ازدادت بعد الحرب على غزة ضراوة حملات تشويه المقاومة عامة وحركة المقاومة الإسلامية (
حماس) خصوصا بسبب علاقتها مع
إيران، وهو ما يتم توظيفه،
واتخاذه ذريعة للطعن في المقاومة ومهاجمتها، واتهامها بأنها باتت أداة بأيدي إيران
تحركها لخدمة مشروعها، وتنفيذ أجندتها في المنطقة، لا سيما من متضرري التدخل
الإيراني المباشر في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وعلى الرغم من توضيح قيادات المقاومة وحركة حماس ورموزها
طبيعة تلك العلاقة، وأنها محصورة في الملف
الفلسطيني، والتأكيد على أن المقاومة الفلسطينية و(حماس) تنأى
بنفسها عن التدخل في أي ملف إقليمي، وأنها أقدمت على التعاون مع إيران بعد أن
خذلها النظام الرسمي العربي، وأوصد الأبواب في وجهها إلا أن مهاجميها لا يكفون عن
مهاجمتها على خلفية ذلك، محذرين من مخاطر تجميل صورة إيران التي تلطخت بالدماء بعد
تدخلها العسكري في عواصم عربية عديدة، عبر تقديمها كداعم للمقاومة الإسلامية في
غزة.
وفي غمرة الجدل المحتدم بشأن تلك العلاقة،
ثمة من يدعو إلى فك الارتباط بين مختلف الملفات الإقليمية في المنطقة، فكما يحق
للسوري والعراقي واليمني (وكل من تضرر من التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية)
التنديد بالسياسات الإيرانية واستنكارها، فيحق كذلك للفلسطيني الثناء على جزئية
الموقف الإيراني الداعم للمقاومة في فلسطين، والإشادة به، دون أن يترتب على ذلك
أدنى مباركة أو تأييد للسياسات الإيرانية التوسعية في المنطقة.
ووفقا لأستاذ العلوم السياسية في الجامعات
الأردنية، الدكتور أحمد البرصان فإن "حركة حماس والجهاد الإسلامي هما حركات
تحرر وطني، تتفق مع القانون الدولي في حق مقاومة الاحتلال، وكل منهما حريصة على
عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وغيرها، وهذه حقيقة واضحة لا جدال
فيها".
د. أحمد البرصان أستاذ العلوم السياسية في
الجامعات الأردنية
وأضاف: "وهما كحركة تحرر وطني يحق لهما
طلب المساعدة من أية جهة أو منظمة دولية، ومن المعروف أن إيران قدمت الدعم المالي
والسلاح والتدريب، وهي كما يقول قادة حماس والجهاد الإسلامي تقدم المساعدات بلا
شروط، لكن لها مصالح دينية وسياسية من وراء ذلك، وحركة حماس والجهاد كحركات تحرر
تقبل بالدعم شأنها شأن حركات التحرر في العالم كله".
وردا على سؤال
"عربي21" بشأن
ازدياد حملة الاتهامات للمقاومة، ومحاولة زجها في الصراع السياسي في المنطقة، قال
البرصان: "أغلب الدول السنية لا تقدم الدعم لحماس والجهاد بسبب الضغوط
الغربية، ولذلك تلجأ الأنظمة لتشويه حماس كمبرر لعدم دعمها بسبب علاقتها بإيران،
وعادة ما يُجند المداخلة وغيرهم من الأقلام بالهجوم عليها، علما بأن الدول التي
تجند الذباب الالكتروني لها
علاقات دبلوماسية واقتصادية مع إيران، وبعضها مطبع مع
إسرائيل".
وتابع: "فالدول العربية تبحث عن مخرج
لها أمام الرأي العام العربي، وأمام شعوبها، تبرر فيه عدم دعمها للمقاومة بسبب
قربها من إيران، لكن الحقيقة الواضحة أنها تمتنع عن ذلك بسبب الضغط الأمريكي،
واتفاقيات التطبيع، مع أن قادة حماس والجهاد أعلنوا أنهم يقبلون بأي مساعدة من أية
دولة عربية، وأنهما على أتم استعداد لقبول دعوات الدول لفتح مكاتب لها إذا سمحت
تلك الدول بذلك، لكن الدول توظف الذباب لتشويه حماس والجهاد للهروب من مسؤولية
الدعم والمساعدة" على حد قوله.
