قضايا وآراء

ثنائية الحرب والحب!!

حمزة زوبع
يقول الكاتب: "انقلبت الأمور وكشفت الحرب عن الحب المكنون في قلوب بعض الحكام العرب للصهاينة ودعمهم لهم بطريقة مفضوحة"- جيتي
يقول الكاتب: "انقلبت الأمور وكشفت الحرب عن الحب المكنون في قلوب بعض الحكام العرب للصهاينة ودعمهم لهم بطريقة مفضوحة"- جيتي
كشفت الحرب الصهيو- أمريكية على غزة وعموم فلسطين عن بُعد جديد قديم لمسألة الحب والكراهية، الموالاة والمعاداة، الصداقة والخيانة، الولاء والبراء، الوفاء والغدر.

فقد كنت حذرا في مسألة تخوين بعض الحكام وعمالتهم لأن الأمر يحتاج ليس إلى دليل بل إلى يقين، ولكن جاءت الحرب الصهيو- أمريكية على فلسطين والتي بدأت بعد طوفان الأقصى لتكشف عن جملة من الحقائق التي لا تجعل المرء حذرا أو مترددا في ذلك الأمر أبدا. وأنا هنا أرصد بعض هذه الحقائق التي لا يُختلف عليها وأترك ما اختُلف حوله أو عليه والزمن كفيل بكشف المستور.

في عالم السياسة هنالك دوما اتفاقيات ومعاهدات وتحالفات، وهي عادة ما تكون معلنة للكافة لأنها تمر -أو هكذا يجب أن يكون- عبر بوابات المجالس التشريعية التي تناقشها بندا وبندا وتبدي رأيها قبل اعتمادها، هذه الاتفاقيات يجب احترامها طالما احترمها الطرف الآخر، وتصبح هي والعدم سواء إذا ما نقضها الطرف الآخر أو قام بالعبث ببعض بنودها وتصرف تصرفا أحاديا أو قدم تفسيرات لا يحتملها النص المكتوب في العقود والاتفاقيات.

ليس هناك أي اتفاقية بين العرب المطبعين أو العرب المنتظرين على رصيف التطبيع تفيد أو تشير إلى أنه يتعين عليهم مساعدة دولة الكيان في حربها على الشعب الفلسطيني.. قد تتعجب وتسأل: وهل وصلنا إلى مرحلة مناقشة قانونية دعم العرب المتصهينين للعدو؟

تفرض الضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات بمرور الزمن وتغير الظروف، وهذا ما جرى حين اتفقت مصر ودولة الكيان على ضرورة تواجد قوى مصرية في سيناء لمكافحة ما سمي بالإرهاب، حتى أنه قد سُمح لطيران العدو بالتحليق فوق سيناء والإغارة على شعبنا أكثر من مائة مرة، كما ذكر الصحفي الأمريكي ديفيد كيرباتريك في مقالاته المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز والتي تحولت إلى كتاب بعنوان بين أيدي العساكر أو الجنود.

ليس هناك أي اتفاقية بين العرب المطبعين أو العرب المنتظرين على رصيف التطبيع تفيد أو تشير إلى أنه يتعين عليهم مساعدة دولة الكيان في حربها على الشعب الفلسطيني.. قد تتعجب وتسأل: وهل وصلنا إلى مرحلة مناقشة قانونية دعم العرب المتصهينين للعدو؟ أوَ ليس من الأَولى مناقشة الاتفاقيات العربية المشتركة والتي بموجبها يتعين على كافة الدول العربية دعم فلسطين خصوصا وهي في حالة حرب وعدوان من دولة الكيان الصهيوني؟

طبيعي أن تتساءل ونتساءل عن تفعيل بنود اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي وُقعت في 18 حزيران/ يونيو 1950؛ لماذا لم يتم تفعيلها في الحروب المتعددة على غزة والقطاع وعلى لبنان مثلا؟

هذا سؤال أصبح تاريخيا ومن الماضي، والسؤال اليوم هو ما ذكرته قبل قليل عن طبيعة الاتفاقيات غير المعلنة التي تدفع الدول العربية لدعم دولة الكيان في حربها على شعب فلسطين!

في أي اتفاقية سرية أو علنية جاء ذكر وجوب دعم الحرب على المقاومة وغزة والزعم بأن الحرب التي شنتها المقاومة تمت بغير إذن ولي الأمر السعودي، وكأن ولي الأمر السعودي يملك أمر العرب جميعا وأمر المقاومة تحديدا، فلا حرب إلا بإذنه تماما كما أنه لا حج إلا بإذنه؟!

