كثير من ناس مر عليهم خبر انعقاد قمة "المنامة
العربية" دون انفعال أو تفاعل، وتلك صفة ملازمة لحدثٍ عربي كهذا، لقاء زعامات
عربية في مناسبات الشدة والرخاء، لا يلبث الإنسان العربي أن ينساه في غمرة أحداث تُغرق
واقعه، وتشل من قدرته على الحركة.
فلا جديد يضيفه اجتماع العرب في قممهم وقت المحنة التي
يكمن أصلها وصبغتها
الفلسطينية في نكبتهم ثم احتلال بقية أرضهم مع استمرار العدوان
عليهم وعلى أرضهم بكل الأشكال، ثم الرد على هذا العدوان في
غزة بالطريقة التي أيقظت
"أساطير" وأيديولوجيات راكدة عن القضية الفلسطينية، أحيت ضمائر شعوب
غربية مناصرة للحق الفلسطيني ومناهضة لجريمة إبادته. وكان لاعتصام واحتجاج
الجامعات والطلبة حول العالم ضد الاحتلال الإسرائيلي وقع وأثر كبير لدى قادة
الاحتلال، يوازيه انعقاد جلسات محكمة العدل الدولية ووضع إسرائيل في قفص الاتهام
بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في غزة.
لا أثر عربيا يسجل في قمة المنامة، غير انتقال الزعماء
مشيا على الأقدام لقاعة الاجتماع ونثر الورود والأرز على رؤوسهم والتصفيق
والزغاريد، وقوى الأمن تقف بين الناس والزعماء. والأثر غير مبهج على الإطلاق بعد
ثمانية أشهر من عجزٍ عربي على وقف الإبادة الجماعية، أو إسعاف ضحاياها، حتى الكلام
العربي بمناسبات القمة؛ بحشوها المبتذل بكلام عن القضية والسلام وما إلى ذلك،
كل ما يحدث على أرض فلسطين لا يعكر صفو ابتهاج القادة العرب، ولا يمنعهم من التلويح بأيديهم وبابتساماتهم أمام عدسات التصوير، فما حدث ويحدث من جرف لكل وهمٍ عن سلام مع إسرائيل بإعادة احتلال غزة وتنفيذ سياسات أشد عدوانية بالاستيطان والتهويد وابتلاع الأرض؛ رأس ماله العربي الاكتفاء بقمة مشابهة وحضور بالإجماع أو النقص، وبيان ختامي ساذج لا يملك العربي وقتا لتكرار قراءة بنوده وحروفه التي أورثها لأجياله سبعين عاما
لم
يعد له معنى لا في أرض العرب ولا في سماء السياسة الدولية، فكل ما يحدث على أرض
فلسطين لا يعكر صفو ابتهاج القادة العرب، ولا يمنعهم من التلويح بأيديهم وبابتساماتهم
أمام عدسات التصوير، فما حدث ويحدث من جرف لكل وهمٍ عن سلام مع إسرائيل بإعادة
احتلال غزة وتنفيذ سياسات أشد عدوانية بالاستيطان والتهويد وابتلاع الأرض؛ رأس
ماله العربي الاكتفاء بقمة مشابهة وحضور بالإجماع أو النقص، وبيان ختامي ساذج لا
يملك العربي وقتا لتكرار قراءة بنوده وحروفه التي أورثها لأجياله سبعين عاما.
ومهما تكن البواعث الكامنة، لدى النظام الرسمي العربي،
حتى تجعله يمضي في محاولته الرامية لزرع السراب أمام شعوبه عن فائدة
التطبيع
و"السلام"، وعن فائدة الابتعاد أكثر عن قضية أرهقت سرية التطبيع مع
عدوها، وتحطيم فكرة المقاومة للاحتلال مع الزعم الفلسطيني الرسمي بخطرها
ومسؤوليتها عن المخاطر التي تزداد على الوجود الفلسطيني فوق أرضه، فإن ذلك التزوير
لن يغير قناعة راسخة لدى شعوب عربية وغربية عن عدالة قضية بالحرية والتحرر، ولن
تغير النظرة للطبيعة الاستعمارية للمشروع الصهيوني على الأرض لتحقيق الإبادة
الفردية والجماعية لأصحاب الأرض والحق، وهي بواعث يعبر عنها من الهرم وحتى القاعدة
في المؤسسة الصهيونية المنادية بسحق الفلسطينيين. فسموتريتش وبن غفير ونتنياهو وغالانت
ينتمون لنفس المنبت المؤسس لإرهاب الدولة، ولا تتعارض سياساتهم مع من سبقهم من
نماذج صهيونية، ولمن يريد الاطلاع على نماذج تصريحات نتنياهو وبن غفير وسموتريتش
عن غزة و" يهودا والسامرة" والقدس ومقارنتها بمن سبق؛ لا يجد فوارق،
ولمن يريد مراجعة سياسة أمريكية وغربية تبحث عن فوارق جوهرية لدعم هذه السياسة،
أيضا لن يعثر سوى على ثبات لدعم هذه السياسات.
بيانات القمم العربية، وبيان المنامة، منها ليست بحاجة لقراءة أو عنوان، فلا شيء استراتيجي ولا تاريخي غير القناعة التامة بأن التعايش العربي الرسمي مع جرائم الإبادة وتوسيع العدوان على الشعب الفلسطيني غير مستحيل من هذا النظام العربي الذي يسير نحو كارثته بعيون مفتوحة خوفا من غضب أمريكا وإسرائيل
والسؤال: من يهتم حقيقة لبواعث الأمور من أنظمة عربية
ومن سلطة فلسطينية تعتبر القهر والإذلال والاستبداد والاحتلال والتعذيب والقتل
والسجن والتشريد والإبادة الجماعية تفاصيل، وأن الجوهر هو التركيز على فكرة السلام
وصناعة مواطن عربي جبان بعد تفريغه من إيمانه بقيم ومعتقدات وعقائد، وتأطيرها في
صورة "الإرهاب" الذي أصبحت مكافحته برنامج عمل يومي ثابت في أجندة عمل
عربي مشترك لا تصيبه شائبة رغم كل ما يحدث؟ ولذلك تغيب مفردات عربية عن دعم الشعب
الفلسطيني ودعم مقاومته، أو الجهر بحق شعب تحت الاحتلال بالمقاومة، ويغيب عن قصد
وإدراك كامل كشف حقيقة المشروع الصهيوني وأبعاده ومخاطره وطرق مواجهته الفعلية،
واعتبار هذا الموضوع أو المشروع مادة "فكرية" فلسفية مكانها مراكز البحث
وداخل أروقة نخبٍ لا يجوز أن تكون مرئية على مشهد عام في مجتمعات عربية مشغولة
تماما ببث مشاهد شبيهة بزهو مسير القادة نحو اجتماع عربي، والحديث عن أهمية مشتركة
لا يعرف العربي عنها إلا تلك التي لا تصيبها عين أجهزة الأمن.
أخيرا، كل بيانات القمم العربية، وبيان المنامة، منها
ليست بحاجة لقراءة أو عنوان، فلا شيء استراتيجيا ولا تاريخيا غير القناعة التامة بأن
التعايش العربي الرسمي مع جرائم الإبادة وتوسيع العدوان على الشعب الفلسطيني غير
مستحيل من هذا النظام العربي الذي يسير نحو كارثته بعيون مفتوحة خوفا من غضب
أمريكا وإسرائيل.
twitter.com/nizar_sahli