كتب

"السياسة والإدارة في الإسلام" بين النظرية والتطبيق.. قراءة في كتاب (1من2)

معظم الجمهوريّات اليوم لا تشترط لرئيس وزرائها أو لرئيس دولتها أن توجد فيه أوصاف منضبطة من العلم والعدالة بعكس الإسلام الذي يشدّد في شروط تولية رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء ليرجع ذلك بالخير على الناس في الدنيا والآخرة.
معظم الجمهوريّات اليوم لا تشترط لرئيس وزرائها أو لرئيس دولتها أن توجد فيه أوصاف منضبطة من العلم والعدالة بعكس الإسلام الذي يشدّد في شروط تولية رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء ليرجع ذلك بالخير على الناس في الدنيا والآخرة.
هذا الكتاب له خصوصية فريدة لأن كاتبه من العلماء العاملين، الذين تخلصوا من عقدة النقص والهزيمة أمام منظومة الحكم الغربي، في السياسة والاقتصاد والقوانين والتشريعات، فهو ينتمي إلى الشعب الأفغاني العزيز الذي هزم الإمبراطوريات الثلاثة، البريطانية، والاتحاد السوفييتي سابقاً، وأمريكا وحلف الناتو لاحقاً.

وكانت تعاليم الإسلام وعقيدته السمحاء حاضرة في هذه الملاحم العظيمة التي سطرها الأفغان في القرنين الماضيين.

ولأول مرة في التاريخ الحديث تصل حركة مقاومة إسلامية بعد تحرير بلادها من الغزاة إلى سدّة الحكم وتعلن عن برنامجها في تطبيق الشريعة الإسلامية على هدى القرآن الكريم والسنة النبوية الغرّاء، ومنهج الخلفاء الراشدين، فيأتي هذا الكتاب ليبيّن رؤية سياسية إدارية في نظم الحكم في الإسلام، تعب على إخراجه عالم جليل، ومحقق نبيل، صاحب الوقار، الحريص على العلم والمعرفة الصحيحة، وإعزاز دين الله عز وجل في هذه البسيطة.

والشيخ عبد الباقي يقدم نموذجاً حيّاً من الدراسة العميقة المستندة على أصول وقواعد وتجارب في تأصيل ضوابط الإدارة وتشكيل الحكومة، وأنّها جزء لا يتجزّأ من الإسلام الذي هو دين كامل وشامل، يتكفّل بجميع قضايا ومعاملات الناس أينما وجدوا وحيثما كانوا في كل زمان ومكان؛ لأنه الدّين الذي اختاره الله لسعادة البشرية، قال تعالى: ﴿‌إِنَّ ‌الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]. وقال تعالى: ﴿‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].

رأس العملية السياسية هو الحكم والتشريع، وأنهما جزء من إيمان المؤمنين. فالعمل السياسي، نبع في الإسلام من أصل عميق مكين؛ من الإيمان ذاته. والعمل السياسي عنصر أساسي في مفهوم العبادة في الإسلام.
وبدأ الدكتور كتابه بالباب الأول، وقدّم له بتمهيد عن (الخلافة والسياسة الإسلامية) وتحدّث عن جوهر العقيدة الإسلامية: (لا إله إلا الله)، وبيّن أن من خصائص الألوهية الحكم والتشريع، وأن القرآن منذ العهد المكّي، ومن قبل أن تقوم دولة الإسلام أكّد على أن الحكم لله وحده: ﴿إِنِ ‌الْحُكْمُ ‌إِلَّا ‌لِلَّهِ﴾ [الأنعام: 57]. ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ‌فَحُكْمُهُ ‌إِلَى ‌اللَّهِ﴾ [الشورى: 10].

وأنَّ رأس العملية السياسية هو الحكم والتشريع، وأنهما جزء من إيمان المؤمنين. فالعمل السياسي، نبع في الإسلام من أصل عميق مكين؛ من الإيمان ذاته. والعمل السياسي عنصر أساسي في مفهوم العبادة في الإسلام.