في أي اتفاقية سرية أو علنية تخصص السعودية جيشا من المشايخ للهجوم على المقاومة وعلى حماس بالنيابة عن دولة الكيان، في حملة تبدو هي الأغرب في التاريخ، إذ نفر من بين المسلمين طائفة ليسفهوا أحلام المقاومين ويشيدوا بالعدو الذي لم يعتدِ على بلاد الحرمين؟ وبالتالي فالأمور واضحة: العدو هو الصديق، والأخ والقريب هو العدو، في تغيير دراماتيكي لمعان لطالما تربينا عليها لأجيال عديدة.

في أي اتفاقية سرية أو علنية يتم حذف آيات الجهاد من القرآن وتغيير قصص التاريخ أو مسحها؟ وكل ذلك يصب في مصلحة العدو ويبدو ولو كان جزءا من المجهود الحربي المعنوي لتخفيف العداء الشعبي ضد دولة الكيان.

في أي اتفاقية مكتوبة بالحبر السري تقوم قوات الدفاع الجوي بصد الصواريخ الإيرانية أو اليمنية المتجهة نحو العدو الذي قتل (حينها) ما يزيد عن 35 ألف نفس بريئة في غزة وما حولها؟

في أي اتفاقية مكتوبة أو غير مكتوبة تتحول قناة عربية بتمويل سعودي إلى منصة إطلاق الاتهامات والتخوين ضد الفلسطينيين وخصوصا المقاومة، ومنصة تبرير لجرائم العدو في فلسطين؟

في أي اتفاقية عربية أو عبرية نص على إعاقة عمل جامعة الدول العربية وعدم تفعيل قراراتها التي صدرت في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، والتي نص بعضها على التحرك لوقف العدوان وفتح المعابر والتحرك على مستوى المحاكم الدولية وإغاثة شعب فلسطين وإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967؟

في أي اتفاقية كُتبت باللغة العربية أو بما سواها يتم النص على تعويض العدو بالغذاء والدواء بسبب حصار أهل اليمن لسفن التمويل القادمة من كل صوب وحدب إلى دولة الكيان، بينما تمتنع تلك الدول عن دعم المحاصرين والمحاربين في غزة؟ لماذا تصدر مصر والأردن والإمارات الغذاء لدولة الكيان، بينما يُحرم أهل القطاع من كل شيء يبقيهم على قيد الحياة؟

وحتى اتفاقية المعابر التي وقعتها مصر مع الكيان الصهيوني بعد حسم حماس في 2007؛ لا تمنح الصهاينة أي سيطرة على معبر رفح تحديدا، فلماذا سمحت ولا تزال تسمح مصر للعدو بالسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر؟ ولماذا لا تلغي الاتفاقية؟ ولماذا لا تذهب إلى الأمم المتحدة؟
انقلبت الأمور وكشفت الحرب عن الحب المكنون في قلوب بعض الحكام العرب للصهاينة ودعمهم لهم بطريقة مفضوحة، ولولا الحرب لربما ظل هذا الحب طي الكتمان، وظلت الجماهير العربية غافلة أو مستغفلة ومقتنعة بخطابات الزعماء
ولماذا لا تذهب كما وعدت إلى محكمة الجنايات الدولية ومحمكة العدل الدولية، وتفعل كما فعلت دولة جنوب أفريقيا العظيمة التي لا تربطها حدود وليس بينها وبين فلسطين صلة رحم ولا دين ولا لغة ولا تاريخ ولا جغرافيا؟ السر في مقدمة هذا المقال.

انقلبت الأمور وكشفت الحرب عن الحب المكنون في قلوب بعض الحكام العرب للصهاينة ودعمهم لهم بطريقة مفضوحة، ولولا الحرب لربما ظل هذا الحب طي الكتمان، وظلت الجماهير العربية غافلة أو مستغفلة ومقتنعة بخطابات الزعماء وبما يستخدمونه من آيات وأحاديث نبوية عن الحب في الله والكره في الله.

كشفت الحرب عن عداء طائفة من مسلمي وعرب الجزيرة العربية وما حولها للجهاد في سبيل الله، وكشفت عن حب عميق للأعداء وود غير مسبوق لبني صهيون ما كان لنا لنكتشفه لولا هذه الحرب.

أخطر ما في هذه المرحلة التي نعيشها هو الفجور في خصومة الشعوب المسلمة، وفي إعلان الحرب على الشعوب المسلمة من قبل طائفة تزعم أنها مسلمة ومؤمنة بالله ورسوله وتدعي أنها حامية حمى المقدسات.. لم يترك لنا هؤلاء شيئا غامضا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، وصدق الله العظيم إذ قال في محكم التنزيل: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوْلِيَآءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُۥ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ"، وقوله تعالى: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ".
التعليقات (0)