قضايا وآراء

مؤشر الشريعة بالبورصة المصرية

أشرف دوابة
خضع اختيار الشركات لمجموعة من الضوابط الشرعية- جيتي
خضع اختيار الشركات لمجموعة من الضوابط الشرعية- جيتي
أعلنت البورصة المصرية في بيان صحفي لها عن إطلاق مؤشر الشريعة "EGX33 Sharıah Index"، وجاء في هذا البيان أن هذا المؤشر جاء لتلبية احتياجات قطاع عريض من المستثمرين محليا وإقليميا ودوليا، ويضم 33 شركة تتفق أنشطتها مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، وتمثل تلك الشركات 16 قطاعا من القطاعات المقيدة أوراق شركاتها في البورصة المصرية.

وقد خضع اختيار هذه الشركات لمجموعة من الضوابط الشرعية من أهمها: أن تكون أنشطة الشركة لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة، كما تتم مراعاة مجموعة من الضوابط الأخرى المتعلقة بنسبة إيرادات الأنشطة العرَضية للشركة إلى إجمالي إيراداتها، وأيضا نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي أصول الشركة، وكذلك نسبة قيمة الاستثمارات التي تحمل فؤائد إلى إجمالي أصول الشركة أو إلى متوسط القيمة السوقية للشركة، أيهما أكبر، بالإضافة إلى نسبة قيمة المبالغ المقترضة التي تحمل فوائد إلى إجمالي أصول الشركة أو إلى متوسط قيمة الشركة السوقية، أيهما أكبر.

هذه الخطوة تعد خطوة جيدة في البورصة المصرية وإن تأخرت كثيرا، لا سيما إذا تم الالتزام بالمعايير الشرعية الحاكمة لاختيار شركات المؤشر بصورة فيها شفافية وإفصاح كامل
كما تم اختيار شركات المؤشر من ضمن شركات مؤشر "EXG100"، بالإضافة للشركات التي لديها هيئة للرقابة الشرعية شريطة استيفائها لحد أدنى من معايير السهولة تقبله لجنة الرقابة الشرعية للمؤشر، وكذلك استيفائها لكافة المعايير النوعية المعمول بها في مؤشرات البورصات الأخرى، كما أن هذا المؤشر محدد الأوزان حيث تم وضع حد أقصى لوزن كل شركة داخل المؤشر مقداره 15 في المئة، وذلك تماشيا مع متطلبات أطراف السوق.

وهذه الخطوة تعد خطوة جيدة في البورصة المصرية وإن تأخرت كثيرا، لا سيما إذا تم الالتزام بالمعايير الشرعية الحاكمة لاختيار شركات المؤشر بصورة فيها شفافية وإفصاح كامل. وقد عرفت البورصات هذه النوعية من المؤشرات لأول مرة في التاسع من شباط/ فبراير 1999م، حينما تم إطلاق مؤشر داو جونز للسوق المالية الإسلامية في البحرين، وتجنب هذا المؤشر إدراج شركات الكحول والتبغ ولحم الخنزير، وأعمال الخدمات المالية التقليدية، كما استبعد شركات صناعة الأسلحة، إضافة إلى شركات الملاهي والقمار والكازينوهات والفنادق والموسيقى.

وقد جاءت فكرة هذه المؤشرات في ظل الرؤية الفقهية للتعامل مع أسهم الشركات بالبورصة، فهناك شركات غرضها الأساسي محرم كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجرة بها، فهذه الشركات محل النشاط فيها حرام ولا خلاف بين العلماء في حرمة التعامل في أسهمها، كالبنوك التقليدية وشركات التأمين التجاري والخمور ونحوها.

وهناك الشركات المباحة أو النقية التي محل النشاط فيها حلال ومعاملاتها في أمور مباحة، وخالية من كل الشوائب المحرمة، مثل شركات الاتجار في المواد الغذائية، أو صناعة السيارات، أو زراعة الحبوب، فأسهم هذه الشركات لا غبار عليها من الناحية الشرعية، حيث يدخل نشاطها في باب الطيبات التي أباحها الله عز وجل.

