أقر مجلس النواب
المصري، الاثنين، مشروع
قانون الموازنة العامة المصرية الجديدة (2024/ 2025)، وسط تأييد من الأغلبية ورفض شديد من بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة، لتصبح الموازنة رقم 11 خلال فترات حكم رئيس النظام، عبد الفتاح
السيسي منذ العام 2014.
الانتقادات جاءت حادّة، لما تحمله الموازنة العامة الجديدة من ارتفاع العجز الكلي، وانخفاض الدعم للطبقات الفقيرة، وتوجهات خفض الدعم ورفع سعر رغيف الخبز المدعوم، ورفع شرائح استهلاك الطاقة من كهرباء وغاز وبنزين وسولار، وتوسيع قاعدة الضرائب بحق المصريين، وارتفاع حجم الدين الداخلي، وتغوّل خدمة الدين الخارجي على مصروفات الموازنة.
"خداع البرلمان"
واتّهم أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب النائب عبد المنعم إمام، الحكومة بتقديم نسخة من الموازنة للنواب غير التي قدمتها لصندوق النقد الشهر الماضي، كاشفا عن اختلافات كبيرة في الأرقام بين النسختين.
وقال إمام بالجلسة العامة، الأحد الماضي: مقدم للنواب إن المصروفات الإجمالية تبلغ 3 تريليونات و870 مليار جنيه، بينما صندوق النقد قال إنها 4 تريليونات 789 مليار جنيه، ومثل الأجور وتعويضات العاملين، قال مشروع الموازنة إنها 575 مليار جنيه، وصندوق النقد قال إنها 648 مليار جنيه.
وأضاف أن المصروفات الأخرى في مشروع الموازنة 162 مليار جنيه، وقال صندوق النقد إنها 227 مليار جنيه، والإيرادات الأخرى 600 مليار في مشروع الموازنة، بينما قال صندوق النقد إنها 592 مليار جنيه، وبالنسبة للعجز في مشروع الموازنة تريليون و245 مليار جنيه، بينما قال صندوق النقد إن العجز تريليون و570 مليار جنيه.
وأكد أن الأهم من ذلك أن مشروع الموازنة قال إن الفوائد تريليون و800 مليار جنيه، بينما قال صندوق النقد إن الفوائد هي تريليونان و408 مليارات جنيه"، فيما أنكر وزير المالية محمد معيط، ما قاله إمام، مطالبا بحذف الكلمة من المضبطة.
"جريمة إتعاس المصريين"
وفي حديثه بالبرلمان، أعلن النائب ضياء الدين داود، عن رفض الموازنة العامة، واصفا إياها بالجريمة، فيما اتهم الحكومة بأنها حكومة صندوق النقد الدولي، وحكومة إتعاس المصريين، عاقدا مقارنة بين أرقام الموازنة الحالية وسابقتها قبل 4 سنوات في 30 حزيران/ يونيو 2019.
وأكد أن الدين المحلي، كان يساوي 3794 مليار جنيه، ويقدر الآن بـ7119 مليار جنيه، ما يعني أن مصر اقترضت في 4 سنوات 3324 مليار جني، مشيرا إلى أن الدين الخارجي كان 945 مليار جنيه، وأصبح 2545 مليار جنيه، ما يعني زيادة القروض في 4 سنوات بما قيمته 1600 مليار جنيه.
ولفت إلى أن أقساط وفوائد الدين الأجنبي المستحقة خلال عام 2024 حوالي 42 مليار دولار أمريكي، وذلك أمر سيستمر حتى عام 2027 كحد أدنى، ملمّحا إلى أنه في المقابل، ارتفع معدل الفقر من 29.7 بالمئة بالعام المالي (2019-2020) ليصل 35.7 بالمئة في (2023- 2024).
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن أرقام الدين العام فى الموازنة الجديدة كارثية، حيث بلغت فوائد الديون 1834.5 مليار جنيه تساوي 47.4 بالمئة من المصروفات، وتصل أقساط الديون 1606.2 مليار جنيه تساوي 29 بالمئة من الاستخدامات، وتبلغ الفوائد والدين معا (خدمة الدين) 3440.6 مليار جنيه تساوي 62.1 بالمئة من إجمالي الاستخدامات، وتساوي 20.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، و131.1 بالمئة من إجمالي الإيرادات.
