قررت
المحكمة الدستورية في
تركيا سحب العديد من صلاحيات الإقالة والتعيين بمرسوم بالقانون من الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، لاعتبارها "تدخلا في استقلالية مؤسسات الدولة"، وهو الأمر الذي جاء بعد صدام بين المحكمة وتحالف "الجمهور" الحاكم عقب التحول إلى النظام الرئاسي عام 2017.
ووفقا لقرار مؤلف من 482 صفحة جرى نشره في الجريدة الرسمية، الثلاثاء، قضت المحكمة الدستورية بتعديل العديد من بنود المرسوم بالقانون رقم 703 الذي أصدره أردوغان عام 2018، بعد تحول نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي، وقد أعطى المرسوم الرئيس التركي صلاحيات واسعة في التعيين والإقالات عبر المراسيم الرئاسية.
وضمن تلك التعديلات، ألغت المحكمة صلاحية الرئيس التركي تعيين رؤساء الجامعات وإقالة محافظ البنك المركزي التركي قبل انتهاء ولايته، مبررة قرارها بأن المرسوم بالقانون الصادر عام 2018 يخضع الجامعات لسلطة الرئيس، ويلغي استقلالية البنك المركزي.
وكان أردوغان أقال خمسة محافظين للبنك المركزي خلال السنوات الخمس الماضية، الأمر الذي دفع المعارضة إلى اتهامه بـ"نزع استقلالية المؤسسة، والتسبب بزيادة سياسة التدفقات النقدية التي أضعفت الليرة وزادت من التضخم".
وجاءت هذه القرارات المفاجئة نتيجة لدعوى أقامها حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة التركية، أمام المحكمة الدستورية عام 2018، بعد إقرار المرسوم بالقانون.
اظهار أخبار متعلقة
ونصت تعديلات المحكمة الدستورية، على أن قرارات الإلغاء ستدخل حيز التنفيذ بعد 12 شهرا، ما يعني ذلك منح البرلمان مهلة عام واحد من أجل تمرير قانون يتعلق بالمواد الملغاة، على أن تظل أحكام المرسوم بقانون سارية المفعول حتى انتهاء هذه المدة.
وتأتي قرارات المحكمة الدستورية بعد نحو ثلاثة أشهر من انتخاب رئيسها الجديد قادر أوزكايا، بعد انتخابات مغلقة بين أعضاء المحكمة الـ15 الرئيسيين.
وكانت التوترات بين تحالف "الجمهور الحاكم الذي يضم حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحزب "الحركة القومية" الذي يترأسه دولت بهتشلي، تصاعدت في الآونة الأخيرة على خلفية العديد من الملفات، من بينها الاعتراض على إسقاط عضوية النائب عن حزب العمال التركي جان أتالاي من البرلمان، الأمر الذي دفع بهتشلي إلى المطالبة بإغلاقها.
وفي أعقاب قرار المحكمة الدستورية، تداول العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي المناصرين للرئيس التركي، مقطعا مصورا يظهر فيه أردوغان وهو يعلق على قرارات سابقة للمحكمة قائلا: "سأبقى صامتا إزاء قرارات المحكمة الدستورية، لكن هذا لا يعني أني أقبله أو احترمه، فضلا عن الالتزام به".
"أردوغان سيتعامل بلامبالاة".
في السياق، يرى الكاتب والباحث التركي علي أسمر، أن "قرارات المحكمة الدستورية العليا إلغاء صلاحية الرئيس أردوغان في تعيين رؤساء الجامعات، وتغيير رئيس البنك المركزي قبل انتهاء مدة مهمته المحددة دستوريا بـ 5 سنوات، هي عبارة عن ارتدادات لنتائج الانتخابات المحلية التي فازت بها المعارضة التركية بأغلبية بلديات المدن التركية".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "سبب هذه الفجوات الدستورية هي الانتقال من نظام برلماني إلى نظام رئاسي دون تغيير الدستور التركي"، مشيرا إلى أن "الدستور التركي الحالي لا يتناغم مع النظام الرئاسي الذي يسعى الرئيس أردوغان لتطبيقه في تركيا".
ويلفت أسمر إلى أن "حزب الشعب الجمهوري قدم سابقا شكاوى للمحكمة الدستورية العليا في تركيا بخصوص صلاحيات رئيس الجمهورية بالنسبة لتعيين رؤساء الجامعات، بعد المشكلة التي حصلت حول تعيين أردوغان لرئيس جامعة بوغازتشي العلمانية، وبعد تغيير الرئيس أردوغان لرؤساء البنك المركزي".
اظهار أخبار متعلقة
وينوه إلى أن "صلاحية تعيين رئيس البنك المركزي كانت لدى مجلس الوزراء في النظام البرلماني وليس بيد الرئيس"، ويتابع في حديثه لـ"عربي21": "لذلك نستطيع القول إن دستورا قديما ونظام حكم جديدا سيفتح علينا العديد من المسائل القانونية والدستورية".
