في قرار تعجب منه المتابعون للشأن
المصري، صدر قرار
بتعيين الدكتور نظير عياد مفتيا للديار المصرية، خلفا للدكتور شوقي علّام الذي كان
السيسي مصرّا على استمراريته في المنصب، في ظل
تحديات بينه ومشيخة
الأزهر حول علام، في معارك ناعمة دارت بينه والأزهر.
فقد كان منصب المفتي ضمن مكتسبات ثورة يناير التي
انتفع بها شيخ الأزهر أحمد الطيب، فقد أعطته الثورة حق تشكيل هيئة كبار العلماء،
وهي الهيئة التي خُولت فقط بحق انتخاب شيخ الأزهر وحق انتخاب مفتي الديار المصرية،
ولكن في ظل سحب السيسي لصلاحيات كل جهة منتخبة، بعد أن ألغى انتخاب كل المناصب
لتتحول بالتعيين، ألغى هذا الحق لهيئة كبار العلماء، وجعل منصب المفتي بالتعيين لا
الانتخاب، فبدأ أولا بجعل دور الهيئة مجرد ترشيح ثلاثة أعضاء يختار من بينهم
السيسي المفتي، ثم بعد ذلك ألغى هذا الدور، وجعل الأمر محصورا له، فقام بالتمديد
لشوقي علام عاما بعد بلوغه سن المعاش القانوني، ثم مدد له عاما آخر، ثم جعل له
أحقية أن يجعله مفتيا مدى الحياة، أو حسبما يريد.
كان منصب المفتي ضمن مكتسبات ثورة يناير التي انتفع بها شيخ الأزهر أحمد الطيب، فقد أعطته الثورة حق تشكيل هيئة كبار العلماء، وهي الهيئة التي خُولت فقط بحق انتخاب شيخ الأزهر وحق انتخاب مفتي الديار المصرية، ولكن في ظل سحب السيسي لصلاحيات كل جهة منتخبة، بعد أن ألغى انتخاب كل المناصب لتتحول بالتعيين، ألغى هذا الحق لهيئة كبار العلماء، وجعل منصب المفتي بالتعيين لا الانتخاب
وكانت المؤسسة الدينية متحالفة مع السيسي، وبخاصة
وزارة الأوقاف والإفتاء، رغم أن وزير الأوقاف مختار جمعة والمفتي شوقي علام، كانا
من اختيار شيخ الأزهر، لكنهما انقلبا عليه، وتحالفا مع السيسي، وكانا يخصمان من
صلاحية الأزهر والمشيخة، وكان أكثرهما نكاية في المشيخة مختار جمعة.
فجأة وجدنا السيسي يطيح بمختار جمعة ويعين مستشاره
الديني أسامة الأزهري، وهو رغم ولائه الشديد للسلطة، لكن علاقته جيدة بالمشيخة، ثم
مؤخرا الإطاحة بشوقي علام، وتعيين نظير عياد، بناء على ترشيح شيخ الأزهر، وهو ما
يعطي دلالة مهمة، وهو: تصفير مشاكل بقية المؤسسات الدينية مع المشيخة، فالمفتي
باختيار شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف على وئام معه، وكان من أوائل من زارهم بعد
توليه الوزارة، فهل ذلك معناه: تصفير المشاكل مع الطيب والمشيخة؟ هذا ما يبدو من
المشهد.
لكن الاختيار هذه المرة كان لشخصية ليست ذات صلة
بالفتوى والإفتاء، فنظير عياد رجل كان أمينا عاما لمجمع البحوث، وتخصصه هو نفس
تخصص شيخ الأزهر: العقيدة والفلسفة الإسلامية، وكل مؤلفاته وبحوثه لا علاقة لها
بالفتوى، إلا رسالة بالاشتراك مع آخرين عن الزواج العرفي والسري، وهو ما يعيد إلى
الأذهان تولي شخصين آخرين من قبل، لم يكونا من أهل الشريعة والفتوى، أولهما: الشيخ
محمد سيد طنطاوي، وهو أستاذ تفسير، والآخر: أحمد الطيب، وهو أستاذ عقيدة وفلسفة
إسلامية.
