اللقاء الذي تم يوم الأربعاء الرابع من
سبتمبر بين
السيسي وأردوغان في أنقرة، بعد زيارة
أردوغان للقاهرة منذ عدة أشهر،
جاء رد السيسي بالزيارة، بعد تأجيل سابق، اختلفت وجهات النظر حول أسباب التأجيل،
بعد فترة طويلة كانت فيها وجهة الطرفين بعيدة بعد ما بين المشرقين والمغربين، بل
دخلت المنصات الإعلامية السيساوية طرفا في الموضوع، سواء على مستوى الخلاف التركي،
أو القطري، قبل تصفير الخلافات، وإنهائها.
وراجعت الأطراف المختلفة سواء خليجيا أو
مصريا وتركيا المواقف، للوصول لهذه المحطة، ولا يتمنى أحد وجود صراع بين الدول أو
الشعوب العربية والإسلامية، خاصة لو نتج عن أي تقارب سياسي مصالح للشعوب، ولا يكون
على حساب حقوقها، أو تقوية سلطة على شعبها، وتجبرها على المواطنين.
ومن يراجع مواقف الأطراف المختلفة، سيجد
مثلا رجوع تركيا لسياستها القديمة، وهي تصفير المشاكل، وقد كانت وجهة النظر وقت
الانقلاب العسكري في مصر موضع خلاف داخل الإدارة التركية، كان رأي أردوغان رئيس
وزراء تركيا آنذاك، عدم القبول بالانقلاب، بل ومواجهته بكل ما لديهم من وسائل
مشروعة دوليا وإقليميا، وكان وجهة نظر عبد الله غول الرئيس التركي آنذاك، عدم
الدخول طرفا في هذا النزاع، وتلعب تركيا دور الوسيط بين الإسلاميين والعسكر في
مصر، وترجح موقف أردوغان بحكم التجارب التي عانوا منها مع الانقلابات العسكرية في
تركيا.
لست هنا أسوق هذه اللمحة التاريخية لأناقش
الموضوع من هذه الزاوية، بل لنخرج من سياق السياسيين إلى سياق الدعوة وأهلها، فإذا
كانت الخصومة التي بلغت أوجها بين أردوغان والسيسي، وبين قطر والسيسي، قد انتهت
لوجود مصالح مشتركة، لا ينكر أحد عليهم الذهاب إليها، فالسياسة لا ثابت فيها، وعدو
الأمس من الوارد جدا أن يكون صديق اليوم، ما دامت المصالح تأتي مع صداقته.
أليس في ذلك الدرس البليغ والمهم للإخوان
بكل فصائلها المختلفة والمتنازعة، في تجاوز ما بينها من صراع وخلاف، وهم أبناء
مدرسة واحدة، وهدفهم واحد، ونزاعهم على جماعة ودعوة واحدة؟! ألم يئن الأوان لتعلم
الدرس من واقعهم، ومن ممارسات حلفائهم، بل ممارسات فروع للجماعة في بلدان أخرى؟!
إذا كانت الجماعة لا تملك حيلة لفك أسر المعتقلين، ولا لحل مشكلتها السياسية محليا وإقليميا ودوليا، فالملف الوحيد الذي تملك الجماعة التصرف فيه بكل أطرافها هو: المصالحة الداخلية، ولم شمل الجماعة، وإيقاف هذا النزيف الداخلي الذي سيودي بها إلى نهايتها، إن لم يتداركه العقلاء.
والعجيب أن
الإخوان بكل خلافاتها وفروعها
المختلفة، تفهمت موقف أردوغان في تركيا وقطر كذلك، في عودة علاقتهما بالسيسي، ولم
يبد منهم أي مواقف معترضة، بل قدروا حرص هذه الدول والأنظمة على مصلحتها، سواء من
حيث علاقتها بالسيسي، أو بالدول الخليجية التي دعمت الانقلاب العسكري عليهم في
مصر، بينما لا نجد هذا التفهم، ولا هذا الإعذار بين الإخوان سواء في خلافاتها، أو
في رأب الصدع فيما بينهم.
الملاحظة الثانية: أننا لاحظنا أن منصات
الإخوان المصريين جميعا، وبخاصة الموجودة في تركيا، خلت من أي نقد لهذه الخطوة، بل
من أي تعليق على الحدث، ولا نجد استثناء واحدا في ذلك، الكل تجنب إحراج تركيا لتمر
الزيارة بسلام، وهو شعور طيب يحمد لهم.
لكن سيكون الشعور أطيب وأفضل، لو امتد الخط
على استقامته، فقاموا أيضا بتجنب السجال فيما بينهم، وترك كل من يعمل وفق قاعدة:
نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، وليس تصيد كل طرف
للآخر، لا أعني هنا موقفا محددا، بل أعني سياسة عامة على جميع الأطراف تبنيها،
فإما أن يتم توحيد الصف الإخواني جميعا، وهذا أوانه، أو الحل الوسط: التنسيق في
مجالات العمل، بدل التراشق، أو التربص، فإن لم يستطيعوا الأولى أو الثانية، فعلى
الأقل، وجود مساحة من الصمت عن الأطراف الأخرى، وتركها وما تعمل، وكف الألسن
والأقلام عن بعضهم بعضا.
لأننا رأينا أن المصلحة اقتضت الصمت لأجل
مصلحة دولة مضيفة، حتى لو حمل بعضهم جنسيتها، فهو يتعامل بهذه الروح، أليس الأولى
تطبيق ذلك داخل الإخوان نفسها؟ وأليس الأجدر الآن والأهم تحرك مجموعة من أهل العلم
والدعوة والوجاهة المجتمعية، لرأب هذا الصدع، فإذا كانت الجهات التي كان بينها ما
صنع الحداد، قد عادت لترتيب أوراقها، لأن مصلحتها في تصفير المشاكل مع الآخرين،
أليس الأولى أن يصفر الإخوان مشاكلهم الداخلية،؟ ليتفرغوا لتصفير مشاكلهم مع
الآخرين؟!
لا أريد توجيه خطابي لدائرة النظام من
إعلاميين وسياسيين، فهؤلاء ليس لهم رأي، لأن النظام لو غير رأيه بعد ساعة، سيسبحون
بحمده مهللين، ومرحبين بموقفه سواء مع الإخوان أو المعارضة، لكن الخطاب هنا لا بد
أن نوجهه جميعا للإخوان بأطرافها المتنازعة، فإذا كانت الجماعة لا تملك حيلة لفك
أسر المعتقلين، ولا لحل مشكلتها السياسية محليا وإقليميا ودوليا، فالملف الوحيد
الذي تملك الجماعة التصرف فيه بكل أطرافها هو: المصالحة الداخلية، ولم شمل
الجماعة، وإيقاف هذا النزيف الداخلي الذي سيودي بها إلى نهايتها، إن لم يتداركه
العقلاء.
[email protected]