وكأنَّ الشيخ عبد الباقي يقول لقرائه بأنّ منصب الرئيس أو الأمير من المناصب التي تكون ممارستها وفق شرع الله التي تحقق مفهوم العبادة. وكذلك مجالس الشورى، والوزارة، ومؤسسات الدولة السيادية والمساندة؛ لأنها جميعها وظيفتها المحافظة على ديانة الناس وعقولهم، وأموالهم، ودمائهم، وأعراضهم، وأمنهم، وأرزاقهم.. إلخ. وهذا من صميم شرع الله (عزّ وجل).

وتكلّم الشيخ عبد الباقي حقاني عن الحضارة الماديّة فبيّن أنّها تقوم على: فراغ عقائدي بعيدة عن القيم الإنسانيّة عادة.

ووضّح أنّ الرسول محمّد ﷺ أوّل ما أرساه؛ هو الكيان العقائدي والروحي والأخلاقي بأركانه قبل أن يضع أيّ نظام سياسي، أو يقوم بأيّ إنجاز ماديّ في شؤون المال والاقتصاد والحكم، فكانت دولته (فكريّة) تقوم على القيم والمثل والعقائد والأخلاق، والفضائل، فضلاً عن مبادئها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وأنّ تلك الكيانات مترابطة ترابطاً عضوياً، ولا يمكن للدولة أن تحقّق غايتها القصوى المرسومة إلّا بقيامها جميعاً وبذلك امتازت الدولة في الإسلام عن سائر الدول في نظمها السياسيّة.

وفي الفصل الأوّل من الباب الأوّل: تحدّث عن خلافة الإنسان على وجه الأرض، وعن مفهومها في اللغة والاصطلاح، واعتبرت الخلافة: مصطلح سياسي، يدلّ على نظام الحكم الذي جاء به الإسلام، وقامت عليه الدولة الإسلاميّة التي أسّسها رسول الله محمّد ثمّ خلفه على الحكم الخلفاء الراشدون ونقل مجموعة من التعريفات على مصطلح (الخلافة) من علماء السياسة الشرعيّة، وأشار للكلمات المترادفة للخليفة، أو ما يسمّى بألقاب رئيس الدولة الإسلاميّة، كخليفة، أو أمير المؤمنين، أو إمام وجميعها تطلق ويُقصد بها رئيس الدولة وتوسّع في التعريف بهذه الألقاب، وقارن بين الخلافة والملك وبين الخليفة والـمَلِك.

وفي الفصل الثاني تحدّث عن (السياسة الشرعيّة) وتعريفات العلماء لها. وذكر المصطلحات السياسيّة في القرآن، مفسّراً لها وموضّحاً للقرّاء كالـمَلِك، والسلطان والحكم، والدولة والخليفة، والإمام وكذلك أشار إلى المفاهيم السياسية في القرآن، كالعدل في الحكم، وطاعة الحاكم، والمساواة، وكرامة الإنسان، وحرّيته، وحق المعارضة، والبيعة، والإنسان مأخوذ بجريرته والعقوبة بقدر الجريمة، والتعاون على البرّ والتقوى، والوفاء بالعهد، والحرج مرفوع، وتكلّم عن وظائف الأمّة في القرآن، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقتال لرفع الظلم والحكم بالقسط والعدل، وعن وضع الأقلّيات غير المسلمة والعلاقات الدوليّة، وعن طريقة القرآن في بيان الأحكام السياسيّة والتي تتميّز بالإجمال في بيان الأحكام وإرساء القواعد الكليّة والأسس العامّة دون الدخول في التفاصيل والجزئيّات ليكون ذلك عاملاً من عوامل السعة والمرونة التي تقتضيها الحاجات المستجدّة والنوازل الحادثة ومن طريقة القرآن في بيان الأحكام السياسيّة اقتران هذه الأحكام بالحكمة التشريعيّة والمصلحة التي تتحقّق بها، وهذا يؤكّد شموليّة الإسلام وتجاوز حدود الزمان والمكان.

