قضايا وآراء

مشروع "الإمارات السبع الجديدة" في مصر!

أحمد عبد العزيز
الأناضول
الأناضول
أحار من أين أبدأ الحديث في هذا الموضوع المثير لكل بواعث القلق والسخط والقهر.. فالأمر شديد الوضوح، شديد الوجع، شديد الكآبة، رغم أسلوب الأحاجي والفوازير والغموض الذي انتهجه نظام الجنرال المنقلب ياسر جلال، في الإعلان عن هذا "المشروع"!

بوضوح بالغ.. مصر (اليوم) برسم البيع لـ"كيانات كبرى"، حسب تعبير مصطفى مدبولي، كبير سكرتارية جنرال مصر المنقلب!

واقع الحال يثبت ويؤكد أنه لم يعد في مصر (اليوم) مواطن واحد لديه ذرة من اطمئنان إلى صحة، أو نفاذ، أو حُجية، أو إلزام أي وثيقة، أو عقد، أو مستند يثبت ملكيته لأي شيء، حتى أولئك الذين يلعقون "بيادة" أو "بُسطار" الجنرال المنقلب، قبل الأكل وبعده، وقبل النوم، وعلى الريق!

فبينما المواطن يعيش في بيته مطمئنا، أو "غافلا"، أو "مستغفَلا" على الحقيقة، تكون الأجهزة المعنية في "شبه الدولة" منهمكة (لشهور وربما لسنوات) في مفاوضات مع "مشترٍ" لبيته، ضاربة عرض الحائط بثقته فيها، واحترامه لقوانينها التي تسري على كلِّ أحدٍ في مصر، إلا الجنرال المنقلب وحكومته، أو "حاشيته"، أو "عصابته".. لا فرق!

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "مشروع رأس الحكمة" الذي سيكون (حسب زعم أبواق شبه الدولة) بداية "رخاء" أجزم (بيقين) أنه لن يأتي أبدا، ما دامت مصر تُدار بهذه الطريقة، وبهذا النوع من "المسؤولين" الذين وقعت في براثنهم، منذ اثنين وسبعين حولا.. حولٌ يجر حولا!

حرفيا.. أنت (اليوم) بين أهلك في بيتك.. وغدا في الشارع.. هكذا بكل بساطة.. والسبب جاهز؛ "لدواعي النفع العام"، والتنفيذ بالقوة لا بالتراضي، مع عرض بتعويض بخس، لا يكفي لشراء غرفتين فوق سطح بيت آيل للسقوط، في حي شعبي شديد البؤس، بدلا من بيتك الفسيح الذي يقع في منطقة متميزة.. حتى وإن بُح صوتك، وجف دمعك، وتصدع رأسك، وسقطت مغشيا عليك، ونقلوك إلى أقرب مشفى عام معدوم الإمكانيات، بين الحياة والموت!

إمارات سبع جديدة!

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "مشروع رأس الحكمة" الذي سيكون (حسب زعم أبواق شبه الدولة) بداية "رخاء" أجزم (بيقين) أنه لن يأتي أبدا، ما دامت مصر تُدار بهذه الطريقة، وبهذا النوع من "المسؤولين" الذين وقعت في براثنهم، منذ اثنين وسبعين حولا.. حولٌ يجر حولا!

فقد بشَّر عبد الناصر من قبل بالرخاء، ولم يجن المصريون سوى الهزيمة، وإرثا "ناصريا ديماغوجيا" أفسد كل مناحي حياتهم حتى الساعة!

وبشّر السادات من قبل بالرخاء، ولم ير المصريون إلا انقلابا للهرم الاجتماعي، فبات جامع القمامة أغنى من أستاذ الجامعة، مع كامل الاحترام لجامع القمامة!

وبشر مبارك من قبل بالرخاء، فاكتشف المصريون أن الرخاء الذي وعد به كان لابنيه علاء وجمال، وقطط الحزب الوطني السِّمان، ومن دار في فلكهم!

وبشر ياسر جلال بـ"عضمة لسانه"، وعلى ألسنة أبواقه الإعلامية بالرخاء، فغرقت مصر في الديون، وبات الحصول على كيلو سكر حلما يراود مئة مليون مصري!

