لم تنحصر تبعات وأصداء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة داخل قطاع غزة فقط، بل امتدت إلى ساحات عالمية مختلفة، وساهمت في تعزيز الحراك ضد الشركات الداعمة للاحتلال والمدرجة على القائمة السوداء للأمم المتحدة للشركات المتواطئة في الاستيطان.
وساهمت الحرب في تعزيز ساحة الحراك في مختلف الجامعات العالمية حول القضية
الفلسطينية، وهي المساحة التي كانت محل شد وجذب بين أنصار فلسطين وبين أذرع الاحتلال والمنظمات الداعمة له.
ولتسليط الضوء على هذه القضايا وغيرها، ومدى التفاعل التي حظيت به، أجرت عربي21 حوارا مع محمود نواجعة، منسق حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، المعروفة اختصارا باسم "
BDS"، وهي حركة فلسطينية ذات امتداد عالمي تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وتعمل من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني.. وفيما يأتي نص الحوار:
كيف يمكن وصف حراك المقاطعة الشعبية الحالية في العالم العربي؟ وكيف أثرت الحرب الحالية على تجاوب الجمهور مع فكرة المقاطعة؟ وكيف اختار الناس عفويا أهدافهم للمقاطعة؟
حظيت حملات
المقاطعة بتفاعل كبير منذ بداية الحرب الإبادية الإسرائيلية ضد شعبنا في غزة في السابع من أكتوبر، وشاهدنا نهوضا جماهيريا واسعا يهدف إلى تدفيع جميع الشركات المتواطئة في الجرائم الإسرائيلية ثمن تواطؤها، من خلال تفعيل سلاح المقاطعة ضد الجهات التي أيدت إبادة شعبنا في قطاع غزة المحاصر.
ولدينا الآن أرضية شعبية خصبة لنشر الوعي حول الحملات المستهدفة التي
تعمل عليها حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS) والتي تعني التركيز على عدد محدّد من الأهداف الأكثر تواطؤا والأكثر أهمية، من أجل مضاعفة الأثر، سواء كانت في أوقات تصعيد الحرب على الشعب الفلسطيني أم لا، لا على المقاطعة غير المستهدفة.
اظهار أخبار متعلقة
على سبيل المثال، أطلقت الحركة نداء لمقاطعة "كارفور" بسبب تواطؤها في جرائم الاحتلال. وبرز دور "كارفور" خلال العدوان الإبادي الجاري عبر التبرع بآلاف الشحنات الشخصية لجنود جيش الاحتلال. وانطلقت أيضا مبادرات شعبيّة وحملات مقاطعة عضويّة ضد "ماكدونالدز" حول العالم، ما دفع باللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة "إسرائيل" إلى الاستجابة لهذه الدعوات و
تأييد حملة مقاطعة "ماكدونالدز"، لتدفيعها ثمن تأييدها وتورّطها في الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي، وأرغمت حركة المقاطعة "ماكدونالدز" لاحقا على
إسقاط دعوى الترهيب التي رفعتها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي ضدّ مجموعة المقاطعة في ماليزيا (BDS Malaysia)، متهمة المجموعة بـ "التشهير" والمطالبة بتعويضات تفوق المليون دولار.
كذلك
أعلن المدير المالي للشركة أنها فشلت في تحقيق مبيعاتها المستهدفة لأول مرة منذ سنوات، ويرجع ذلك إلى حملات المقاطعة المتنامية ضدها، مضيفا أن "المبيعات الدولية ستنخفض تباعاً في الربع الحالي.. ما أدى إلى انخفاض أسهم الشركة 2% في التعاملات المبكرة".
ونشرنا
تقريرا مفصلا حول أهم المؤشرات التي تدلّ على تنامي تأثير حركة المقاطعة (BDS) والتي نعتقد أنّها تمثل عينة تمثيلية للكثير من التطورات المماثلة.
اظهار أخبار متعلقة
كيف عملت حركة المقاطعة خلال سنوات على حشد الرأي العام العربي والعالمي وتطوير وعيه، هل كنتم تعملون وتنتظرون لحظة الاستجابة الواسعة الحالية؟
يرتفع الزخم لتفعيل أداة المقاطعة في أوقات التصعيد لأنها من أهم أشكال الكفاح الشعبي الذي يستطيع الجميع أن يمارسه بسهولة، فحركة المقاطعة اليوم تُعد من الأشكال الرئيسية للمقاومة الشعبية والمدنية الفلسطينية، كما أنها تعتبر أهم حركة تضامن عالمية على الإطلاق مع نضال شعبنا من أجل حقوقنا غير القابلة للتصرف، وأهمها تقرير المصير وعودة اللاجئين والتحرر من الاستعمار.
