منذ الآن بدأت بعض المقالات تطل
برأسها لتنتقد
المقاومة، بأنها لم تحسب موازين القوى، التي لا تسمح للشعب
الفلسطيني سوى بالانكفاء عن المقاومة، وجعل أولويته واستراتيجيته هما السعي للبقاء،
بل المحافظة على مجرد البقاء على الأرض.
على كل من يتناول موضوع تقويم الحرب
الدائرة في قطاع غزة والضفة الغربية، أن يُخرج استراتيجية
الإبادة التي مورست
وتمارس في قطاع غزة من حسابات الصراع والحرب، كما إذا ما انتقلت أو توسّعت لتشمل
الضفة الغربية، وحتى مناطق 48 لاحقا.
وبهذا يرتكب خطيئة كل من يعدّها جزءا
من الحرب بين المقاومة والجيش الصهيوني، وذلك لأن حرب الإبادة ليست حربا، ولا تدخل
ضمن حسابات موازين القوى، ولا يمكن جعلها وراء الباب بانتظار أيّة مقاومة حنى تقرر
قيادة الكيان الصهيوني بأن الردّ بالإبادة الشاملة هو الجواب، وبهذا يصبح بقاء
الاحتلال "أبديا" أو إلى ما شاء له أن يبقى.
حرب الإبادة ليست حربا، ولا تدخل ضمن حسابات موازين القوى، ولا يمكن جعلها وراء الباب بانتظار أيّة مقاومة حنى تقرر قيادة الكيان الصهيوني بأن الردّ بالإبادة الشاملة هو الجواب، وبهذا يصبح بقاء الاحتلال "أبديا" أو إلى ما شاء له أن يبقى
من لا يُخرج الإبادة من الحساب في
الصراعات العالمية، أو الإقليمية حتى حين تصل إلى الحرب، يحوّل الحروب وتلك
الصراعات إلى الخضوع المطلق للغزو والاحتلال، وحتى تغيير الجغرافيا والديمغرافيا
(بتهجير السكان أو إبادتهم).
لهذا فإن الإبادة، كما نشهدها في
قطاع غزة، لم تحدث في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، بالرغم من أن المشروع
الصهيوني هو عنصري واقتلاعي واستيطاني واحتلالي، أي يتضمن ارتكاب جريمة الإبادة.
ومع ذلك مارسها في حرب "النكبة" 1948، بالسر وعلى نطاق جزئي، بقتل
العشرات لتهجير أهالي القرية التي يُراد اقتلاع أهلها. وقد أنكر ذلك وأخفاه، ولم
يخرج بعضه إلى العلن إلا بعد مضيّ حوالي الثلاثين عاما.
أما أن ترتكب حرب إبادة، كما هو حاصل
في قطاع غزة، فخروج من كل حساب، ومن كل عُرف، أو قوانين حرب، أو قِيَم إنسانية،
الأمر الذي وضع أمريكا ودول الغرب، بل الحضارة الغربية المعاصرة في قفص الاتهام،
بسبب عدم تحركها لوقف جريمة الإبادة التي وقعت وما زالت ماضية في قطاع غزة.
من هنا لا يحق
لتلك الأصوات أن تنحو باللوم على المقاومة بسبب تلك الإبادة، وتصل إلى حد إسقاط
استراتيجية المقاومة المسلحة من الحساب، وطبعا كل مقاومة، إذا قرر قادة الكيان
الصهيوني اللجوء إلى الإبادة ردا عليها.
مناهضة الإبادة لا تكون بنقد المقاومة، والدعوة بأن تحصر أولوية الشعب الفلسطيني، بأولوية البقاء حتى تحت أحذية سياسات الاقتلاع والتهجير و"الأبارتايد" والجرائم
إن الموقف الصحيح والمشروع والمحق،
هو الدفاع بقوّة عن المقاومة، وعلى التحديد عن طوفان الأقصى، وما بعده من حرب
بريّة، وذلك لكونه من الحق الذي يقرّره القانون الدولي، والأعراف الدولية، فضلا عن
المراجع الدينية والأخلاقية والقِيَم العليا.
إن مناهضة الإبادة لا تكون بنقد
المقاومة، والدعوة بأن تحصر أولوية الشعب الفلسطيني، بأولوية البقاء حتى تحت أحذية
سياسات الاقتلاع والتهجير و"الأبارتايد" والجرائم، وإن من يقول هذا، أو
ما يشبهه، أكرم له أن يسكت.
إذ يجب أن يبقى حق مقاومة الغزو
والاحتلال، مقدسا وحاضرا، وليس فقط مشروعا ومسلّما به في القانون الدولي. ويجب أن
يبقى جرم الإبادة قائما بذاته، ومُدانا، لا أن تحمّل المقاومة مسؤولية عنه.
فمن دون المقاومة الفلسطينية، والدعم
العربي والإسلامي المقاوم، والعالمي الضميري، يحقق المشروع الصهيوني أهدافه كاملة:
تهويد كل فلسطين، وتهجير شعبها.