وتحدّث عن السياسة في كتب الحديث وعند الفقهاء، وقدّم خلاصة التصوّر الإسلامي للسياسة بقوله: بأنّها رعاية شؤون الأمّة على الأصعدة كافّة، فمن السياسة رعاية الجانب الإعلامي والجانب الاقتصادي والصحّي، إضافة إلى ما يتعلّق بشؤون الحكم وسلطاته التشريعيّة والتنفيذيّة والعلاقات الداخليّة والخارجيّة، وعرّج على السياسة في النظم الوضعيّة، وعن أقسامها:

ـ باعتبار الذات: عادلة وظالمة.
ـ باعتبار الواضع: عقليّة ودينيّة.
ـ باعتبار السائس: على أنواع، وبيّن أنواعها.
ـ الوعّاظ وحكمهم على بواقي العوام.
ـ باعتبار المرجعيّة وبيّن أنواعها وما يجوز منها، وما يمنعه الشرع.

ح أنّ الرسول محمّد ﷺ أوّل ما أرساه؛ هو الكيان العقائدي والروحي والأخلاقي بأركانه قبل أن يضع أيّ نظام سياسي، أو يقوم بأيّ إنجاز ماديّ في شؤون المال والاقتصاد والحكم، فكانت دولته (فكريّة) تقوم على القيم والمثل والعقائد والأخلاق، والفضائل، فضلاً عن مبادئها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة
تحدّث عن التلازم بين الشريعة والسياسة في ضوء القرآن الكريم، وذكر القواعد والمبادئ الأساسيّة التي يقوم عليها التصوّر القرآني للسياسة الراشدة، والحكومة العادلة:

ـ كالحاكمية لله تعالى من خلال الآيات.
ـ وواجب قيام الدولة وتعيين الخليفة.
ـ وواجب طاعة الأمّة لحاكميها ومقرونة بطاعة الله ورسوله.
ـ وأداء حقوق العباد وجعلها من الأمانات.
ـ وتطبيق مبدأ الشورى بين الحاكم والمحكوم.
ـ وأكّد مبدأ القوّة والجزم والعزّة للأمّة الإسلاميّة.
ـ والتعامل مع الأسرى، وتعزيز السلم العالمي، والوفاء بالمواثيق والعهود ووضع أمثلة للحاكم الصالح وكذلك للحاكم الطاغية.

وبحث التلازم بين الشريعة والسياسة في ضوء السنّة النبويّة وتعليقات العلماء على هذا المبحث ووقف مع نظريّة فصل السياسة عن الدين، وبيّن حكم من يفصل السياسة عن الدين.

وعرّف علم السياسة وبيّن غايته وهدفه، وموضوعه وفي الفصل الرابع تحدّث عن تشكيل الدولة الإسلاميّة وتولية الخليفة وأنّه ضرورة، وبيّن دلالة القرآن الكريم على بناء الدولة وتولية الخليفة بعشرة أوجه.

وذكر الأدلّة من السنّة النبويّة التي تدلّ على وجوب نصب الخليفة بوضوح وشرح القاعدة الشرعيّة ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، وأهميّة تشكيل الحكومة الإسلاميّة في ضوء القياس العقلي، ومن سيقيم الحكومة الإسلاميّة.

وفي الباب الثاني: أفرده للحديث عن اختيار الخليفة ورئيس الدولة، وتكلّم عن شروط الخليفة ومواصفات رئيس الدولة، كالإسلام والعلم، والثقافة السياسيّة والحربيّة والإداريّة، والكفاية النفسيّة والجسميّة والعدالة والأخلاق الفاضلة، والنسب والحكمة من اشتراط (القرشيّة) ورأى ابن خلدون ـ رحمه الله ـ في ذلك، ورأي ولي الدهلوي، والحكمة في ازدياد الشروط في الإمامة.

وفي الفصل الثاني من الباب الثاني، تحدّث عن أسلوب تولّي الخليفة ورئيس الدولة الإسلاميّة ووضّح الأحوال التي تمّ فيها انتخاب الإمام والخليفة بعد وفاة رسول الله ﷺ، وبيّن في هذا الفصل مفهوم البيعة والشورى، والاختبار من أهل الحلّ والعقد ومعنى البيعة اصطلاحاً وحقيقتها وأغراضها وأقوال العلماء في ذلك، ومن هم أهل الحلّ والعقد، وكم عدد من تنعقد بهم الخلافة ومدّة عقد الخلافة، وممّا يتكون عقد الإمامة، وتكلّم عن بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) وانتخابه، وعن ترشيحه وموافقة أهل الحلّ والعقد، والبيعة العامّة. وبيعة عمر وانتخابه، كما تكلم عن بيعة عثمان وعليّ (رضي الله عنهم جميعاً).