وتعمل حركة المقاطعة (BDS) طوال الوقت - وليس في أوقات تصاعد الجرائم ضد الشعب الفلسطيني فقط- على إنهاء تواطؤ الدول والشركات والمؤسسات والأفراد في نظام الاستعمار -الاستيطاني الإسرائيلي من خلال بناء القوة من الأسفل إلى الأعلى وإعادة ربط النضال التحرري الفلسطيني مع نضالات أخرى حول العالم من أجل العدالة الاجتماعيّة والعرقيّة والاقتصاديّة والبيئيّة والجندرية وغيرها.
لذا، فإن تبني الحركة تحالفات تقاطعيّة واسعة حول العالم، مكّنها من مضاعفة التضامن مع فلسطين وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بين أوساط النقابات العمالية والأطر الفنية والأكاديمية وفي أوساط بعض أكبر صناديق الاستثمار في العالم وبين الحركات الاجتماعية الأوسع في العالم.
وفي هذا الوقت بالذات تدعو حركة مقاطعة "إسرائيل" إلى تصعيد حملات المقاطعة والضغط من أجل وقف فوري للعدوان على قطاع غزة والإبادة الجماعية التي يواجهها أبناء شعبنا.
الحراك الحالي في الجامعات الأمريكية هو نتاج سنوات طويلة من العمل الطلابي ضد الشركات الداعمة للاحتلال، كيف يمكن الاستفادة منه والبناء عليه؟
لطالما لعبت الحركة الطلابية دورا حاسما ومحوريا في النهوض بالنضالات التحررية في منطقتنا العربية وحول العالم، وكانت فلسطين ونضال شعبها الحر على الدوام إحدى ركائز هذا النضال، على اختلاف التوجهات السياسية. ولم يكن التزام الحركات الطلابية العربية بقضية فلسطين يوما نابعا فقط من أحقية هذه القضية، بل من وعي تلك الحركات الراسخ بأنّ خطر المشروع الصهيوني في منطقتنا العربية لا يقتصر على فلسطين والفلسطينيين فحسب، بل إنه يمتدّ إلى مقدّرات ومصالح أوطانهم أيضا.
اظهار أخبار متعلقة
الجامعات كانت ساحة لانتصارات أو حتى قمع إضافي للطلاب وحراكهم، كيف ستكون هذه الساحة خلال السنوات المقبلة وما المطلوب منها؟
وفي هذه المرحلة بالذات، لا يتمحور دورنا حول رفع الوعي فقط، بل إن من واجبنا أيضا تصعيد العمل والتنظيم وتحريك جميع عوامل الضغط من أجل إسناد النضال الفلسطيني حتى وقف العدوان الإسرائيلي على غزة وكسر الحصار عنها ومحاسبة داعمي العدو الإسرائيلي وممكّني الإبادة ضدّ شعبنا من حكومات وشركات ومؤسسات.. ونكثف الجهود والطاقات في الجامعات من أجل:
1- التواصل مع الكوادر الأكاديمية من أساتذة ومحاضرين للتنسيق يداً بيد لأنشطة وفعاليات من أجل فلسطين، واستلهام برامج عمل من وحي التحديات والأسئلة التي أفرزتها الحرب الإبادية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في كلّ بلد؛ لنستكشف كدوائر وكليات كيف يمكننا تنظيم محاضرات وندوات تحرّرية.
2- تنظيم حواريّات وندوات نقاشية حول النضال الفلسطيني ودور الطلبة والأكاديميين الميداني في مقاومة موجة التطبيع الأكاديمية التي تعصف ببعض الدول في المنطقة العربية.
3- تنظيم حملات لضمان أن تكون الجامعة أو المؤسسة الأكاديمية منطقة خالية من شركات وعلاقات الاستعمار والتطبيع؛ أيّ أنها لا تتعامل مع أي شركات إسرائيلية أو داعمة لجرائمها وليست جزءاً من أي برامج هادفة لتطبيع التعامل مع العدوّ الإسرائيليّ ومؤسساته الأكاديمية.
4- تنظيم حملات ضغط هادفة لطرد "إسرائيل" من كافة الأجسام الدولية الأكاديمية؛ لنبحث في علاقات جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية الخارجية ونعمل مع القائمين عليها حتى طرد إسرائيل.