"اختلالات كبرى"
وعبر دراسة بعنوان "الموازنة العامة للدولة (محاولة للفهم"، أكد الباحث إلهامي المرغني، أن "الفوائد والأقساط تشكل عبئا كبيرا على الموازنة العامة المصرية بقيمة تصل هذا العام إلى 3440.6 مليار جنيه وتستحوذ على 62.1 بالمئة من إجمالي استخدامات الموازنة".
وأكدت أنه "بذلك لا يتاح لباقي بنود الإنفاق الحكومي والمصروفات إلا 37.9 بالمئة فقط لكل أبواب وبنود المصروفات، ويتم تقليص الإنفاق على التعليم والصحة والمرافق العامة لكي تستطيع مصر الوفاء بالتزاماتها من الاقتراض".
وأوضحت الدراسة أن "نسبة القروض الجديدة إلى الموارد ارتفعت من 38.1 بالمئة في موازنة (2010-2011) إلى 54.3 بالمئة في (2015-2016) ثم انخفضت حتى 41.5 بالمئة من الموارد في موازنتي (2018-2019)، و(2019-2020)، وبعد أن كانت 48 بالمئة في (2022-2023)، ارتفعت إلى 49.2 بالمئة بموازنة (2023-2024)، لتصل بالموازنة الجديدة إلى 51.2 بالمئة، لتصبح مصر تمول أكثر نصف موازنتها بقروض جديدة".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح المرغني، أنه لذلك تعاني الموازنة من اختلالات كبرى بحيث تكون موازنة الديون في الاستخدامات والموارد، ويصبح كل هم الدولة كيف تدبر الأقساط والفوائد لكيلا يتم وقف إقراضها"، مبيّنا أنها لذلك "تبيع رأس الحكمة والفنادق التاريخية والأصول والشركات والخدمات العامة"، مضيفا أنها "تتفاقم الأعباء على كاهل الكادحين والفقراء".
خبراء ومراقبون قدموا في حديثهم لـ"عربي21"، قراءة في أرقام قانون الموازنة العامة المصرية الجديدة، كاشفين عن بعض ما بها من ثغرات، مؤكدين عدم إنصافها الفقراء بل والإضرار بهم، وأن أغلب مخصصاتها تلتهمها خدمة الديون الخارجية.
"تغول الدين وزيادة التقشف وصلا للذروة"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي المصري، وائل جمال: "الموازنة الجديدة هي استمرار لسياسات السنوات الماضية، من إعلاء لشأن الفوائد والأقساط والعجز والأرقام المحاسبية على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري، بل إن موازنة هذا العام وصلت للذورة، فنرى أن الفوائد تفوق الـ60 بالمئة من إجمالي خدمات الموازنة، وأن الدين العام يبتلعها، والباقي للأنشطة الاقتصادية والحماية الاجتماعية أقل من 40 بالمئة من الإنفاق العام".
مدير "وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، بـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، لفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "ما يسمى بالفائض الأولي المفروض أن يزيد إلى 3.5 بالمئة بالموازنة، وهذا عمليا خفض إنفاق أنشطة مفروض زيادة الإنفاق عليها، لأن الفائض الأولي يعني الإنفاق ناقص خدمة الدين، والتي تبتلع هي والأقساط 60 بالمئة من الموازنة".
وأوضح أنه "لهذا كل البنود المهمة مثل الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وحماية البيئة لما نحسب النسبة من الناتج المحلي أو لما نخصم معدل التضخم كي نجد الإنفاق الحقيقي زاد أو قل، فنجد أنه قل ولم يزيد، هذا برغم أن الرقم المحسوب في الموازنة للتضخم كان متوسط للسنة المالية 23 أو 24 بالمئة تضخم".
إلى ذلك، أكّد جمال، أن "هذا المتوسط غير منطقي بالمرة لأنه حتى بالعشرة شهور الماضية كان أقل معدل تضخم 31 بالمئة ولذا فيجب ألا يقل المتوسط عن هذا الرقم، ناهيك عن أن التضخم وصل إلى 39 و40 خلال العام، وباقي من السنة شهرين فقط".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "لذا فإن المتوقع ألا يقل التضخم، لأنه مع زيادات الأسعار التي حدثت في الخبز والتي ستحدث بالكهرباء والوقود المفروض أن يرتفع التضخم، خاصة أن للخبز أثرا كبيرا وسعره كان ثابتا ووزنه في سلة الغذاء كبير، وبالتالي فليس من المتوقع أن يقل التضخم أبدا".
