في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها
إسرائيل على غزة،
استغلت إسرائيل انشغال العالم بهول الجرائم التي ترتكب بحق الشعب
الفلسطيني في غزة
لتقوم بتسريع عملية
الاستيطان، وبناء
المستوطنات غير القانونية على أراض يملكها
الفلسطينيون ويعيشون فيها، عبر طردهم من أراضيهم وتهديدهم وتغيير الديمغرافية
السكانية لمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية. وعلى الرغم من هذه التوسعات
العدوانية، فإن ردود الفعل من قِبَل اللاعبين العالميين الرئيسيين، وخاصة الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي، تظل فاترة وغير فعّالة أبدا، وهي تتجه نحو تجاهل
الموضوع بشكل كامل، تماما كما فعلوا عندما أطلقوا يد إسرائيل في غزة لتعيث فيها
فسادا.
لم تتخذ الدول الغربية المؤثرة، التي تروّج لنفسها على
أنها واحة للمعايير الدولية ومدافعة عن حقوق الإنسان، إجراءات حاسمة لمنع عمليات
الاستيلاء المستمرة على الأراضي، أو بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية.
إن هذا التقاعس عن العمل يدل على الكثير، ويكشف عن تناقض محبط بين القيم
الديمقراطية التي يعتنقونها والحقائق التي هم على استعداد لتحملها على الأرض.
وبينما تستمر الجرافات في مصادرة الأراضي الفلسطينية، يجب على المرء أن يتساءل:
لماذا يعتبر الرد الدولي باهتا إلى هذا الحد؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للقضية
الفلسطينية؟
لم تتخذ الدول الغربية المؤثرة، التي تروّج لنفسها على أنها واحة للمعايير الدولية ومدافعة عن حقوق الإنسان، إجراءات حاسمة لمنع عمليات الاستيلاء المستمرة على الأراضي، أو بناء مستوطنات جديدة على الأراضي الفلسطينية. إن هذا التقاعس عن العمل يدل على الكثير، ويكشف عن تناقض محبط بين القيم الديمقراطية التي يعتنقونها، والحقائق التي هم على استعداد لتحملها على الأرض.
للإجابة على هذه الأسئلة، علينا الاستناد إلى تقارير
المنظمات الدولية المستقلة، حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش؛ إن إسرائيل مسؤولة عن
تصاعد عنف المستوطنين في الضفة، مما أدى إلى
تهجير مجتمعات فلسطينية بأكملها. كما
أدى عنف المستوطنين إلى تهجير أشخاص من 20 تجمعا، وأزال 7 تجمعات سكانية على الأقل
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن الجيش
الإسرائيلي شارك في هجمات المستوطنين العنيفة في الضفة الغربية، أو لم يوفر
الحماية للفلسطينيين من تلك الهجمات. كما أن المستوطنين ارتكبوا انتهاكات بحق
الفلسطينيين، وهددوا بقتلهم إذا لم يغادروا أراضيهم ومنازلهم بشكل دائم، وفقا
للمنظمة.
وبشكل متزامن، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل
سموتريتش؛ إنه يتطلع للعمل مع الرئيس الجديد للإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة
الغربية على تعزيز المستوطنات ودعم المستوطنين، وتعهد سموتريتش بتحسين وتطوير
الخدمات والبنية التحتية للمستوطنات في الضفة الغربية. بدوره، عبّر وزير الأمن
القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير عن سعادته بموافقة الحكومة على مقترحه بتوسعة
السجون لاستقبال المزيد من الفلسطينيين. وفي انتهاك لجميع الأعراف الدولية وجميع
معايير حقوق الإنسان، وصف الوزير الإسرائيلي عقوبة الإعدام بأنها الحل الصحيح
لمشكلة اكتظاظ السجون، بمعنى آخر، يريد جوقة المتطرفين في إسرائيل قتل وإعدام
الفلسطينيين دون محاكمات وبعيدا عن الأنظار، وهذا ما يهدد بتصفية الآلاف من
السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وفي خضم هذه الجرائم الإسرائيلية، تبرز الأنشطة
الاستيطانية الإسرائيلية المتسارعة في القدس الشرقية، حيث تكشف وثائق التخطيط أنه
منذ بدء الحرب على غزة، تم الدفع بأكثر من 20 مشروعا جديدا تشمل آلاف الوحدات
السكنية من قبل وزارات حكومية إسرائيلية مختلفة، وغالبا ما يكون ذلك بالتعاون مع
الجماعات القومية اليمينية. ومن المعروف أن هذه الجماعات تحاول طرد الفلسطينيين من
منازلهم، وخاصة في القدس الشرقية، وهي المنطقة التي ضمتها إسرائيل عام 1980 في
خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. ويهدد هذا الضم الأحادي الجانب والتوسع الاستيطاني
اللاحق قابلية الدولة الفلسطينية المستقبلية للحياة، مع اعتبار القدس الشرقية
عاصمتها.
