أصرّ
أسامة حمدان في مؤتمره الصحفيّ الأخير على هذا المصطلح وكرّره ما يزيد عن عشر
مرات، ومن المعروف كم هو مفوّه ودقيق وبارع في اختيار الكلمات المناسبة وتوظيفها
في خدمة ما يحويه مؤتمره من رسائل محليّة وإقليميّة ودوليّة، فبالإضافة إلى أنّ
الخطاب يعدّ على أعلى مستوى في المطبخ السياسي، فقد اختير له هذا الرجل الذي يعدّ
من أعلى درجات القيادة كفاءة ومهارة وإتقانا لتصدير الخطاب الناجح والمميّز. ِ
هذا
الجمع بين
الصهيونية والنازيّة في كلمة واحدة يحفر عميقا في العقل الواعي
واللاواعي ويربط صورة معروفة خاصة للعالم الغربي للنازيّة التي مارست العنصرية
بأبشع صورها وترجمت هذه العنصرية بممارسات متوحّشة من القتل والحرق والتدمير، ففي
الأمر استدعاء لهذه الصورة من دفاتر التاريخ لترتبط بقوّة مع مجموعة بشرية معاصرة
تمارس تلك الممارسات العنصريّة المتوحّشة، هذا الربط يُغني عن كثير من الشرح
والتدليل ويُحكم الربط ليوصل رسالة قويّة يحرّك من خلالها كل المخزون والموروث؛ من
بشاعة وصور مقيتة ويسقطها على هذا الذي يسير على خطاه ويمارس ذات الممارسات الإجراميّة
الفظيعة.
وتكمن
البراعة في اختيار هذا المصطلح؛ في أنّ هذا الذي يمارس هذه المجازر والجرائم في
القتل وحرب الإبادة الجماعية على
الفلسطينيين كان ضحية لذاك الذي يشاركه اليوم
ويرتبط معه في وصف واحد ومصطلح واحد، فكيف تنقلب الضحية وتتقمّص دور الجلاد وهو
ذات الجلاد الذي مارس عليها ذات الجريمة التي يمارسها اليوم على الشعب الفلسطيني؟
كان من الأولى لمن وقع عليهم الظلم أن يكون أبعد ما يكون عنه، إلا أننا وجدناهم قد
مارسوا الظلم نفسه، فكيف تسلّلت النازيّة إلى الصهيونية بهذا الشكل المريع؟
هناك
ما يثبت وفق دراسات محكّمة علاقة الصهيونية مع النازيّة وأنها قد شاركت في ذبح
اليهود، إذ كانت الصهيونية كحركة سياسية نشأت من أجل إقامة وطن قومي لليهود حسب ما
عرف في الظاهر، رغم أنّ الذي ثبت وأكده هذا التعاون الغربي بدءا من بريطانيا
وانتهاء بالولايات المتحدة الامريكيّة، وبدعم من كل الدول الأوروبية الاستعمارية،
أن هناك إرادة سياسية تشكّلت لإنشاء دولة وظيفية لخدمة مصالح هذه الدول فاستعدّت
الحركة الصهيونية للقيام بهذا الدور، فكان لا بدّ من تهجير واسع لليهود حتى يقيموا
كيانهم، وسلكت لذلك الطريقة الميكافيلية التي على أساسها أجازت الدول الاستعمارية
لنفسها أن تقتل وتدمّر وترتكب المجازر، إذ أن على هذا المبدأ: "الغاية تبرّر
الوسيلة"، سحقت شعوبا وقتلت آلاف بل ملايين البشر، لذلك تعاونت الحركة
الصهيونية مع
النازية من أجل الوصول إلى هذا الهدف وهو دفع اليهود للهجرة إلى أرض
السمن والعسل فلسطين وترك ما كانت عليه من نعيم في ألمانيا وغيرها من الدول
الأوروبية.
الحركة
الصهيونية امتطت صهوة اليهود والديانة اليهودية من أجل الوصول إلى أهدافها
الاستعماريّة، وممّا سهّل عليها هذه المهمّة أنّ المظهر الذي تمظهرت به ينسجم مع
هوى كثير من المتديّنين اليهود ويدغدغ عواطف يمكن إيقاظها بسهولة إذا وجدت من يضرب
على وترها بشكل صحيح، وهذا ما أتقنته الحركة الصهيونية بجدارة، فهي حركة وصولية
خبيثة تعرف كيف تحرّك دواخل هؤلاء المتدينين الساذجين سياسيّا، ومن استعصى منهم
استخدمت معه التوحّش وكان لا مانع لديها في ألمانيا من أن تتعاون مع النازيّة
للوصول إلى هذه الأهداف والغايات الصهيونية.
ويمكن
القول أيضا إن هناك ثلاثية متوحّشة قد اجتمعت في ثوب واحد: الصليبية والنازية
والصهيونية، ولصعوبة نحت مصطلح واحد من هذه الثلاثة كان من الممكن اعتبار النازيّة
من أعلى تجليّات الصليبية رغم بعض الفوارق، فنأتي بها لتجمع مع الصهيونية في حالة
واحدة متماثلة، تحمل ذات المنهجية في القتل والتدمير وسحق الآخر فكان هذا المصطلح:
"الصهيونازية" هو الذي يعبّر تعبيرا صادقا ويعطي الإيحاءات المطلوبة
بشكل أكثر دقّة وشمولية.