من حيث المبدأ لابد من ذريعة تشرع لإثارة حرب، أو تدخل في شؤون دولة أخرى، وقانونيا ليكون التدخل شرعيا لابد من غطاء أممي، لكن هل في كل مرة كانت تدخلات الولايات المتحدة، أو حلف الناتو الذي يجمع معظم الدول الأوروبية بقيادة أمريكا مبنية على حجج دامغة، أو شرعية دولية؟ إذا أخذنا بعض الأمثلة نجد أن الكثير من التدخلات لم يكن لها أي سند قانوني، بل حتى الذرائع والحجج كانت واهية وملفقة ولا أساس لها من الصحة لتبرير تدخل عسكري. بل إن الاستناد على ذريعة الإرهاب، إن لم توجد، لابد من صنعها. فالقاعدة وطالبان من المؤكد أنهما وظفتا لصالحها في أفغانستان بمساعدة المخابرات الباكستانية ضد الاتحاد السوفييتي وكانت تطلق عليهم صفة “المجاهدون” قبل أن يتحولا إلى إرهابيين بعد إتمام المهمة بهزيمة الاتحاد السوفييتي، ونية أمريكا والناتو بالسيطرة على أفغانستان، لكن بعد عقدين من الحرب مع طالبان انسحبت واشنطن بطريقة مخزية من كابل بمفاوضات مع “الإرهابيين” رعتها دولة قطر وعادوا إلى حكم أفغانستان.
أسلحة الدمار الشامل
وفي مسألة
العراق تم اتهام نظام صدام حسين بالمحرمتين: الإرهاب، واقتناء أسلحة دمار شامل. فقبيل الحرب وإسقاط النظام في 9 نيسان/ أبريل 2003 وقف وزير الدفاع الأمريكي كولن بأول أمام مجلس الأمن معلنا بأن لدى الإدارة الأمريكية الأدلة الدامغة بإخفاء نظام صدام حسين أسلحة دمار شامل، واتهمه بعلاقته مع تنظيم القاعدة الإرهابي. لكن بعد سقوط النظام العراقي أعلنت الاستخبارات الأمريكية عدم العثور على أي دليل لوجود هذه الأسلحة أو العلاقة مع القاعدة. حتى كولن بأول اعترف بخطئه وندم على ذلك، وعزت الإدارة الأمريكية تدخلها إلى تحليلات خاطئة لمخابراتها، وهذا “الخطأ المخابراتي” كلف العراق مليوني قتيل وتدمير هائل، وانقسامات كبيرة في المجتمع العراقي وإطلاق يد إيران فيه.
نشر مركز “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكي تقريرا وصف فيه “الأونروا” بأنها فاسدة منذ الولادة. متبنيا الاتهامات الإسرائيلية للأونروا بارتباط 12 من موظفيها مع حركة حماس
وقال رئيس المخابرات البريطانية السابق “إم آي 6” ريتشارد دير لاف كانت رغبة أمريكا بإسقاط صدام حسين قوية بشكل “حتى لو كان بحوزته رابط مطاطي ومشبك ورق كانت ستقول إنه سيستخدمها لفقء أعيننا”، وفي الواقع أن أحد الأسباب غير المعلنة التي دفعت الولايات المتحدة أن صدام حسين تجرأ وضرب إسرائيل بصواريخ السكود فكان لابد من معاقبته، بالإضافة للسيطرة على نفط العراق. وبعد ثورات الربيع العربي ظهرت منظمة إرهابية فجأة وتحولت إلى قوة ضاربة تسيطر على مساحات واسعة من العراق وسوريا تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، أو “داعش”، وبما أن تنظيما إرهابيا لا يمكن أن ينشأ ويتضخم بشكل يصبح فيه جيشا مسلحا، ويمتلك قدرات قتالية ومالية بين ليلة وضحاها ويسيطر على الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق (التي انسحب منها الجيش العراق سريعا)، وعلى مدينة الرقة في سوريا، ويدمر حواضر تاريخية وثقافية هامة جدا، ويرتكب مجازر شنيعة بحق المدنيين، دون سند من جهة ما، وبالطبع هناك الكثير من التفسيرات والاتهامات بأنه ربما إيران والنظام السوري كان وراء إنشاء هذا التنظيم، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يتهم الرئيس السابق باراك أوباما، ووزير الخارجية هيلاري كلينتون بأنهما خلقا “داعش”، وكما تم الكشف سابقا عمن كان وراء القاعدة والطالبان سيتم الكشف يوما ما عن هوية المسؤول عن إنشاء “داعش” الإرهابية.