ومن الأهمية بمكان، الإشارة إلى أن التوسع السريع لهذه
المستوطنات، مثل "كيدمات صهيون" و"جفعات شاكيد"، يتحدى بشكل
مباشر النداءات الدولية واتفاقيات السلام، بما في ذلك اتفاقات أوسلو التي تهدف إلى
حل الدولتين. إن هذه المستوطنات لا تؤدي إلى تعطيل التواصل الديموغرافي والجغرافي
الضروري لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة فحسب، بل إنها تثير أيضا مخاوف بشأن
عمليات تهجير قسري وجماعي للفلسطينيين، وتغيير مجتمعاتهم التي يسكنون فيها إلى
الأبد.
وعلى الرغم من التصريحات الفارغة من جانب المجتمع
الدولي، فإن السياسة الواقعية التي تبديها القوى العالمية مثل الولايات المتحدة
والاتحاد الأوروبي، تشير إلى وجود فجوة كبيرة بين الخطاب والعمل الفعّال. إن عدم
التدخل الجوهري أو منع مصادرة الأراضي الفلسطينية وإنشاء مستوطنات جديدة عليها، يشير إلى قبول ضمني أو عجز في التأثير على سياسات إسرائيل وتوحشها المستمر.
التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي يتم تسهيله من خلال الخطاب القومي المتطرف والدعم الحكومي الإسرائيلي، يمثل تحديا خطيرا لمستقبل شعب فلسطيني كامل. وبينما تتزايد وتيرة الاستطيان بشكل متسارع، يقف المجتمع الدولي عاجزا عن فعل أي شيء.
وفي الآونة الأخيرة، قامت إسرائيل بمصادرة أكثر من 800
هكتار من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وعلى الرغم من خطورة هذه التحركات
الإسرائيلية، إلا أن الاتحاد الأوربي اكتفى بوصف هذا الإجراء، بأنه أكبر مصادرة
للأراضي الفلسطينية منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، وأن هذا الإجراء يشكل انتهاكا صارخا
للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولم يتحرك الاتحاد الأوروبي بشكل عملي
لمنع هذه الجرائم، ولم يفرض عقوبات على الوزراء وأعضاء حكومة نتنياهو.
الجدير بالذكر هنا، أن الحل لفرض ضغوط على الحكومات الأوروبية، هو المظاهرات ضد هذه الحكومات. فنلندا على سبيل المثال لم تصوّت في تشرين الأول/أكتوبر 2023
لصالح وقف إطلاق النار في غزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن بعد أن شهدت
تجمعات ومظاهرات للشعب الفنلندي في هلسنكي وغيرها من المدن المهمة في هذا البلد
دعما للشعب الفلسطيني وإدانة لجرائم النظام الصهيوني؛ أدانت فنلندا مصاردة الأراضي
الفلسطينية في الضفة الغربية بأشد العبارات. نعم نعتبر هذه التحركات غير كافية،
إلا أنه يمكن اعتبارها نموذجا يجب الاحتذاء به لفرض ضغوط على الحكومات الأوروبية
لوقف دعم إسرائيل وفرض عقوبات عليها ووقف تصدير الأسلحة لها، ومعاقبة كل من يدعم
الاستيطان وتهجير الفلسطينيين.
وفي الختام، فإن التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي يتم تسهيله من خلال الخطاب القومي المتطرف والدعم
الحكومي الإسرائيلي، يمثل تحديا خطيرا لمستقبل شعب فلسطيني كامل. وبينما تتزايد
وتيرة الاستطيان بشكل متسارع، يقف المجتمع الدولي عاجزا عن فعل أي شيء لوقف هذه
الجريمة.