وقبله بشر الرئيس المنتخب محمد مرسي بالرخاء، ولما بدا لهم أنه جاد في بشراه التي بانت ملامحها في أول موسم حصاد للقمح، وفي الأفكار العملية التي طبقها وزيره للتموين باسم عودة، المعتقل منذ اثنتي عشرة سنة في سجون طبيب الفلاسفة، تكالبوا عليه وأطاحوا به.. إذ يجب أن تبقى مصر ممدودة اليد بالسؤال!

لن أخوض في تفاصيل "مشروع رأس الحكمة"، فقد خاض فيه الخائضون بما يكفي.. سواء عن علم، أو عن جهل، أو لمصلحة، أو تطبيل؛ نكاية في "أهل الشر" الذين أنا منهم، حسب توصيف اللصوص الذين نهبوا مصر، وجعلوا منها أكبر متسول في العالم!

ولكني أرى وجوب التنبيه إلى أن "مشروع رأس الحكمة" يشمل سبع مناطق، على امتداد الساحل الغربي لمصر، وصولا إلى مدينة السلوم الحدودية مع ليبيا، وليس مدينة أو منطقة رأس الحكمة وحدها!

أرى وجوب التنبيه إلى أن "مشروع رأس الحكمة" يشمل سبع مناطق، على امتداد الساحل الغربي لمصر، وصولا إلى مدينة السلوم الحدودية مع ليبيا، وليس مدينة أو منطقة رأس الحكمة وحدها

أما المناطق السبع (حسب صحيفة الأهرام المصرية شبه الرسمية) فهي: العلمين، رأس الحكمة، النجيلة، سيدي براني، جرجوب، مطروح، والسلوم.. وإذا كان البحر المتوسط يحد هذه المناطق من جهة الشمال، فإن حدودها من جهة الجنوب مفتوحة على صحراء بِكر تمتد بطول ألف كيلومتر، يمكن استغلال المزيد منها كلما دعت الحاجة إلى التوسع، ما يعني أننا نتحدث عن مساحة تساوي مساحة دولة الإمارات أو أكثر، وستتضاعف مستقبلا، ما بقي الشعب المصري غافلا أو مستغفلا.. فهل من قبيل "الصدفة" أن يتكون هذا "المشروع" من سبع مناطق، على غرار الإمارات السبع التي تتكون منها دولة الإمارات؟ ربما لا.. وربما نعم.. لكن في ظل توافر كل العوامل التي تجعلني أقدم "سوء النية"، فأنا أميل إلى "نعم"..

كُثر من مترفي الخليج مهووسون بالأرقام المميزة أو ذات الدلالة.. لذا، فالرقم "سبعة" قد يكون مقصودا في ذاته؛ للسبب الذي بينته آنفا، ولا أستبعد أن يعين محمد بن زايد على كل منطقة من هذه المناطق السبع "شيخا" يكون هو المسؤول أمامه، أما المسؤول المصري فهو لزوم "التمويه" لا أكثر، حتى لا يبدو الأمر (للمصريين) احتلالا "أجنبيا" لبلدهم!

أما الحقيقة التي يؤكدها الواقع، وبرهنت عليها الوقائع فهي أن ابن زايد مهووس باحتلال أراضي الغير والتوسع والتمدد فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد جرَّب ذلك في الإمارات نفسها ونجح، يوم كان وليا للعهد بإمارة أبو ظبي!

هل تذكرون "برج دبي" الذي صار اسمه "برج خليفة" ليلة افتتاحه، في عام 2010، دون سابق إنذار وعلى الهواء مباشرة؟

لقد كنت أتابع بثا متلفرا للحدث، وشاهدت ما جرى في دهشة بالغة؛ لأن حكام الإمارات يحرصون (كل الحرص) على إظهار الاحترام لبعضهم بعضا، في الإعلام على الأقل.. ولكن هذا التقليد "المصطنع" اختفى نهائيا، من جانب ابن زايد في تلك الليلة، بينما حافظ عليه ابن راشد وتمسك به، رغم أنه الطرف المتضرر!

لقد تم تغيير اسم البرج، واللوحة التي تحمل اسمه، في لحظة الافتتاح، وظل محمد بن راشد (الذي كان يحمل ألقاب: نائب رئيس الدولة، حاكم دبي، رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع) واقفا لأكثر من ساعة، يترقب وصول "مندوب" محمد بن زايد ليتكرم ويفتتح البرج، وليس ابن زايد نفسه الذي كان (وقتئذ) مسؤولا "ثانيا" في إمارته وعلى مستوى الدولة، حسب البروتوكول!

