قضايا وآراء

مراكز الدراسات: الماهية والأهمية والمهام.. الإخوان المسلمون نموذجا (2-3)

إبراهيم الديب
"امتلاك الجماعة لمواد ومقدرات كبيرة جدا ومتنوعة، لكنها لم تتمكن من توظيفها واستثمارها حتى الآن"- الأناضول
"امتلاك الجماعة لمواد ومقدرات كبيرة جدا ومتنوعة، لكنها لم تتمكن من توظيفها واستثمارها حتى الآن"- الأناضول
أهداف المقال

1- توجيه ميول قيادات الصف الأول (صناع القرار) الإصلاحية إلى تقويم وتطوير وتفعيل مراكز للبحوث والدراسات وفق احتياجات الصراع مع النظام العالمي وما بلغه من تقدم بحثي ومعرفي.

2- بيان فلسفة مراكز البحوث والدراسات- الماهية والمهام والأهداف.

1- مقدمة تمهيدية أساسية متفق عليها ولكنها تحتاج لتوضيح وتأكيد وإعلاء:

- حتى لا يخفيها ضباب، ولا تُغيبها ضوضاء، ولا يؤثر فيها تيار، ولا تغير فيها قيادة مؤقتة.

- تستمر دعوة الإخوان وغايتها ثابتة راسخة؛ دعوة الناس للإسلام وإقامة دولة الإسلام الأساس للأمة الإسلامية العالمية الواحدة "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء: 92).

- وحقيقة ذلك أنها جماعة تحمل رسالة الإسلام القائمة بذاتها، الخاصة النقية من أي دخن أو اندماج أو استيعاب من نظام أو نظم عالمية مهما بلغت من القوة البشرية.

- رسالة الإسلام بديلة عن النظام العالمي الجاري، أي أنها بديل قائم بذاته الربانية كمنهج حياة متكامل، وكيوننته البشرية الممثلة في تنظيم بشري يحمل أمانة هذا المنهج، وليس شريكا لنظام ما.

- وثورة على الكفر كله، عقيدته ومنهاجه وحكمه محليا وعالميا.

- ومنطق الحكمة أن رؤية وبوصلة الفرع من أصله، وأن الوسائل والأدوات للقيام بدورها الوظيفي، ومن ثم فمراكز البحوث والدراسات كفرع ووسيلة وأداة لتحقيق مشروع وغاية الإخوان المسلمين ومن يسير على دربهم من الحركات الإصلاحية؛ لا بد أن تلتزم وتعمل وفق هذا الفهم، وتوجه بوصلتها وتصنع مشاريعها البحثية للإجابة على أسئلة البديل الإسلامي الواجب إنجازه فكريا لتمكينه في القرن 15ه/ 21م.

- ولكن المهم أن نؤكد أن انحراف سنتميتر في مركز البحوث والدراسات يعني انحراف مئات الكيلومترات ميدانيا، والعقود والجهود، وإعادة تكرار البدايات.

2- مراكز البحوث والدراسات بنت عصرها، بمنظومتها المؤسسية ومعاييرها ووسائلها وأدواتها، فلا تصلح البدايات غير الصحيحة، إنما وفق أحدث ما بلغه العلم ووصل إليه الخصم.

3- تكرار تعثر الإخوان والحركة الإصلاحية حتى الآن، وعدم بلوغها لأهدافها بالرغم من مرور قرن ونصف من الزمان -بدأت مع الأفغاني في 1860م- يؤكد عدة فرضيات ناقشها الكثير من المفكرين وأثبتوها كنظريات وحقائق:

أ- الضعف الفكري للحركة الإسلامية وتضخم الجسد على حساب ضعف الرأس، وعدم الوفاء بالاحتياجات الفكرية والقيادية اللازمة لصناعة البديل الفكري الإسلامي القابل للتطبيق والمرور الإجباري من بين أنياب وقيود ومعوقات النظام العالمي الصهيوني (المكون من اليمين المسيحي واليهودي المتطرف).