وفي الفصل الثالث: تكلّم عن التغلّب والاستيلاء وحكم التغلّب، وعن الخلافة في العصر الحديث وفي الفصل الرابع: كان الحديث عن واجبات الخليفة وحقوق الرعيّة.

فمن واجبات الخليفة: حراسة الدين، وحفظه ومعرفته بحقائقه ومعانيه ونشره بين الناس، وذلك بدعم العلماء والفقهاء والمؤسّسات العلميّة والجامعات والمدارس.. إلخ.

وتنفيذه: بتطبيق أحكام الدين في سائر معاملات الناس وحمل الناس على الوقوف عند حدود الله، والطاعة لأوامره وترغيبهم في ذلك ومعاقبة المخالفين بالعقوبات الشرعيّة، ومنها: إزالة المفاسد والمنكرات من المجتمع، ومن مقاصد الحكم: سياسة الدنيا بالدين، بإقامة العدل بين الناس، وإشاعة الأمن والاستقرار، وتهيئة ما يحتاجه الناس واستثمار خيرات البلاد، وذكر الكثير من واجبات الإمام من خلال أقوال علماء السياسة الشرعيّة كالماوردي ـ رحمه الله ـ وبدر الدين بن جماعة.

وتحدّث عن حقوق رئيس الدولة، كحقّ الطاعة وحدودها وحكمتها وحقّ النصرة والتعاون معه والدعاء له بالتوفيق والصلاح، وتحدّث عن حكم تعدّد الولاة والأئمة.

وفي الباب الثالث: كان الحديث عن الدولة والحكومة.

ففي الفصل الأوّل: تكلّم عم مفهوم الدولة، وتعريفها في المفهوم الإسلامي وتاريخ نشأة الدولة الإسلاميّة في المدينة.

وفي الفصل الثاني: مقوّمات الدولة الجديدة في عهد النبوّة:

ـ من ناحية التشريع.
ـ من ناحية الشكل: كرئيس الدولة والفصل في المنازعات، وإقامة الحدود وقيادة الجيش لدفع العدوان.

ولخّص مقوّمات الدولة الإسلاميّة بما ذكره عن الماوردي ـ رحمه الله ـ كدين متّبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دار، وأمل فسيح.

وفي الفصل الثالث تحدّث عن الحكومات السائدة في العالم الحاضر، وعن مدلول كلمة (حكومة) وعن أنواع الحكومات من حيث الخضوع للقانون، كالحكومة الاستبداديّة والحكومة القانونيّة، التي تنقسم إلى الحكومة المطلقة، والحكومة المقيّدة، وبيّن أنّ الحكومة في الإسلام تخضع للقانون المتمثّل في الشريعة، ويدخل تحت هذا الخضوع جميع السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة الذين تنحصر مهمّاتها في التنفيذ والاجتهاد المقيّد ضمن الإطار العام.

وتحدّث عن الحكومات من حيث الرئيس الأعلى للدولة، وبيّن أقسامها، منها:

ـ الحكومة الملكيّة.
ـ الحكومة الجمهوريّة.

وتحدّث عن الحكومات من حيث مصدر السيادة:

ـ كالحكومة الفرديّة.
ـ والحكومة الارستقراطيّة أو حكومة الأقليّة.
ـ والحكومة الديمقراطيّة.