وكما هو معلوم ومتداول، فإن استيلاء ابن زايد على "برج دبي" كان جزءا من "صفقة بيع دبي" لصالح أبو ظبي؛ لتسوية تداعيات الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في عام 2008، وتضررت منها دبي بصورة حادة.. ومن ثم، فأي حديث عن استثمار إماراتي في "مشروع رأس الحكمة" إنما هو تضليل، وضحك على ذقون المصريين!

لقد احتل ابن زايد جنوب اليمن بمياهه وجُزره، ويحتل شرق ليبيا الغني بالنفط الذي يحكمه بالإنابة عنه خليفة حفتر الذي منح نفسه رتبة المشير أسوة بنظيره في مصر ياسر جلال، وحاول احتلال أجزاء من الصومال وجيبوتي، وسولت له نفسه أن يغزو قطر ويحتلها، ولم يتردد في أن يحاصرها ثلاث سنوات كاملة مع حلفائه، بعد إجهاض محاولة الغزو، لعلها تضعف وتستسلم، لكن قطر صمدت وانتصرت في معركة كانت (بحق) معركة العقول والإرادات! فهل لشخص كهذا، مهووس بالاحتلال والتوسع والغزو أن يفكر كمستثمر إذا تطوعت الضحية و"عرَّت كتفها وكشفت ظهرها"، وقالت: هيت لك؟! بالطبع كلا!

عناوين الأمس القريب!

منذ اثنين وسبعين عاما وأنتم تستمعون إلى وعود بالرخاء.. فهل تحقق الرخاء يوما؟ هل رأى المصريون رخاءً قط؟ ألم يسأم المصريون تعاطي "مخدِّر الرخاء" الذي يفيقون منه (دائما) على الحديث عن "التحديات"، و"الصبر" و"شد الحزام"، و"الاكتشافات البترولية" التي ستجعل مصر أغنى دولة في العالم، وهو حديث قديم متجدد بدأ في عهد عبد الناصر، ولم تكف أبواق السلطة، حتى يوم الناس هذا، عن استدعائه وترديده، مع كل كارثة تسوقهم إليها السلطة؛ بهدف تخديرهم من جديد!

هل تذكرون عناوين الصحف المصرية، أثناء وبعد "المؤتمر الاقتصادي" الذي عُقد في آذار/ مارس 2015 في شرم الشيخ؟

للتذكير.. إليكم بعض العناوين الرئيسية:

اليوم السابع: "حصاد اليوم الثاني للمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ.. 158 مليار دولار حصيلة 31 مذكرة تفاهم"! هل جُمعت حقا هذه المليارات؟ وهل وجدت مذكرات التفاهم هذه طريقها إلى التنفيذ؟ هل لمس المواطن من ذلك شيئا؟ الإجابة: كلا!

المساء: "160 مليار دولار حتى الآن.. المؤتمر الاقتصادي يواصل النجاح ومطالب بعقده سنويا"! هل نجح حقا هذا المؤتمر الاقتصادي؟ وإذا كان قد نجح، فلماذا لم يتكرر؟ وما نتيجة هذا النجاح؟ الإجابة: لا شيء!

الشروق وصحف أخرى كثيرة: "مصر تستيقظ الآن"! وهي الجملة التي أطلقها ياسر جلال في هذا المؤتمر، فهل استيقظت مصر فعلا؟ وماذا فعلت بعد أن استيقظت؟ الإجابة: رجعت نامت تاني! ولِمَ لا تنام وفي النوم هروب من هذا الواقع السوداوي المحبط الأليم!

الأهرام: "175.2 مليار دولار حصيلة المؤتمر الاقتصادي.. وزير الاستثمار للأهرام: لا مشاكل في تمويل المشروعات الجديدة"! مبروك نجاح المؤتمر، وتوفر التمويل للمشروعات الجديدة.. لكن.. أين ذهبت هذه المليارات؟ بماذا عادت على المواطن هذه المشروعات التي توفر لها التمويل؟ الإجابة: مشاريع فنكوش كان الهدف من أحدها رفع الروح المعنوية لدى المصريين، وكثير منها تم دون دراسات جدوى فتوقفت، ومنها كباري وطرق، لا يستخدمها إلا القادر على دفع رسوم العبور، وفي كل الأحوال.. فإن المستفيد الأول من كل هذه المشروعات كان الجيش، برئاسة ياسر جلال القائد الأعلى الذي أسند إليه تنفيذها بالأمر المباشر!

