أكد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن
مطالب عدد من الهيئات بخصوص تعديل
مدونة الأسرة، والمتعارضة مع المرجعية الدستورية
والدينية للمغرب، مليئة بالتناقضات الكبيرة والصارخة.
وأضاف بنكيران في كلمة له خلال مهرجان وطني حول إصلاح مدونة
الأسرة، نظمه حزب "العدالة والتنمية
المغربي" أول أمس الأحد بمدينة
الدار البيضاء، أن الذين ينادون بتجريم تزويج الطفلات، لا يريدون من القاضي أن
يكون هو الحكم في مثل هذه القضايا التي هي قليلة أصلا، بل يطالبون بالتجريم التام
بدعوى حماية حقوق الطفلات وضمان تمدرسهن، في وقت لا يكترثون فيه للآلاف من الفتيات
لا يستكملن دراستهن.
وأضاف، كما يطالبون بتشريع العلاقات الرضائية، أي أنهم يقبلون هذه
العلاقات خارج إطار الزواج ويرفضونها في إطار الزواج، فضلا أنهم يدعمون الإجهاض،
وهو جريمة قتل في حق إنسان لا ذنب له ولا جريرة.
وبخصوص موضوع الإرث، دعا بنكيران إلى المقارنة بين الاستقرار
والعدل الذي هو أعظم من المساواة في نظام الإرث الإسلامي، وبين الكوارث التي نراها
اليوم في الغرب بسبب التركة، حيث القضايا القانونية والمشاكل التي لا حصر لها.
وأما العنف ضد النساء، فنبه الأمين العام إلى أنه لا ينتشر لدينا
بنفس المستوى الذي يعانيه الغرب، مبرزا أنه في فرنسا على سبيل المثال، تُقتل 140
في كل سنة على يد زوجها أو رفيقها أو خليلها، مشددا أن سبب هذا هو القطع مع معاني
الصبر والعفاف والأخلاق في الروابط الأسرية والعائلية.
وعن مطلب البعض بقسمة الأموال المكتسبة بالتساوي، ذكر بنكيران أنه
سيؤدي إلى القضاء على الزواج، فضلا أن فيه أخذ لأموال الناس بالباطل، حيث إن الطرف
الأقل غنى في العلاقة الزوجية سيعمل على إنهاء علاقة الزواج بغية تحقيق مكسب مادي،
أو أن الذكور والاناث سيعيشون في بيت واحد دون علاقة قانونية أو شرعية، وفي جميع
الأحوال نحن أمام خطر حقيقي وكبير، يؤكد المتحدث ذاته.
وشدد بنكيران أن الأسرة تبنى على سنة الله ورسوله، وتبنى العلاقة
بين الزوجين على المكارمة والأصول والمودة، وليس على المشاححة وحساب التجار، ولذلك
لن تقودنا مطالب المساواة بين الزوجين سوى إلى الخراب، وتحويل الأسرة إلى شركة،
كما هو الحال في دول الغرب، ومن ذلك النموذج الكندي على سبيل المثال.
وقال: "ما جمعنا خلال أربعة عشرة قرنا ووحدنا ليست أمورا للعب"،
وأبرز أن هذه المرجعية الجامعة للأمة هي أساسية للمغاربة، لكن الحاجة إليها لا
تتوقف عندنا، بل إن البشرية كلها في حاجة إلى مرجعية الأمة الإسلامية لكي تردها
إلى جادة الصواب.
ولأن الإصلاح المتعلق بمدونة الأسرة مؤطر بمرجعية الدين كما قال ذلك الملك،
عبر ابن كيران عن ثقته بخصوص مستقبل هذا الموضوع أولا في الله سبحانه وتعالى، ثم
في الملك، وثالثا في اللجنة المكلفة بإجراء هذا التعديل وذلك وفق التوجيهات
الملكية الواضحة في هذا الموضوع.
من جهته أكد القيلادي السابق في حزب الاستقلال مولاي امحمد الخليفة،
المحامي والوزير السابق، أن خطاب الملك محمد السادس بخصوص تعديل مدونة الأسرة كان
واضحا، ولا يمكن لأي أحد أن يقول إنه لم يفهمه، لأن جمله وكلماته كانت واضحة
ودقيقة ومباشرة، حين قال إنه لا يمكن أن يحلل حراما أو يحرم حلالا، رغم أنه لم يكن
بحاجة إلى تأكيد هذا.
وأضاف الخليفة في كلمة له خلال المهرجان الوطني لحزب العدالة
والتنمية حول إصلاح مدونة الأسرة، أن الهدف من تأكيد الملك على هذا الأمر هو لكي
يضع النخبة السياسية والدستورية أمام مسؤولياتهم، لأنه يقول لهم بشكل مباشر إن
الاجتهاد هو في نطاق محدود.
وفي ظل ضغوط على المغرب لإلغاء تحفظاته على عدد من الأمور المرتبطة
بالأسرة، يردف الخليفة، فليس من المقبول أن تقدم الأحزاب أو الهيئات مذكرات فيها
مخالفة لتوجيهات وإشارات جلالة الملك، وهي إشارات موجهة لنا لنكون موحدين في
مواجهة خطر خارجي يتهددنا، معبرا عن تعجبه من تعمد بعض النخب عدم تَفهم الإشارات
الملكية.