ولكن ما يهم هنا هو أن الإدارة الأمريكية قررت إنشاء تحالف دولي لمحاربة “داعش” في العراق وسوريا وبنت قواعد لها وهي اليوم تدعم فصيل مقاتلا انفصاليا (قوات سوريا الديمقراطية) الذي انضم إلى التحالف، وتسيطر على آبار النفط السورية. ورغم أن دونالد ترامب كان قد صرح في آذار/مارس 2019 أن تنظيم “داعش” هزم بنسبة 100 في المئة” إلا أن القوات الأمريكية لا تزال هناك بطريقة غير شرعية، كما حصل في العراق وتتلقى اليوم ضربات من ميليشيات تابعة لإيران بسبب انخراطها مع إسرائيل في حربها على
غزة، وفي خضم هذه الحرب ضد فصائل المقاومة
الفلسطينية وعلى رأسها “حماس” المصنفة “إرهابية” من قبل الولايات المتحدة وحلفائها يتم اتهام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” من قبل إسرائيل بارتباط بعض موظفيها مع حركة حماس، وبمفهوم آخر اتهامها “بالإرهاب”.
اظهار أخبار متعلقة
نشر مركز “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكي تقريرا وصف فيه “الأونروا” بأنها فاسدة منذ الولادة. متبنيا الاتهامات الإسرائيلية للأونروا بارتباط 12 من موظفيها مع حركة حماس، ومتورطين بشكل مباشر في مجازر 7 أكتوبر، وأن ما لا يقل عن 1200 منهم كانت لهم علاقات بحماس”، ويتهم الوكالة بالإرهاب: “إن علاقات الأونروا بالإرهاب تعود إلى عقود مضت، وكان الجميع في الأونروا يعلمون ويكذبون، تماماً كما كان الجميع في غزة يعلمون أن حماس كانت تعمل على بناء شبكة أنفاق بطول 500 كيلومتر وتعمل على تحويل مواد البناء والسلع من المساعدات الدولية لصالحها. ونتيجة لهذا قام المجتمع الدولي، من خلال الأونروا، بتمويل قسم كبير من عمليات حماس”. هذه الاتهامات لم يؤكدها أي تحقيق دولي، بل إن الاستخبارات الأمريكية أشارت إلى أن الادعاءات الإسرائيلية “ذات ثقة منخفضة”، منسق الإغاثة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث قال: “إن حركة المقاومة الإسلامية ليست إرهابية، وإن الأمم المتحدة تصنف حماس حركة سياسية”. لكن هذه الادعاءات تجاوبت معها إدارة جو بايدن مباشرة وأوقفت حصتها من التمويل وسارعت حليفات أمريكا (بضغطة زر) لتوقيف تمويلها أيضا، 16 دولة أبرزها (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، سويسرا، كندا، بريطانيا، اليابان، هولندا، استراليا، فنلندا) وهي تقريبا نفس الدول التي تؤيد إسرائيل في حربها على غزة. (وهذا يعني أن هذه الدول تشاطر إسرائيل في مخططها ضد الشرعية الدولية والقرار 194) وتزعم إسرائيل بأن 12 من أصل 13 ألف موظف في غزة شاركوا في الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر في جنوب إسرائيل.
المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني قال: “إنهم يحاولون القضاء على دور الأونروا في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين وتغيير المعايير السياسية طويلة الأجل للسلام. رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية أحمد أبو هولي أكد على أهمية الدور الذي تقوم به الأونروا تجاه 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وسوريا ولبنان والأردن، ورفض المساس بمكانتها القانونية وتفويضها الممنوح لها بالقرار 302، من خلال نقل صلاحياتها إلى الحكومات المضيفة والمنظمات الدولية، مؤكداً على استمرار عملها إلى حين إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين طبقاً للقرار 194للأمم المتحدة.
قرار أممي
وينص القرار الأممي الصادر بتاريخ 11/12/1948 على إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة، وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم. ووجوب حماية الأماكن المقدسة – بما فيها الناصرة – والمواقع والأبنية الدينية في فلسطين، وتأمين حرية الوصول إليها، ووجوب منح سكان فلسطين جميعهم أقصى حرية ممكنة للوصول إلى مدينة القدس، ووجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، وهذا ما ترفضه إسرائيل، وعملت خلال 75 سنة على تجاهل هذا القرار ككل القرارات الدولية الأخرى، وتحاول بشتى الوسائل القضاء على الأونروا، تدعمها في ذلك الولايات المتحدة وحلفاؤها في تواطؤ دولي ضد الشرعية الأممية، كي تتخلص من حق العودة، ودفع التعويضات لكل متضرر فلسطيني، وتستمر في تهويد القدس، والتهجير.
المصدر: القدس العربي