من جهته لفت الباحث المغربي في الاجتماع
السياسي، الدكتور كريم أزماني مطر إلى أن "الحديث عن علاقة حماس بإيران ليس
جديدا، وفي كل مرة يقع فيها اصطدام في المنطقة بين المقاومة الفلسطينية والكيان
الصهيوني إلا ويطفو سؤال إيران وعلاقتها بإدارة الصراع في فلسطين، لكن السؤال هذه
المرة يكتسي طابعا خاصا وفق ظروف إقليمية ودولية استثنائية وغير مسبوقة".
وأضاف: "فطوفان الأقصى الذي بادرت به
حماس عبر جناحها العسكري كتائب القسام قد جلى بما لا يدع مجالا للشك أن الشأن
الفلسطيني الداخلي خصوصا العسكري منه يتمتع باستقلالية تامة عن كل الفاعلين
السياسيين في المنطقة بما في ذلك إيران حيث أن توقيت الهجوم وخطة تنفيذه لم يكن
لأحد خبر به حتى من باقي فصائل المقاومة في الداخل الفلسطيني بل خارجه".
د. كريم أزماني مطر باحث مغربي في الاجتماع
السياسي
وعن طبيعة العلاقة بين حماس وإيران أوضح
الباحث المغربي مطر في تصريحاته لـ"عربي21" أنها "لا تعدو أن تكون
علاقة اجتمعت فيها المصالح المشتركة التي تعتبر قاعدة بديهية في العلاقات الدولية
حيث تقول القاعدة: لا يوجد صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، وإنما توجد مصالح دائمة،
وحماس وإيران تمكنتا من تطوير هذه العلاقة، وتوسيع دائرة هذه المصالح بعيدا عن
المعطى الطائفي أو الصراع الإقليمي في المنطقة".
وأردف: "وهذه العلاقة تحكمها مجموعة من
الإكراهات التي فرضت على المقاومة من ضمنها الحصار المفروض على القطاع لأكثر من 18
سنة، وخذلان معظم الأنظمة العربية بما في ذلك دول الجوار لخيار المقاومة، بل
محاولة التصفيق للبدائل المتخاذلة التي تقدم فلسطين على طبق من ذهب للكيان
الصهيوني، كل هذه الظروف جعلت من إيران خيارا مهما للمقاومة من أجل الاستمرار
والتطور، رغم كل ظروف الحصار السياسي والدبلوماسي الذي مارسه المجتمع الدولي على
حماس، بعد أن أعلنها منظمة إرهابية..".
وفي مناقشته للذين يحذرون من علاقة حماس
بإيران وتداعياتها على مسار الأحداث واستقلالية المقاومة، قال مطر: "هل لنا أن
نتخيل الوضع لو أن المقاومة رفضت إقامة علاقة بإيران، ولم تقبل الدعم منها؟ ما
يشير إلى أن الحديث عن قبول دعم إيران للمقاومة ليس حديثا عن خيار تحسيني يمكن
الاستغناء عنه، إنما الحديث هنا عن خيار وجودي يؤثر مباشرة على استمرارية المقاومة
من عدمها".
وأكمل فكرته بتوضيح مدى انعكاس التعاون
والتنسيق بين إيران والمقاومة على استقلالية قرارات الأخيرة بأن "الطرفين
يعلمان جيدا أنهما على جبهة واحدة أمام مصالح القوى العالمية، وكل منهما يشكل سندا
وظهرا للآخر، فاستمرار إيران في دعم المقاومة من شأنه أن يضعف وكيل أمريكا في
المنطقة.. وحين نتحدث عن دعم إيران للمقاومة فهو ليس عملا خيريا بالطبع، لا تجني
منه إيران شيئا.. وفي المقابل فإن المقاومة تستفيد من الدعم العسكري تدريبا
وتسليحا وتمويلا وهو خيار وجودي لا مجال فيه للمفاضلة مع خيارات أخرى..".