وبيّن وجوه الاتّفاق بين الحكومة الإسلاميّة والحكومة الديمقراطيّة، وأظهر بعض جوانبها المتعدّدة، كتحقيق المساواة السياسيّة بين جميع المواطنين وتوفير الحريّة السياسيّة، وبيّن الاختلاف بين الحكومة الإسلاميّة والحكومة الديمقراطيّة، وبيّن أنّ الحكومة الديمقراطيّة تجعل مصدر السيادة في الدولة للشعب بينما ترى الحكومة الإسلاميّة أنّ مصدر السيادة في الدولة للشرع، من حيث إنّ الدولة والشعب والسلطة يخضعون لحكم الشريعة، وينفّذون مبادئها العامّة، ولا يملك أيّ منهم أن يخالف تلك المبادئ المقرّرة، لأنّ السيادة للشريعة وليست لأيّ من الدولة أو الشعب.

كما أنّ معظم الجمهوريّات اليوم لا تشترط لرئيس وزرائها أو لرئيس دولتها أن توجد فيه أوصاف منضبطة من العلم والعدالة بعكس الإسلام الذي يشدّد في شروط تولية رئيس الدولة، أو رئيس الوزراء ليرجع ذلك بالخير على الناس في الدنيا والآخرة.

بيّن الاختلاف بين الحكومة الإسلاميّة والحكومة الديمقراطيّة، وبيّن أنّ الحكومة الديمقراطيّة تجعل مصدر السيادة في الدولة للشعب بينما ترى الحكومة الإسلاميّة أنّ مصدر السيادة في الدولة للشرع، من حيث إنّ الدولة والشعب والسلطة يخضعون لحكم الشريعة، وينفّذون مبادئها العامّة، ولا يملك أيّ منهم أن يخالف تلك المبادئ المقرّرة، لأنّ السيادة للشريعة وليست لأيّ من الدولة أو الشعب.
كما بيّن أنّ للرقابة شروطا وآدابا في النظام الإسلامي ليست في الديمقراطيّة، كما أنّه أشار إلى شكل الحكومة الإسلاميّة، وبيّن من خلال دراسته لأحكام السياسة الشرعيّة وما ورد في القرآن والسنّة في هذا المجال، أنّ الإسلام لم يحدّد شكلاً خاصاً للحكومة ولا عيّن لها منهجاً خاصّاً بجميع تفاصيله الجزئيّة، وإنّما شرّع لنا أصولاً ومبادئ وأحكاماً عامّةً لابدّ من رعايتها والمحافظة عليها من كلّ زمان ومكان.

وأمّا التفاصيل الجزئيّة لنظم الحكومة، فقد أتيح للأمّة الإسلاميّة أن تختار منها ما يُلائم ظروفها في كلّ عصر ومصر، بشرط أن تكون تابعة في كلّ ذلك للأصول والمبادئ والأحكام التي شرّعها الإسلام في نصوص القرآن والسنّة، وفي سنّة الخلفاء الراشدين المهديّين، فنظام الحكم في الإسلام تابع لهذه المبادئ والأحكام دون أن يكون تابعاً لشكل مخصوص أو منهج  معيّن. والقرآن أشار إلى المبادئ العامّة والقواعد الدستوريّة بصفة كليّة وإجمالية دون تفصيل لأشكال وأنماط الحكم، بل تركها لأنظار المجتهدين وأولي الأمر للتغيّرات والأعراف التي تطرأ على حياة الدول والمجتمعات فيؤسس من تلك المبادئ أنظمة وأنماطاً للحكم تتلاءم مع واقعهم.

إنّ الشيخ الدكتور عبد الباقي الحقاني في كتابه الممتع (السياسة والإدارة في الإسلام) طاف وغاص وسبر وبحث في الكتب القديمة والحديثة. وقد وصلت مراجعه ومصادره إلى أكثر من أربعمائة مرجع استوعب وفهم من سبقه، ومن عاصره في هذا التخصّص النادر. وقدّم ما وصل إليه بأسلوبه السهل الممتنع، مع حرصه على توثيق ما أخذ ممّن سبقوه وعاصروه في أمانة علميّة فائقة، وصياغة نادرة، وسلاسة في العبارة وإحكام في الترتيب، جعل ثمار الدراسة دانية من قاطفيها، وتسر الأنظار لناظريها، وتنوّر العقول للمتفكّرين فيها وتحيي القلوب لاتصالها بالقرآن الكريم والسنة الشريفة والخلفاء الراشدين في قواعدها ومبادئها وتجاربها التي جمعت بين النظرية والتطبيق في عهد النبوة والخلافة الراشدة.

