ولا تحظى بأي دعم، ويكفي إغراق المصريين بالخارج بالعديد من المبادرات رغم شكاوى البعض من عدم الاستفادة منها بشكل صحيح".
مضيفا لـ"عربي21": "كانت هناك دعوات مماثلة لها من قبل ولم تلق أي استجابة من المصريين في الخارج وأصبح لدى المصريين في الخارج اعتقاد كبير بانهيار
الاقتصاد المصري وهم يلجأون إلى ادخار ثرواتهم في منافذ أخرى في الدول التي يعيشون فيها".
واعتبر أن "مثل هذه الدعوات تكشف عن انهيار كبير في منظومة الاقتصاد المحاصر بالديون والذي يعاني من أسوأ أزمة نقد أجنبي منذ بدء تداول العملة المحلية في مصر ما يؤشر على مدى الأزمة التي افتعلتها السلطات المصرية التي كبرت إلى حد جعلت
الدولار يتجاوز 72 جنيها بدلا من 6 جنيهات قبل تولي السيسي الحكم".
رحيل منظومة الفساد
علق السياسي المصري، خالد الشريف، بالقول إن "مثل هذه الدعوات تكشف إفلاس وانهيار الدولة التي تلجأ للجباية والتبرعات الإجبارية من أبناء الشعب الكادحين الذين يسعون للقمة العيش خارج البلاد بعد أن أوصدت في وجوههم كل الأبواب في مصر ولم توفر لهم الدولة عملا شريفا".
وأضاف لـ"عربي21": "ليت هذه المحنة طارئ عن كارثة أو أزمة كبرى لكنها ناجمة عن فشل ذريع بيد الطغمة الحاكمة التي عبثت بمقدرات الوطن وأنفقت على مشروعاتها وأوهامها وكبلت البلاد بالديون والقروض في مشروعات فاشلة لا قيمة لها وتركت الشعب يعاني الويلات ثم هي الآن تلجأ إلى الكادحين لتأخذ وتنهب أموالهم".
اظهار أخبار متعلقة
ورأى الشريف أن "الأولى بالنظام غلق ماسورة الفساد وتوقف العبث في أموال الشعب ورحيل كل المسؤولين عن تدمير البلاد بداية من السيسي ونهاية بأصغر وزير ومحافظ؛ هؤلاء غير مؤهلين لإدارة مصر.. وعلى الجيش أن ينسحب من إدارة الاقتصاد والمشروعات ويتفرغ للدفاع عن حدود مصر وحمايتها".