وصدرت كتب وفتاوى بعد ذلك لطنطاوي والطيب، وذلك بحكم
تكوين الأزهري القديم، والذي كان يدرس مذهبا فقهيا بمراحله التي تعطي صورة كاملة
عن الفقه بأبوابه المختلفة، ثم هناك من يزداد تفصيلا، وهو ما نراه في أحمد الطيب، الذي
صدر له كتاب بعنوان: "من دفاتري القديمة"، تناول فيه سيرة حياته في
الأزهر طالبا، ثم بقية الكتاب هي فتاوى قديمة للرجل قبل توليه منصب الإفتاء، عندما
كان أستاذا بجامعة الأزهر، تدل على علاقة الرجل بالفتوى، من حيث صلته الأزهرية
كطالب أزهري.
وقد مرت على العلم شخصيات كان تخصصها الفلسفة
الإسلامية، ولكنها تحولت للشريعة وأثبتت جدارة كبرى، مثل الدكتور محمد يوسف موسى،
والدكتور محمد البهي، الذي صدر له كتاب فتاوى من أربعة أجزاء، فهل يفاجئنا نظير
عياد كما حدث مع هذه النماذج السابقة؟ هذا متروك للزمن، والأداء الإفتائي له في
منصبه الجديد.
كما أن دار الإفتاء الآن أصبحت تعمل عملا مؤسسيا،
والفضل في ذلك يرجع للدكتور علي جمعة، والذي سبقه إلى شيء من هذا الشيخ جاد الحق
علي جاد الحق حين كان مفتيا، لكن العمل الأبرز مؤسسيا قام به جمعة، وهو ما جعل
الفتوى تسير في سياق مؤسسي، بغض النظر عن الملاحظات التي تبدو على الفتاوى ذات
العلاقة بالسلطة والشأن العام.
فهل سيكون دور المفتي الجديد هو تسيير دار الإفتاء
بناء على ما تم بناؤه من مؤسسية؟ هذا مفهوم، لكن يظل هناك دور يقوم به المفتي، وهو
ما ستبرزه الأيام، فتاريخ المفتي الجديد علميا واضح من خلال تخصصه، ومواقفه
المتعلقة بقضايا الأمة مواقف ممتازة ومشرفة، وقد كتبنا مقالا من قبل عما قام به من
إصدار كتاب تحت عنوان: "الأزهر والقضية الفلسطينية"، في ثلاثة أجزاء، جمع فيها
مقالات وبحوثا لكبار علماء الإسلام الأزهريين، كلها مواقف قوية تدعم قضية فلسطين،
وقد كانت بمناسبة طوفان الأقصى، ودعم غزة.
من يتولون مثل هذه المناصب من علماء الأزهر، ليس مطلوبا منهم الصدام مع السلطة، لكن المطلوب عدم التفريط في الثوابت، والحفاظ على مؤسسة الفتوى، وعدم توظيفها في قضايا الإعدام أو التنكيل بالمواطنين بمؤسسات هي ملك للأمة والشعب
ومن المفهوم أن معظم من يتولون مثل هذه المناصب من
علماء الأزهر، ليس مطلوبا منهم الصدام مع السلطة، لكن المطلوب عدم التفريط في
الثوابت، والحفاظ على مؤسسة الفتوى، وعدم توظيفها في قضايا الإعدام أو التنكيل
بالمواطنين بمؤسسات هي ملك للأمة والشعب وليست ملكا للسلطة، فضلا عن أن تكون
كرباجا في يدها تجلد به الشعب باسم الدين!!
العجيب أن السوشيال ميديا تركت الحديث عن المفتي
الجديد علميا، والدلالات التي وراء هذا التعيين، وراحت تبحث في دلالات اسمه،
فاسمه: "نظير"، والاسم يطلق على المسلم والمسيحي في مصر، وقد كان اسم
البابا شنودة قبل دخوله العمل البابوي، أي اسمه العلماني: "نظير جيد"،
ولكن المفتي الجديد سُمي بذلك لأنه وحيد أبويه، ورزقا به في الكبر، فسموه نظيرا،
ولذا كان مشهورا بين زملاء دراسته وأصدقائه ببره الشديد بأبويه.
هناك فئة أيضا لم يعجبها اختيار المفتي الجديد، حيث إنه كان رئيسا لتحرير مجلة الأزهر، وكان يصدر معها بعض الكتب هدايا، كانت تعنى بالرد
على العلمانيين وأصحاب الشبهات المثارة ضد الإسلام، والرد على الإلحاد، وشبهات
المبشرين والمنصرين، ومثل هذا السلوك أثارهم من قبل ضد الدكتور محمد عمارة، وقت
رئاسته لتحرير المجلة، فلما خلفه نظير عياد قام بنفس الدور، فأصابه حنق الكارهين
لهذا الخط.
[email protected]