ب- اتساع الفجوة الفكرية والعلمية والأدواتية بين المسلمين وعدوهم؛ النظام العالمي الذي تعاقبت على قيادته إنجلترا وفرنسا ثم أمريكا وروسيا، حتى انفردت أمريكا بقيادته.

ج- اتساع الفجوة بين ما يتم إنتاجه نظريا، وترجمته إلى مشاريع وحقائب تدريبية وخطط وبرامج عمل ونتائج ميدانية.

د- امتلاك الجماعة لمواد ومقدرات كبيرة جدا ومتنوعة، لكنها لم تتمكن من توظيفها واستثمارها حتى الآن، حتى أنها تحولت إلى أشبه بالثلاجة الكبيرة لاستقطاب أفضل العقول في المجتمع وتجميدهم داخلها.

كل ذلك يؤكد أربعة مفاهيم وواجبات كبرى:

الواجب الأول: مركزية وأولوية مراكز البحوث والدراسات في عمل الجماعة، وإدارة الصراع العقلي والعلمي والتنفيذي مع الخصم.

الواجب الثاني: نقطة البدء الصحيحة هي من مراكز البحوث والدراسات المنتجة للمعرفة قاطرة الجماعة، والتحول إلى قيادة وإدارة الجماعة بالعلم.

الواجب الثالث: توجيه أعظم الاهتمام وأفضل العقول والموارد لمراكز البحث.

الواجب الرابع: تصبح مراكز البحوث المصدر الأساس لدعم صناعة القرار في كافة مستويات الجماعة.

4- ماهية مراكز البحوث وموقعها في الصراع مع الكفر:

Image1_620247193716692227303.jpg

حقيقة قرآنية أن الصراع مع الكفر دائم حتى نهاية الحياة، تتعدد وتتنوع وتتطور أشكاله وأدواته. وفي عصرنا بلغنا ما تُعرف بالحرب الهجينة التي يمارسها النظام العالمي على عدوه الأول؛ الإسلام، والتي تعد مزيجا مما يقارب الثلاثين شكلا من أشكال الحرب المستمرة ليل نهار، تديرها أجهزة معلوماتية وبحثية معرفية متخصصة ومحترفة وفق المعايير العلمية لأفضل المراكز البحثية للجامعات، في مقدمتها هارفارد وكامبريدج وكولومبيا والسوربون، بالتنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها.

Image1_620247193743406000141.jpg
فلا بد وأن يقابلها حد أدنى مناسب من العمل البحثي، حتى يتمكن أهل الإيمان من فهم ما يجري ومن ثم البحث في كيفية مواجهته. ومن عظيم رحمة الله علينا أن الإخوان المسلمين من أعظم ممتلكاتهم القوة البشرية النوعية في كل المجالات الإنسانية والكونية، من مئات الأساتذة العاملين في أعرق جامعات العالم -ومعلوم أن العمود الفقري لمراكز البحوث هو القوة العقلية العلمية- ينتظرون قيادة كبيرة ومشروعا علميا جادا.

5- ماهية وحقيقة مراكز البحوث والدراسات:

في كلمات موجزة ودقيقة لتكون واضحة وموحدة في فهم العاملين في الدعوة والتغيير:

1- هي العقل المفكر لجسد مؤسسة الإخوان في كافة مجالات عملها.

2- هي القلب الذي يضخ الدماء لكل الجسد، أي قيادة الجماعة بالمعرفة والعلم والحكمة.

3- الجهاز المعرفي للجماعة في قيادة صراع العقول وحرب الأفكار منع النظام العالمي وروافده ومشتقاته في كافة الدول والمحافظات وميادين العمل.

4- نور الحكمة الذي يمثل نقطة البدء المعرفية المحركة لكل مجال وخطة ومشروع، ونقطة النهاية في كل مشروع بتقييم الأداء والإنجاز وتحديد التقويم اللازم لبداية المرحلة التالية.

5- مركز لدعم القرار وتقديم أكثر من بديل، واعتماد القرار علميا تمهيدا لاعتماده من القيادة العليا للتنفيذ.