الوطن: "العالم يردد وراء السيسي: تحيا مصر"! شعار شعبوي فج؛ فالمصريون يحيون حياة الشعوب الأشد فقرا وتخلفا، منذ رفع ياسر جلال هذا الشعار الرخيص!

التحرير: "الرئيس يلهب حماس الجماهير بخطاب غير مسبوق في ختام مؤتمر شرم الشيخ: ربنا خلق بلدنا عشان تعيش"! حماس الجماهير نراه اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي وقد تبدل إلى لعنات وسباب بأقذع الألفاظ؛ بسبب الوضع المعيشي البائس الذي أوصل الناس إلى تمني الموت، أو الحلم بدخول السجن، أو الرغبة في الانتحار!

الوضع الاقتصادي لن يتحسن ما لم يتغير النظام!

أنا لست اقتصاديا، لكني أحسب أني قارئ جيد، ومستمع جيد لأهل الاختصاص.. ومن ثم، فإن الأمر واضح كل الوضوح بالنسبة لي..

بحسبة بسيطة.. وبعد اختيار أحد الأرقام التي تم تداولها في الإعلان الغامض عن "مشروع رأس الحكمة" أساسا للحساب، فإن المبلغ المعلن عن "استثماره" في المشروع هو 35 مليار دولار، منها 11 مليار دولار ستتحول من وديعة في البنك المركزي إلى "استثمار"..

إذن، الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية "سينقص" 11 مليار دولار.. والديون المطلوب سدادها هذا العام حوالي 42 مليار دولار.. أي أن المبلغ المُعلن عنه (35 مليار دولار) لن يكفي لسداد مبلغ الدين المطلوب سداده هذا العام!

هذا الجنرال المنقلب يبيع الوهم للشعب المصري، ويشتري الوقت، حتى ينجز مهمته التخريبية، ثم يفيق المصريون (ذات صباح) ليجدوا أنفسهم لاجئين في وطنهم، لا يملكون من أرضه شبرا صالحا للحياة عليه

ويصبح السؤال هو: ماذا عن باقي الدين الخارجي الذي سيصبح 123 مليار دولار في حال سداد مبلغ الدين المستحق هذا العام (42 مليار دولار)؟ وماذا عن تريليونات الجنيهات (الدين الداخلي) التي هي أموال المودعين؟! كيف سيتم سداد كل هذه الديون؟! من أين؟! وهل ستتوقف "شبه الدولة" عن الاستدانة لسداد أقساط الديون، أم ستستمر في الاقتراض، فترتفع الديون مرة أخرى وتتجاوز ما كانت عليه (165 مليار دولار)؟!

ومع العلم بأن "مشروع رأس الحكمة" أو بالأحرى "مشروع الإمارات السبع الجديدة" لن يدر دخلا قبل خمس سنوات، بحسب التصريحات "الرسمية"، وسيكون نصيب مصر السنوي من صافي هذا الدخل 35 في المئة لا غير! فكيف ستسير الأمور خلال هذه السنوات الخمس؟ أو حتى خلال السنة القادمة؟ وكم ستوفر هذه النسبة الهزيلة من احتياجات الشعب المصري الأساسية الذي سيبلغ تعداده نحو 120 مليونا في عام 2030، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؟!

باختصار غير مخل.. لقد باع الجنرال المنقلب قطعة من أجمل وأغلى المناطق في مصر، تساوي مساحة دولة الإمارات لرئيس الإمارات محمد بن زايد بـ35 مليار دولار فقط لا غير، وهو مبلغ يساوي ثلث الأرباح التي تحققها شركة "آبل" في العام الواحد!

إن هذا الجنرال المنقلب يبيع الوهم للشعب المصري، ويشتري الوقت، حتى ينجز مهمته التخريبية، ثم يفيق المصريون (ذات صباح) ليجدوا أنفسهم لاجئين في وطنهم، لا يملكون من أرضه شبرا صالحا للحياة عليه!

الحل في مقالي السابق "مصر.. المشكلة والحل".

twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
التعليقات (0)