وعن الرد المتوقع من الرئيس التركي بشأن القرارات التي اتخذتها المحكمة الدستورية، أشار الباحث التركي إلى أنه "لن يكون هنا آثار مباشرة حاليا لهذا هذه القوانين؛ لأن تطبيقها سيكون بعد عام من الآن، لذلك أعتقد أن الرئيس أردوغان سيتعامل مع المحكمة الدستورية العليا كما تعامل معها سابقا باللامبالاة".
وأوضح أن تعامل الرئيس التركي باللامبالاة مع هذا الملف "يرجع إلى كون المواضيع القضائية مواضيع طويلة البحث، وتتغير حسب مجرى الصراعات السياسية بين الأحزاب والقوى السياسية"، لافتا إلى أن "أردوغان يفكر بان مصلحة المواطن أهم من القانون والقوانين خلقت لتسهيل شؤون المواطنين، ويجب تغييرها عندما تتحول القوانين إلى عائق أمام مصلحة المجتمع"، حسب تعبيره.
توضيح رسمي
في أعقاب تداول قرارات المحكمة الدستورية، نشر مركز مكافحة التضليل الإعلامي التابع لرئاسة الاتصالات التركية بيانا عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، أشار فيه إلى أن ما وصفه بالادعاءات التي تداولتها وسائل إعلام بشأن "إلغاء المحكمة الدستورية صلاحيات الرئيس أردوغان في تعيين رؤساء الجامعات ورئيس البنك المركزي" غير صحيحة.
وأشار المركز إلى أن المحكمة الدستورية بتت في طلب مقدم لإلغاء المرسوم بقانون رقم 703، موضحا أن المحكمة العليا رفضت طلب إلغاء اللائحة التي تتضمن 2375 حكما برمتها، إلا أنها وافقت على إلغاء بعض أحكام اللائحة.
ونوه إلى أن "قرارات المحكمة الدستورية تدخل حيز التنفيذ بعد 12 شهرا من اليوم، لذلك، لا يوجد أي تغيير فيما يتعلق بالممارسات الحالية".
مساعي أردوغان لتغيير الدستور
يكثف الرئيس التركي جهوده بهدف إنجاز دستور مدني جديد للبلاد بدلا من الدستور الحالي الذي وضع بعد انقلاب عسكري وقع عام 1982، وذلك عبر التوصل إلى أرضية توافق مشتركة بين حزبه الحاكم "العدالة والتنمية" وحليفه في تحالف الجمهور، دولت بهتشلي زعيم "الحركة القومية" وباقي أحزاب المعارضة التركية وفي مقدمتها "الشعب الجمهوري"، الذي أصبح بعد الانتخابات المحلية الحزب الأول في البلاد من حيث عدد أصوات الناخبين.
وتأتي مساعي أردوغان في إطار التحول الذي شهدته تركيا عام 2017 بعد انتقالها بموجب استفتاء شعبي من النظام البرلماني إلى الرئاسي، دون تغيير الدستور بشكل كامل ما تسبب بوجود ما وصفه الباحث التركي علي أسمر في حديثه لـ"عربي21" بـ"عدم التناغم" بين الدستور الحالي والنظام الجديد، على الرغم من التعديلات التي جرت عليه.
اظهار أخبار متعلقة
بالإضافة إلى ذلك، يرى أردوغان الذي دشن حملة "دستور جديد مدني" عام 2021، أن دستور عام 1982 "أكبر خنجر زُرع في قلب البلاد"، ويعتبر أن بقاء هذا "الدستور الانقلابي" مسيطرا على الدولة يعد سببا في تغذية "الشكوك حول نضج الديمقراطية التركية"، وذلك على الرغم من التغييرات العديدة التي أجريت عليه خلال العقود الأخيرة.
وفي كلمة ألقاها خلال ندوة بعنوان "دستور المئوية التركية والدستور المدني وتركيا العظمى"، الأسبوع الماضي، شدد الرئيس التركي على أن "الديمقراطية التركية اليوم تتمتع بقوة وقدرة ونضج من شأنها تخطي عتبة وضع دستور جديد ومدني".
وبعد انتهاء فترة الانتخابات العامة والمحلية التي مرت بها تركيا خلال العامين الماضيين، يسعى الرئيس التركي إلى استغلال خلو الساحة السياسية التركية من الملفات الانتخابية على مدى السنوات الأربع المقبلة من أجل إنجاز التعديلات الدستورية التي ينادي بها منذ عام 2021.
ومن المتوقع أن تتصاعد اللقاءات والحوارات المشتركة بين أحزاب التحالف الحاكم والمعارضة خلال الفترة القادمة؛ بهدف التوصل إلى توافق يضمن تمرير التعديلات الجديدة، إلا أن المعارضة تسعى إلى انتزاع تعهدات بالالتزام بالدستور الجديد في حال تمريره، كما أنها تتخوف من تغييرات تتحدث العديد من الصحف المحلية بأن "العدالة والتنمية" يسعى إلى تمريرها من خلال التعديلات المحتملة، وهي تعديلات من شأنها أن تضفي طابعا محافظا بشكل ما على الدستور.