كما انتقد الوزير السابق ما صدر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان
بخصوص تعديل مدونة الأسرة، قائلا إن ما صدر عنها غير معقول وغير مقبول، مشددا أن
إعلان الوفاء للملك لا يكون من خلال الشعارات بل من خلال المواقف والامتحانات
الكبرى.
وقال: "لدي ثقة أن صمام الأمان هو جلالة الملك محمد السادس"،
داعيا مناضلي الحزب وكل الغيورين إلى التواصل مع المواطنين والشارع المغربي، وشرح
هذا الملف لهم بكل بساطة، معبرا عن ثقته التامة في أن المغاربة، وبشكل تام
وتلقائي، لن يقبلوا شيئا يخرجنا عن القرآن الكريم أو يتعارض مع السنة النبوية أو
المذهب المالكي.
وكرم العدالة والتنمية في مهرجانه الخطابي، الذي أمه أنصاره من مختلف
المحافظات المغربية، الكاتبة والروائية المغربية خناتة بنونة، ليس لالتزامها بقيم
وثوابت المغرب القائمة على الشريعة الإسلامية، وإنما أيضا لموقفها الداعم لفلسطين،
والتي قال عنها بنكيران بأنها تبرعت بكل ما تملك لفلسطين، ولم تعد تملك في بيتها
غير السجاد..
هذا ونشر حزب العدالة والتنمية المغربي اليوم الثلاثاء على صفحته
الرسمية، المذكرة التي قدمها للجنة المكلفة من العاهل المغربي الملك محمد السادس
لتعديل مدونة الأسرة، ردا على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي قال الحزب
إنها تحللت من كل الضوابط الدستورية والتوجيهات الملكية وصادمت توجهات المجتمع
المتسك بهويته الدينية ومرجعيته الأصيلة الممتدة في أعماق التاريخ.
وذكرت المذكرة التي تقدم بها "العدالة والتنمية" أن المجلس
الوطني لحقوق الإنسان تقدم يوم 20 كانون أول / ديسمبر الماضي إلى الهيئة المكلفة
بإعداد تعديل مدونة الأسرة بمذكرة تضمنت مقترحات وتوصيات المجلس بشأن مراجعة هذه
المدونة.
وقالت المذكرة: "من خلال قراءة متأنية المقترحات والتوصيات التي
قدمها المجلس أمام الهيئة المكلفة بإعداد تعديل مدونة الأسرة، والمبررات المعلنة
للدفاع عنها، وبالنظر لما تضمنته مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان من اقتراحات
وتوصيات يرى حزب العدالة والتنمية أنها لا تلتزم إطلاقا بالإطار والمرجعية
والثوابت الوطنية والدستورية والملكية والمجتمعية لورش إصلاح مدونة الأسرة، فقد
ارتأى من منطلق واجبه الديني والوطني أن يواصل مساهمته في هذا الورش الهام والحيوي
وأن يتفاعل مع ماجاء من مقترحات وتوصيات في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان:
أولا ـ من حيث منهجية بلورة واعتماد المذكرة؛ ثانيا ـ من حيث موضوع المقترحات
والتوصيات؛ ثالثا ـ بخصوص المقترحات التفصيلية لتعديل مجموعة من المواد في مدونة
الأسرة؛ ورابعا ـ في خلاصة عامة".
وكان العاهل المغربي محمد السادس، قد دعا في أيلول/ سبتمبر الماضي،
رئيس الحكومة عزيز أخنوش، إلى إعادة النظر في "قانون الأسرة" بمشاركة
الهيئات الرسمية وفعاليات المجتمع المدني.
وقال الديوان الملكي في بيان، الثلاثاء، إن "الملك محمد السادس،
وجه رسالة سامية إلى رئيس الحكومة (عزيز أخنوش)، تتعلق بإعادة النظر في مدونة
(قانون) الأسرة".
وأوضح أن "هذه الرسالة الملكية تأتي تفعيلا للقرار السامي الذي
أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ
يوليها للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام".
وخلال خطاب "عيد العرش" لعام 2022 دعا العاهل المغربي إلى
مراجعة بعض بنود قانون الأسرة "التي تم الانحراف بها عن أهدافها، على أن يتم
ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد
الاعتدال والاجتهاد المنفتح والتشاور".
وأضاف البيان: "بموازاة مع تكليف الملك لرئيس الحكومة (عزيز
أخنوش)، فقد أسند الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك،
لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك
بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع".
ودعا العاهل المغربي "المؤسسات المذكورة إلى أن تشرك بشكل وثيق
في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها
المجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة دينية)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)،
والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا
على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين"، وفق البيان.
وشدد البيان على "تقديم مقترحات
التعديلات التي ستنبثق عن هذه
المشاورات التشاركية الواسعة إلى العاهل المغربي في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل
إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان".
وتطالب هيئات رسمية وغير رسمية بـ"إعادة النظر في قانون الأسرة
وتعديله" بعد 19 سنة على إقراره، وذلك على خلفية قضايا تثير جدلا في المغرب،
أبرزها يتعلق بـ"إعادة النظر في الإرث والمساواة فيه"، و"تجريم
زواج القاصرات".
وينص قانون الأسرة المغربي، على المساواة بين الزوجين، وتحديد سن
الزواج لكل من الزوجين بعمر 18 سنة (مع استثناءات يوافق عليها القاضي)، ووضع
الأسرة تحت رعاية ومسؤولية الزوجين، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء.