منذ بداية الحرب
في أوكرانيا، تتهم
روسيا الولايات المتحدة بإنشاء مختبرات لدراسة وتخزين المواد
الكيميائية والبيولوجية على الأراضي الأوكرانية، كما ترجّح موسكو أنّ هذه
المختبرات كانت تقوم بتجارب على صناعة الأسلحة، لكنّ واشنطن كما أوكرانيا كانتا
دوما تنفيان تلك التُهم.
اليوم، تشير
الأحداث إلى أرجحية تلك النظرية وتظهر إلى حدّ بعيد صحة هذه التُهم والادعاءات،
وذلك مع الحديث عن استخدام أوكرانيا أسلحة كيميائية ضد الجيش الروسي، وتقول روسيا
إن مصدرها الولايات المتحدة.
على الرغم من نفي
أوكرانيا لكلّ هذا، فإنّ المعلومات التي تكشفها التقارير الحكومية ووسائل الإعلام
الروسية، تفيد بأنّ القوات المسلحة الأوكرانية استخدمت تلك المواد الكيميائية ضد
العسكريين الروس المشاركين في تنفيذ عملية عسكرية خاصة، بينما المادة المستخدمة في
أغلب تلك الهجمات هي "كلوريد السيانوجين".
وهذا الغاز كاشف مشتقّ من حمض الهيدروسيانيك شديد السمومية، ويُستخدم في إنتاج مواد الدهانات
والمواد الكيميائية المنزلية الأخرى.
استخدام
الكيميائي في أكثر من موقع
تقول التقارير
كذلك، إنّه سُجّل استخدام القوات المسلحة الأوكرانية مواد كيميائية عدّة
كـ"سلاح" خلال العام الفائت وكذلك مع بداية العام الحالي، وذلك خلال
التواريخ والمحطات العسكرية التالية:
- في 28 كانون
أول/ ديسمبر 2023، ألقت القوات الأوكرانية قنابل تحتوي على غاز "سي. سي"
الأمريكي، وهو مادة تثير حساسية وتهيجا كبيرا في العيون وكذلك شللا في الجهاز
التنفسي. وتؤدي إلى السكتة القلبية مباشرة في حال كانت نسبة التركيز عالية.
- في 8 شباط/ فبراير
2023، استخدمت كييف ذخيرة محلية الصنع تحتوي على مادة "كلوريد
السيانوجين"، وقد أظهر تحليل عينات المواد الحيوية المأخوذة من أفراد عسكريين
روس، تسمما في حمض الهيدروسيانيك، الذي تمّ تسجيل أول استخدام له على الجبهات خلال
الحرب العالمية الأولى، وهو مركب مُدرج على قائمة السموم المحظورة استخدامها
عسكريا بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية. في حينه كشفت لجنة تحقيق روسية أنّها
كانت تشتبه في استخدام القوات الأوكرانية أسلحة كيميائية بالقرب من بلدتي سوليدار
وباخموت، وقد فتحت تحقيقا بذلك، وكانت النتيجة تفيد بإصابة جنود روس بـ"أعراض
تسمم"، دون تقديم تفاصيل أو تحديد المادة المشتبه بها في حينه، لكنّ نتائج
التحقيق عادت وكشفت عنها موسكو لاحقا بعد أن تأكدت من هوية المواد المستخدمة.
- في 7 و21 نيسان/
أبريل 2023، في منطقة قرية بيرفومايسكوي، تم تسجيل إسقاط قنابل كيميائية من
مروحيات رباعية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، تحمل علامة "Teren-6"
وكانت تحمل مواد سامة مهيجة أيضا.
- في 3 و8 آب/ أغسطس
2023، استخدم مسلحون أوكرانيون بالقرب من قرية رابوتينو، ذخيرة مليئة بمادة
"الكلوروبكرين". وتم إثبات تلك الحقائق بناء على تحليل شظايا الذخيرة
وفي مختبر معتمد من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تابع لوزارة الدفاع الروسية.
- في 31 كانون
الثاني/ يناير 2024، ألقت القوات الأوكرانية قنابل تحمل "حمض
الهيدروسيانيك" كذلك، مما تسبب لجنود روس بحروق في أجهزتهم التنفسية وغثيان
وتقيؤ، وقال قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي في روسيا إيغور
كيريلوف، إنّها نتاج قنابل تحوي غاز "سي. سي" الأمريكي.
انتهاك أمريكي
كيريلوف أعلن أنّ
نتائج البحث والتحليل أظهرت في أحد المواقع المشكوك باستخدام الكيميائي فيها، وجود
مادة "الأنثراكينون" شديدة السمّية أيضا، والتي تُسبّب العمى وخللا في
وظائف الكبد والكلى، وهي مادة محظور استخدامها في دول الاتحاد الأوروبي بسبب
تأثيرها الذي يتسبب بأمراض سرطانية.
كما اتهم كيريلوف
الولايات المتحدة بانتهاك اتفاقية الأسلحة الكيماوية التي تُلزم أيّ دولة
بـ"عدم نقل الأسلحة الكيماوية بشكل مباشر أو غير مباشر لأيّ جهة أو شخص تحت
أيّ ظرف كان"، وذلك في الإشارة إلى أنّ واشنطن قد نقلت هذا النوع من الأسلحة
الكيميائية إلى أوكرانيا، ومن دون مراعاة بنود الاتفاقية.
تتهم موسكو اليوم غريمتها كييف بخرق الفقرة 5 من المادة الأولى من اتفاقية الأسلحة الكيميائية بشأن استخدام هذه المواد للأغراض العسكرية واستخدام الصناعة الكيميائية لإنتاج المواد الكيميائية السامة، وتعتبر أنّ ثمة سببا للاعتقاد بأنّ القوات المسلحة الأوكرانية تتزود بالأسلحة الكيميائية من الولايات المتحدة وبريطانيا
وتأكيدا على
اتهامه واشنطن بانتهاك اتفاقية الأسلحة الكيماوية، قال كيريلوف إنّ الولايات
المتحدة نقلت أسلحة كيميائية مشابهة في السابق إلى العراق وأفغانستان لاستخدامها
في مناطق العمليات القتالية، وأنّ إدارة تخطيط الميزانية في وزارة الدفاع الأمريكية
خصصت 10 ملايين دولار في العام 2018 لهذا الغرض، موضحا في الوقت نفسه أنّ واشنطن
كان يفترض بها أن تُنجز تدمير مخزوناتها من أسلحتها الكيميائية في العام 2007،
لكنّها أجلت ذلك حتى عام 2023، في حين أنّ روسيا دمرت كامل مخزونها من تلك الأسلحة
في أيلول/ سبتمبر 2017، وقد تمّ ذلك بإشراف ومراقبة كاملة من منظمة حظر الأسلحة
الكيميائية.
صمت أوروبي
وبناء على تلك
الأحداث، تتهم موسكو اليوم غريمتها كييف بخرق الفقرة 5 من المادة الأولى من
اتفاقية الأسلحة الكيميائية بشأن استخدام هذه المواد للأغراض العسكرية واستخدام الصناعة
الكيميائية لإنتاج المواد الكيميائية السامة، وتعتبر أنّ ثمة سببا للاعتقاد بأنّ
القوات المسلحة الأوكرانية تتزود بالأسلحة الكيميائية من الولايات المتحدة
وبريطانيا، اللتين على الرغم من التزاماتهما لكنهما لم تدمرا ترساناتهما من المواد
السامة.
ومنذ بدء العملية
العسكرية، حذرت روسيا من أنّ أوكرانيا ربما تستعدّ لاستخدام أسلحة غير تقليدية،
مثل أسلحة بيولوجية أو قنبلة تحتوي على مواد مشعة. لكنّها وحلفاءها الغربيين رفضوا
هذه الاتهامات، واعتبروا أنّها "مقدمة محتملة" للجوء روسيا نفسها إلى
مثل هذه الأساليب.. إلا أنّ الوقائع اليوم تظهر أنّ الأوكرانيين هم بالفعل من يلجأ
إلى استخدام تلك الأسلحة، وذلك بعد أن فقدوا الأمل في ما يبدو، بتحقيق أيّ إنجاز
عسكري أو تقدّم ميداني بواسطة الأسلحة التقليدية. في حين أنّ أغرب ما في الأمر
اليوم، هو سكوت دول الاتحاد الأوروبي وتغاضيها عن تلك الانتهاكات، التي تُرتكب على
أراضي القارة!