6- وحدة للاستشعار والإنذار المبكر للتقلبات والمخاطر والمهددات المتوقعة التي يمكن أن تهدد الجماعة، وتقديم توصيات للتعاطي معها.

7- المجمع العلمي وبيت الخبرة والعقل الكلي الكبير للجماعة لتجسير الفجوة مع النظام العالمي والتفوق العقلي عليه، وإنجاز ذلك ميدانيا.

6- مهام وأهداف مراكز البحوث والدراسات

في سياق ما تعانيه الأمة الإسلامية من غياب: بوصلة ومشروع معرفي موحد، وكذلك نظام معياري معاصر يضبط وينظم جهود الإنتاج المعرفي الإسلامي على المستوى الحكومي والمدني والخاص، بحسب انتمائنا المؤقت لدول العالم الثالث، لضبط البوصلة المعرفية وترشيد وتفعيل كافة مفردات منظومة الأداء والإنتاج المعرفي، بالإضافة إلى الأهداف الخاصة بالجماعة.

1- دراسة الواقع المعرفي للأمة الإسلامية، وتحديد الاحتياجات المعرفية الكبرى وترتيبها كأولويات، وتصميم خريطة عامة للاحتياجات المعرفية والأسئلة المعرفية الكبرى والتفصيلية في كل مجال من المجالات المعرفية، لتكون بمثابة دليل عام للعاملين في إنتاج المعرفة لخدمة المشروع الإسلامي، لتحديد البوصلة المعرفية لمجالات البحث والإنتاج المعرفي اللازمة للعقود الثلاثة القادمة.

2- تصميم نظام معياري لإنتاج المعرفة الإسلامية المعاصرة اللازمة للمشروع الإسلامي لتوحيد البوصلة المعرفية، وضبط وترشيد وتفعيل عمليات الإنتاج المعرفي الإسلامي لخدمة النهوض المستهدف.

3- رصد الواقع الداخلي والخارجي وتحليله، وتقديم تقارير دورية للقيادة العليا وكافة مستويات القيادة لتعزيز الوعي الجمعي لقيادات وأفراد الجماعة.

4- المشاركة الأساسية في صناعة وتطوير رؤية واستراتيجية ومشروعات عمل الجماعة بالتنسيق مع قسم التخطيط وبقية الأقسام.

5- رصد وتصنيف وتبويب التحديات والمشاكل التي تواجه تنفيذ الخطة وترتيبها إلى أولويات بحسب أهداف المرحلة والخطة الجارية.

6- صناعة الأسئلة البحثية الكبرى والتفصيلية الخاصة بالتحديات والمشاكل التي تواجه الجماعة.

7- الإجابة العلمية على الأسئلة وإنتاج المعرفة الجديدة والحلول والمبادرات، وبيان كيفية تنفيذها.

8- تحليل تقارير أداء وإنجاز الجماعة السنوية وتحديد الاحتياجات التدريبية والتأهيلية اللازمة، وبيان كيفية تنفيذها بالإعداد والتنفيذ الداخلي، أو بالتعاون الخارجي مع الجهات المتخصصة.

9- الدراسات الاستشرافية وتحديد التحديات والفرص المتوقعة وكيفية الإعداد لها والتعاطي الاستباقي المبكر معها.

10- الخدمة والدعم المعرفي المستمر لكافة قرارات القيادة بإعداد الملفات المعلوماتية والمعرفية اللازمة لدعم قرارات القيادة وتعزيز قوتها وفاعليتها.

11- تغذية والإشراف على وسائل ومنصات إعلام الجماعة وتحويلها إلى الإعلام الفكري الجاد المتجدد، لخدمة قضايا الأمة والجماعة وتعزيز الوعي الجمعي للمجتمعات الإسلامية.

في المقال القادم نتناول منظومة مراكز البحوث والدراسات والمعايير العلمية لها والواجب فعله للتطوير والتفعيل.
التعليقات (0)