وألمح إلى أنه "حتى في المتوسط الموجود بالموازنة للتضخم؛ فإن الانخفاض الكبير سيطال الإنفاق على مقررات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية وكل بنود الإنفاق على المواطنين بشكل مباشر"، مبيّنا أن "الموازنة يبتلع الدين فيها الإنفاق العام والتقشف يحصل على حساب المواطنين والخدمات العامة".
"تأجيج الغضب"
وفي قراءة سياسية لتوقيت الموازنة وأرقامها والذي كان يجب على الحكومة أن تفعله في الموازنة لتقليل الغضب الشعبي من رفع الأسعار وتخفيض الدعم، وتغافلها لهذا الجانب، قال جمال: "يبدو أن هناك إيمانا بأنه لن يحدث شيء مهم حتى ولو كان هناك غضب، ورأينا تأكيد وزير التموين بأنه لم يصل وزارته أي شكاوى من رفع سعر رغيف الخبز".
وأكد أن "هذه قناعة وانحياز واضح لطريقة تخدم مصالح معينة، وكان هناك اختيارات أسهل كثيرة بهذا الوقت الصعب، قبل هذه الإجراءات، وإذا كانت الحكومة تحتاج توفير من 12 إلى 15 مليار جنيه في دعم الخبز بالموازنة كان من السهل أن تأخذهم من أي مصدر آخر دون تغيير دعم الموازنة أو زيادة الضرائب".
ولفت إلى أنها مثلا "تمنح 23 مليارا دعما للمصدرين، وكان يمكن تقليلهم، وكان يمكن عمل تخفيض 1 في المئة في سعر الفائدة ما يوفر من 70 إلى 90 مليار جنيه قيمة دعم الغذاء بالموازنة، وكانت هناك اختيارات لكن الحكومة أخذت اختيار وانحياز بطريقة معينة وتعتقد أن الناس ستتحمل".
"موازنة تضخمية.. كلها ثغرات"
وفي قراءته، قال الخبير الاقتصادي، أحمد البهائي: "لنعترف أن الموازنة الجديدة كسابقتها، حيث إن هناك موازنتين إحداهما تقدم، والأخرى الحقيقية تعد بنودها على متغيرات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، لتنتهي بعجز يرحل من حساب إلى حساب لينتهي القول بأن عنوانها موازنة (تضخمية)".
البهائي، أضاف لـ"عربي21"، أن "هذا أحد متطلبات صندوق النقد الدولي أخيرا، بأن تكون موازنة واحدة قبل أن تكون موحدة، وهذا الطلب ليس حبا في نجاح الحكومة بل في الحد من الهجوم المتزايد مؤخرا على اللجنة الفنية الموجهة كما يقولون لمساعدة مصر".
ويعتقد الكاتب والباحث الاقتصادي أن "الموازنة كلها ثغرات، وكأنها أعدت على عجل، كذلك تنم على افتقار من كان قائما عليها فنينا"، مبينا أنه "بالنظر إلى ميزانية الدولة، نجد أن الإنفاق العام (الاستهلاكي والاستثماري) يمثل أهم مكوناتها".
ووفق تقديره "يوصف الاقتصاد القومي بأنه غير متوازن، حيث لا يساهم الناتج المحلي الإجمالي بالنصيب الأكبر في حجم الإنفاق القومي، ويؤدّي ارتفاع حجم الإنفاق العام، في ظل محدودية الموارد المالية للدولة، إلى حدوث عجز في ميزانية الدولة، بل وتزايد معدلات العجـز مـن سنة لأخرى، والذي يؤدي بدوره إلى تفاقم الضغوط التضخمية في الاقتصاد".
ولفت إلى أنه "بالتالي تعتبر سياسة الإنفاق العام إحدى أهم أدوات السياسة المالية للحكومة، بهدف الحد من تفاقم الضغوط التضخمية، ولذلك لجأت الدولة إلى خفض حجم الإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق الاستثماري (كالطرق والإنشاء العقاري والسدود وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء وغيرها)، وذلك بهدف علاج الضغوط التضخمية".