5- تنظيم حملات للتعريف بأداة المقاطعة وأبرز الشركات المتواطئة مع والداعمة للعدو الإسرائيلي ومنظومته الاستعمارية، فضلاً عن التشبيك مع مجموعات المقاطعة ومناهضة التطبيع خارج أسوار الجامعة لاستكشاف آليات الشراكة معها.
6- الانضمام للأنشطة والفعاليات الوطنية خارج الجامعة: لتساهم الأجسام الطلابية والأكاديمية في تصعيد الضغط ضد الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المتواطئة مع العدو الإسرائيلي عبر الانضمام أو التنظيم لوقفات وتظاهرات، حيثما وكيفما أمكن، أمام السفارات الأمريكية (أو الإسرائيلية إن وجدت)، أو أمام مقرّات الشركات أو المؤسسات المتورطة في دعم إبادة الشعب الفلسطيني.
اظهار أخبار متعلقة
هل يمكن تصعيد نبرة فضح المطبعين خلال الفترة المقبلة دون المجازفة بفقد تأييد المقاطعة أو التأثير عليها؟
بالتأكيد، فإن المطالبة بإسقاط المعاهدات مع العدو الإسرائيلي هي من أبرز الخطوات العملية التي طرحتها حركة المقاطعة للبناء على هذه اللحظة التاريخية، من خلال الضغط على الحكومات ومراكز القرار من أجل إغلاق سفارات العدو وإنهاء جميع الاتفاقيات التطبيعية والتحالفات العسكرية-الأمنية التي أبرمتها بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية مع إسرائيل - وعلى رأسها التجارة العسكرية معه.
وشهدنا مظاهرات عارمة في كافة أنحاء الوطن العربي كان شعارها الأبرز "لا للتطبيع"، وأظهر آخر استطلاع للرأي أنّ 96% من الشعب السعودي الشقيق، على سبيل المثال، يؤيد قطع جميع العلاقات مع العدوّ الإسرائيلي رغم قيام النظام السعودي
بالتطبيع التدريجي العلني خلال سنوات عدة.
ذلك فضلا عن تجديد اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، النداء الذي أطلقته بالتعاون مع عشرات الأحزاب والنقابات والجمعيّات والقوى ومنظّمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية، لمقاطعة جميع المحافل والفعاليات والأنشطة التي تنظم تحت رعاية النظام الإماراتي الاستبدادي لخيانته القضية الفلسطينية وتحالفه الوثيق وغير المسبوق مع العدوّ الإسرائيلي، وأيضا لمقاطعة جميع الشركات والأطر الإماراتية والعربية والدولية المتورّطة في هذا التحالف الإماراتي-الإسرائيلي كونها شريكة في حرب الإبادة ضدّ شعبنا.
إنّ تطبيع وخيانة بعض الأنظمة الرسمية غير المنتخبة وتحالفاتها العسكرية-الأمنية، مثل النظام الإماراتي والمغربي والبحريني، مع العدو تسهم بمدّه بالمساحة والقدرة اللازمتين لحربه الإبادية؛ إذ قُدّرت قيمة الصادرات العسكرية الإسرائيلية لهذه الأنظمة بنحو 3 مليارات دولار قبل عام واحد فقط من بدء الإبادة ضدّ شعبنا.
اظهار أخبار متعلقة
ما هي أهم الأهداف التي تسعون إليها حاليا في حركة المقاطعة؟
أهم أولويات الحركة حالياً هي توجيه كل القوة الشعبية التي بنيناها مع شركائنا حول العالم خلال أعوام نحو الضغط على صانعي القرار من أجل إجبار المعسكر الإبادي الأمريكي-الإسرائيلي، المدعوم أوروبيا، على وقف الحرب الإبادية وإنهاء الحصار على غزة. وجزء من هذا الضغط يأتي من خلال تصعيد حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وأيضا من خلال الضغط المباشر على أعضاء البرلمانات والحكومات والشركات ووسائل الإعلام المتواطئة من خلال "الاحتلال السلمي" لمقراتها وإرباك عملها المعتاد وتواطؤها المستمر بشتى الطرق السلمية.
فمثلاً، نعمل بشكل وثيق مع نقابات عمالية، بالذات العاملة في مجال الشحن البحري، لإعاقة شحن الأسلحة إلى "إسرائيل"، وهذا ما قامت به نقابات عدة في بلجيكا وكتالونيا وإيطاليا واليونان وتركيا وحتى في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
كما أننا نضغط بقوة على حكومات صديقة لشعبنا من أجل فرض حظر عسكري على إسرائيل والعمل على طردها من عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن "الفيفا" وغيرها.