وما بين هذا وذاك توجد الشركات ذات النشاط الحلال والمعاملات المختلطة، فهذه الشركات محل نشاطها الأساسي حلال، ولكن قد تتعامل أحيانا بالمحرمات، كالتعامل بالربا أخذا بوضع سيولتها النقدية في البنوك التقليدية مقابل فائدة، أو عطاء من خلال الاقتراض من تلك البنوك بفائدة، ويطلق على هذه النوعية من الشركات: الشركات المختلطة. وقد اختلفت الرؤية الفقهية للتعامل في هذه الشركات، فحرم مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة وكذلك المجمع الفقهي الدولي في مكة الإسهام فيها، باعتبار أن الربا قليله وكثيره حرام، وأن هذا إعانة على الإثم، وهناك من الفقهاء من أباح الإسهام في هذه الشركات بضوابط تحول بين وصول المال الحرام للثلث باعتبار الثلث كثير، وذلك لعموم البلوى وصعوبة الاستغناء عنها لحاجة المسلمين العامة لها، مستندين في ذلك للعديد من القواعد الفقهية كقاعدة رفع الحرج، وقاعدة التبعية، وقواعد الكثرة والقلة والغلبة، وقاعدة ما لم يكن التحرز منه فهو عفو، وقاعدة العرف.
توجد حاجة عامة للتعامل في الشركات المختلطة يقدرها أهل الرأي والاختصاص من الشرعيين والاقتصاديين، وعدم النص في النظام الأساسي للشركة على التعامل بالمحرم في أنشطتها أو أغراضها، ووجوب إنكار المحرم والعمل على تغييره، ووجوب التخلص من الكسب الذي ينشأ عن المعاملات المحرمة في وجوه الخير، واستمرار مراعاة هذه الضوابط طوال فترة الإسهام أو التعامل

وقد تناولنا الرأيين السابقين بالتحليل الفقهي في كتابنا الاستثمار والمضاربة في الأسهم والسندات الذي نشر في العام 2008م، وتوصلنا فيه إلى أن لكل رأي حجته ودليله فيما بين التحريم والإباحة بضوابط، ومن الورع والاحتياط اجتناب المشتبه فيه، لذا فالراجح -والله أعلم- في أيامنا هذه بالنسبة للتعامل مع الشركات المختلطة القول بالكراهة، إلى أن تتوفر شركات نقية كافية وحينئذ لا يجوز التعامل فيها، لذا فينبغي التدرج في التحوط من خلال الالتزام بنوعين من الضوابط؛ أحدهما خاص والآخر عام، ولا يجوز بأي حال من الأحوال اختيار أسهم هذه الشركات في المؤشر الشرعي أو للمستثمر التعامل فيها إذا تخلف شرط من شروط تلك الضوابط، أو غلب على يقينه أنه لا يمكن تحقق بعضها أو كلها.

 ويمكن تلخيص الضوابط الخاصة بأن لا تزيد نسبة القروض إلى القيمة السوقية أو الدفترية لإجمالي أسهم الشركة، أيهما أقل، عن 30 في المئة، وكذلك لا تزيد نسبة العنصر الحرام (الاستثمار) إلى القيمة السوقية أو الدفترية لإجمالي أسهم الشركة، أيهما أقل، عن 30 في المئة، ولا تزيد نسبة المصروفات المحرمة إلى إجمالي مصروفات الشركة عن 5 في المئة، وكذلك لا تزيد نسبة الإيراد الناتج من عنصر محرم إلى إجمالي إيرادات الشركة عن 5 في المئة

أما الضوابط العامة فهي: أن توجد حاجة عامة للتعامل في الشركات المختلطة يقدرها أهل الرأي والاختصاص من الشرعيين والاقتصاديين، وعدم النص في النظام الأساسي للشركة على التعامل بالمحرم في أنشطتها أو أغراضها، ووجوب إنكار المحرم والعمل على تغييره، ووجوب التخلص من الكسب الذي ينشأ عن المعاملات المحرمة في وجوه الخير، واستمرار مراعاة هذه الضوابط طوال فترة الإسهام أو التعامل، فإذا اختل أي ضابط من هذه الضوابط سواء أكان خاصا أم عاما وجب عدم الركون للشركة سواء من حيث التعامل أو البقاء فيها أو اختيارها ضمن مكونات المؤشر الشرعي، والله تعالى أعلم.

x.com/drdawaba
التعليقات (0)