وفي ذات الإطار أشار الباحث المصري، المتخصص
في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي إلى أن "علاقة المقاومة الفلسطينية بالدولة
الإيرانية كانت هي الثغرة التي نفذت منها القوى المناوئة للمقاومة لتشويهها وإضعاف
شعبيتها وجماهيريتها، إذ لم تزل الجراح التي سببتها إيران في جسد الأمة العربية
تنزف دما، وهو ما جعل قطاعات شعبية عربية تنظر بعين الريبة لهذه العلاقة، وهم
محقون في ذلك فالدم الفلسطيني ليس أغلى من السوري أو العراقي أو غيره من بقية
الدماء العربية".
وواصل حديثه لـ
"عربي21" بالقول: "وأمام هذه العلاقة تباينت المواقف من المقاومة، فمنهم من دعمها وأيدها بغض
النظر عن علاقاتها بإيران، فللمقاومة في مواجهتها للعدو أن تفعل ما تشاء وتتلقى
الدعم من أية جهة، بل إن قطاعا من هذا الفريق يرى في إيران نصيرا حقيقيا لا يمكن
التفريط به، في حين أن فريقا آخر يرى أنه لا بد من دعم المقاومة مع التحفظ على
علاقتها بإيران غير أن الظرف لا يسمح بالتركيز على التعبير عن هذا التحفظ حتى تهدأ
الأوضاع".
أما الفريق الثالث، تابع الهتيمي "فهو
الذي لم يتمالك مشاعره الناقمة على إيران وسياساتها، ورفض رفضا قاطعا علاقة
المقاومة الفلسطينية بإيران، ومن ثم انسحب موقفه من إيران على المقاومة وهو موقف
لم يراعِ المأزق الذي تعيشه المقاومة من التخلي العربي، وضعف القدرات، وهذا ما
دفعها إلى قبول الدعم الإيراني".
أسامة الهتيمي باحث مصري متخصص في الشأن
الإيراني
وأردف: "ولعل ما سبق أن تعرضت له
المقاومة من اختبار يؤكد أن المقاومة واعية بدرجة كبيرة لإمكانية التوظيف الإيراني
لها إذ رفضت كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي عام 2012 الاصطفاف مع الرئيس
السوري بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية وهو ما كان سببا في توتر العلاقة بين
الحركتين وكل من سوريا وإيران، وهو التوتر الذي أسفر عن نقل إقامة قيادات الحركة
من دمشق إلى قطر، ما يعني أن المقاومة تميز بين التعاون مع إيران فيما يخص الملف
الفلسطيني والتعاون معها في ملفات أخرى".
واستدرك: "لكننا في المقابل لا يمكننا
أن نفترض السذاجة الإيرانية، فإذا كانت المقاومة نجحت في عدم قبول توظيفها إلا أن
إيران لا تمل من استغلال الدعم المقدم للمقاومة في تبييض وجهها، والظهور وكأنها
تقود بالفعل محور المقاومة والصمود وهو ما يساهم بشكل أو بآخر في إعادة تقديمها
بشكل أفضل، مراهنة في ذلك على ضعف الذاكرة لدى البعض".
وأنهى الهتيمي كلامه بالتخوف من "أن
تتشكل رؤى سلبية حول المقاومة انطلاقا من دوافع سياسية كما لدى السوريين أو
العراقيين مثلا، والذين ذاقوا الويل في إيران أو انطلاقا من دوافع عقدية تتعلق
بالوعي بمخطط التشيع الإيراني الذي يساهم تعاون المقاومة مع إيران في تحقيقه،
وكلاهما يصب بطبيعة الحال في صالح العدو الصهيوني الأمر الذي يلزم المقاومة
ومناصريها ببذل كل ما يمكن من جهد للتوعية بخطورة مثل هذه الرؤية والكشف عن
الحيثيات والملابسات لإقامة مثل هذه العلاقة".