يرى البهائي، أن "زيادة النفقات العامة عن الإيرادات العامة تؤدي إلى تحقيق عجز في الموازنة العامـة للدولـة، والذي تموله الدولة كالمعتاد بإصدار نقود جديدة والقروض المحلية والأجنبية، بعيدا عن الإصدار النقدي الذي يمثل أم المشكلات، حيث إنه أصبح إدمانا للحكومة".
وأشار إلى أن "الإنفاق العام يتأثر بالفوائد التي تدفعها الدولة عن القروض، خصوصا المقومة بالعملة الصعبة، والتي توجه للإنفاقات التي لا يترتب علـى اسـتخدامها عائد يساهم في سداد تلك الالتزامات (عدم استثمارها في مشروعات إنتاجية سريعة ومرتفعة الربحية) نتيجة الفساد وسوء التخطيط".
"أخطر ما يصيب الاقتصاد"
وأضاف: "كما تزداد درجة تأثر إجمالي الإنفاق العام بالديون الأجنبية (القروض والسندات والاستثمار الأجنبي غير المباشر)، خاصة في حالـة الانخفاض في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية (وهذا ما قامت به الحكومة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 بأوامر من صندوق النقد الدولي)؛ وذلك لأن سداد أصل تلك القروض وفوائدها يتم بالعملة الأجنبية".
وخلص للقول: "إذا، يمول العجز في ميزانية الدولة عن طريق الزيادة فـي حجـم القـروض الأجنبية، حيث يتفاقم التضخم، وخصوصا عند الإفراط في الاعتماد عليها في تمويل الإنفاق، لتأتي خطورتها عندما تتعدى قيمتها قيمة عجز الموازنة، وهذا ما حدث بالفعل، منذ 2016".
وتابع: "وبالتالي تزايد أعباء خدمتها ممثلة في الفوائد المستحقة والأقساط واجبة السداد، ما يساهم في اقتطاع جزء كبير من إجمالي الناتج المحلـي للوفاء بالالتزامات، والتي تتطلب عملية سدادها المزيد من القروض، وبالتالي المزيد من الضغوط التضخمية.. وهكذا".
ومن هنا أكد، الخبير المصري أن "الموازنة العامة للدولة التي يمول عجزها من مصادر تضخمية، هو أخطر ما يمكن أن يصيب الاقتصاد".
وألمح إلى أنه "بالنظر إلى الموازنة العامة ورغم ما قيل عن نمو في الناتج المحلي، نلاحظ أن هناك ارتفاعا في قيمة عجزها الراجع إلى الارتفاع في قيمة النفقات العامة عن الإيرادات، نتيجة السياسة المالية التوسعية التي انتهجتها الحكومة".
ولكنه يرى أن "الأخطر عند النظر إلى مصادر تمويل العجز، نجدها من مصادر تضخمية سبق الإشارة إليها، أي من خلال التوسع عن الحد في حجم إصدار الأوراق المالية التجارية (سندات وأذون على الخزانة العامة) والاقتراض من البنوك، والتي تقدر بـ 574 من إجمالي التمويل 575 المقدرة بمليار جنيه، فإنه بقسمة قيمة مصادر التمويل التضخمية على إجمالي التمويل مضروبة في 100 يمكن معرفة نسبة تغطية العجز من مصادر تضخمية".
اظهار أخبار متعلقة
وتساءل البهائي: "أي موازنة وأي إصلاح اقتصادي يتحدثون عنه، بعد أن ارتفع حجم الدين العام الخارجي والداخلي في مصر إلى 108 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبعد أن وصلت فوائد الدين العام الكلي (47 مليار دولار) لتلتهم كل إيرادات الحصيلة الضريبية؟".
وواصل: "أي موازنة وإصلاح، وقد وصل الدين الخارجي إلى 168 مليار دولار وارتفع إلى 208 بالمئة من قيمة الاحتياطي النقدي (44 مليار دولار)؟، وأي موازنة وإصلاح عندما تصل قيمة الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أذون الخزانة إلى 22 مليار دولار؟، لنكرر أخطاء العامين الماضيين عندما هربت الأموال الساخنة في يومين، حيث قيمتها كما هو مخطط لها من قبل ما تريد وزارة المالية من إصدار خلال تلك السنة المالية تتعدى قيمة عجز الموازنة العامة بنسبة 119 بالمئة؟".
وختم البهائي بالقول: "ما نحن إلا في دائرة ضيقة مغلقة تزداد ضيقا بسبب فشل السياسات المالية والنقدية للحكومة".