بعد مرور تسع سنوات على بدء إنشاء
العاصمة الإدارية الجديدة شرقي
القاهرة، والتي تكلفت أكثر من 50 مليار دولار، بهدف أن تكون مركزاً إدارياً وتجاريًا حديثاً يشمل أكبر مسجد وأطول برج وأكبر كنيسة في
مصر، لا تزال المدينة تعاني من عدم الإقبال السكاني، ما يثير تساؤلات حول جدوى هذا المشروع الضخم.
على الرغم من بناء العديد من المرافق الحكومية وإجبار الموظفين على الانتقال أو العمل في العاصمة الجديدة يوما أو يومين في الأسبوع، لا يزال عدد الأسر التي انتقلت للعيش هناك لا يتجاوز الألف أسرة. توفر الحكومة العديد من التسهيلات للموظفين لتشجيعهم على الانتقال، إلا أن المدينة لا تزال خالية بشكل كبير من السكان.
كشف رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة للتنمية العمرانية، المهندس خالد عباس إن عدد الأسر القاطنة حاليا في العاصمة الإدارية بلغ نحو ألف أسرة، في حين تستهدف الدولة استيعاب 7 ملايين نسمة في المرحلة الأولى فقط.
جولة واحدة بالسيارة يمكن الانتقال خلالها في جميع أنحاء العاصمة المفتوحة على مصراعيها دون حتى إشارات مرور أو كاميرات مراقبة أو رجال أمن بشكل كاف، ورغم حجم البنيان الكبير إلا أن حجم الفراغ بينه أكبر، ولا تزال الشوارع تخلو من نبض الناس ومن حرارة أنفسهم. وتفتقر إلى وجوه ونظرات الناس وهيئاتهم حتى تستشعر بالآخرين.
اظهار أخبار متعلقة
تكاليف المشروع وسيل الانتقادات
العاصمة الإدارية الجديدة، التي تمتد على مساحة تقدر بـ 714 كيلومترًا مربعًا، وتعادل مساحة دولة سنغافورة تم تصميمها لتكون نموذجا حضريًا متطورًا يضم كافة الوزارات والهيئات والبنوك الحكومية بالإضافة إلى مدن متنوعة مثل الرياضية والترفيهية والثقافية، مما أثار انتقادات واسعة بشأن إدارة الأموال العامة والديون الخارجية التي ترتبت على الدولة بسبب هذا المشروع.
تعالت الانتقادات حول التكلفة الباهظة للعاصمة الإدارية الجديدة، حيث يرى العديد أن الأموال التي تم إنفاقها على هذا المشروع كان يمكن أن تستثمر في تحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية في المدن الحالية. ويعتبر البعض أن المشروع يعمق من أزمة الديون الخارجية التي تواجهها مصر، ويشكل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الوطني.
مبان أكثر منها مدينة
على بعد 60 كيلو متر من القاهرة لا تزال العاصمة الإدارية الجديدة التي تحاول الحكومة مدها بكل أسباب الحياة بعيدة بشكل ملحوظ عن اهتمام الأسر المصرية في ظل وجود أحياء ومدن جديدة تكتظ بالحياة وتنشط فيها أساليب العيش والانتقال.
يقول أحد موظفي جهاز العاصمة الإدارية ويدعى المحاسب محمد. ع إن "الجهاز يستقبل كل يوم العشرات من المواطنين الذين يرغيون في استلام وحداتهم السكنية تمهيدا لتزويدهم بالخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والغاز، ولكن هذا لا يعني أنهم سوف يسكنون فيها وينتقلون للمكان".
وأضاف لـ"عربي21": أن "اكثر المشروعات التي تشهد بعض الاقبال هي التي تتولى الحكومة زمامها بسبب رغبتها في إنجاز اكبر عدد ممكن من الأحياء السكنية مثل الحي السكني والحي المالي فيما يواجه بعض المطورين مشاكل في التسليم بسبب أزمة الدولار ومواد البناء التي أجبرت الكثيرين على التأخير، ولكن الأمور تسير بشكل أبطأ".
اظهار أخبار متعلقة
الأمان والمخاطر
هناك مخاوف من الانتقال إلى بعض الأحياء الجديدة بسبب افتقارها للحماية الأمنية الكافية نظرا لقلة عدد السكان فيها أو عدم وجود سكان من الأساس.
يقول أحد المقاولين في مشروع سكني: "نعاني من سرقة بعض مواد البناء بشكل متكرر، نضطر لزيادة عدد الغفر ليلا ونهارا ولكنها تحدث من وقت لآخر، ولكنها ليست بالشكل الكبير، لكنها مزعجة وتكلف الشركة أموالا أخرى".
انتشرت في العاصمة الجديدة بعض حوادث إطلاق النار وانتشار للصوص، ما يزيد من المخاوف حول مستوى الأمان في المدينة.
تم توثيق بعض هذه الحوادث عبر فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيديو الذي يظهر مطاردة مسلحة لبعض اللصوص ليلا وتمكنوا من الفرار، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى تعزيز الأمن في هذه المنطقة.
التسهيلات الحكومية لـ"عاصمة فرعون"
لتشجيع الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، قدمت الحكومة مجموعة من التسهيلات للموظفين، بما في ذلك خيارات سكنية مدعومة وخدمات نقل ميسرة. إلا أن هذه التسهيلات لم تكن كافية لجذب عدد كبير من السكان، وما زالت المدينة تبدو كمدينة أشباح.
يقول محمد أيمن موظف حكومي في وزارة المالية: "أعمل في مبنى الوزارة بالقاهرة منذ أكثر من 15 عاما، وحاولت خلال السنوات الثلاث الماضية تجنب الانتقال للعاصمة بسبب بعدها عن مكان سكني في مدينة 6 أكتوبر والتي تبعد نحو 100 كيلومتر".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "في نهاية المطاف اضطررت للذهاب للعمل من هناك يومان في الأسبوع، ولكني لا أستطيع الانتقال بزوجتي وأولادي إلى هناك بسبب ارتباط الزوجة بعملها وامتلاكها لمعمل تحاليل، والتحاق الأولاد الثلاثة بمدارسهم التي اعتادوا عليها، يبدو الأمر يحتاج بعض الوقت، في تصوري ليس قبل 3 سنوات أو حتى 5 سنوات حتى نستطيع رؤية المدينة تتحرك".
اظهار أخبار متعلقة
الاجتماعات الحكومية والرئاسية
على الرغم من عقد بعض الاجتماعات الحكومية والرئاسية في العاصمة الإدارية الجديدة، فإن هذا لم يساهم في جذب المواطنين للانتقال إليها بشكل كبير. المدينة لا تزال بحاجة إلى مزيد من الخدمات والمرافق لتصبح جذابة للمواطنين.
تظل العاصمة الإدارية الجديدة مشروعاً طموحاً يحمل الكثير من الآمال لمستقبل مصر، إلا أن التحديات الكبيرة التي تواجهها، بدءاً من التكلفة الباهظة وحتى قلة الإقبال السكاني والمشكلات الأمنية، تثير تساؤلات جدية حول جدوى هذا المشروع.