وواصل الدكتور الشيخ عبد الباقي الكلام عن قواعد الحكم في الإسلام التي ضمنها الفصل الرابع، وذكر: قاعدة السيادة للشرع، وضرورة السلطة التشريعية، وقاعدة الشورى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ومن هم أهل الشورى؟

وما هي آداب الشورى وقواعدهم الأساسية التي يقوم عليها هذا المبدأ. وما هي شرائط الأخذ برأي الأغلبية؟  وهل الإمام ملزم بالأخذ برأي أهل الشورى؟

وكتب عن صلاحيات مجلس الشورى:

ـ كالرقابة على دستورية القوانين.
ـ  وحق المحاسبة.
ـ وحق إظهار عدم الرضا عن العمال أو الولاة.
ـ وحق تحديد المرشحين لرئاسة الدولة.
ـ والوظائف السياسية، كاختيار الإمام والبيعة ونصح الحاكم، وعزل الإمام.

وتكلم عن كون من قواعد نظام الحكم: الحرية، كحرية المعتقد، والحرية السياسية، وكيف مورست في عهد النبوة، وعهد الخلفاء الراشدين في أعلى معانيها الاعتقادية والاقتصادية والسياسية المنضبطة بشرع العليم الحكيم سبحانه وتعالى.

وتحدث أن من قواعد نظام الحكم: المعارضة. وأصّل لها من خلال القرآن الكريم والسيرة النبوية، وذكر نماذج من المعارضة في التاريخ الإسلامي:

ـ كمعارضة المهاجرين للأنصار في سقيفة بني ساعدة.
ـ ومعارضة عمر لأبي بكر (رضي الله عنهما).
ـ ومعارضة المرأة لعمر (رضي الله عنه) في تحديد المهور.

وكان من الطبيعي أن يتحدّث عن قاعدة العدالة في نظام الحكم، كالعدل في الأمور السياسية والقانونية، والعدل في الأمور القولية والفعلية، والمالية والاقتصادية، وفي الشهادة والقضاء، وفي العقوبات والأمور الأسرية، ومع الأعداء والخصوم، وفي الأمور الإدارية، وعن العدل الاجتماعي، وواجبات الناس، والأصول العشرة للعدل؛ كمعرفة قدر المنصب، وزيارة العلماء الأتقياء واستشارتهم، والتواضع والحلم، وعدم التعالي على غيره، والاهتمام بوظيفته، والعمل بالرفق في حينه وبالشدة في حينها، وتقديم رضا الله على رضا الناس.

وفي الباب الرابع كان الحديث عن نظام الدولة، ففي الفصل الأول من الباب الرابع، تحدّث عن الدستور في الإسلام، وعن مفهومه وقواعده، ومصادر القواعد الدستورية في الإسلام.

وتحدث في الباب الرابع، عن السلطات وجهاز الدولة، وأركان الحكومة والسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وعن الوزارة، ومكانتها في الحكومة الإسلامية، ونشأة الوزارة، وتطورها وأهميتها، وأهمية الوزير، وصفاته، وأقسام الوزارة، والفرق بين وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ، وواجبات وزير التفويض، وصلاحيات كل من الوزارتين، وأسس الوزارة، ومهمات الوزير، وتحدّث عن الإمارة في تاريخها من خلال التاريخ الإسلامي.

وتكلم عن تأسيس الملك وأقسامه، وأسباب بقاء الملك وزواله، وسياسة الملك وأحواله.

وفي الباب الخامس: كان الحديث عن محاسبة الخليفة وعزله، ومن له حق العزل، وما هي موجبات عزله، وذكر بعضها؛ كالكفر والردة بعد الإسلام، وترك الصلاة وإقامتها، والظلم والفسق.

وتكلم عن منهج الإمام أبي حنيفة في ذلك، وعن ضرورة التفريق بين أنواع الفسق، كنقص الكفاءة النفسية (الأهلية)، والجسدية، وتوسع في هذا الباب، وتكلم عن الخروج على الإمام الفاسق في هذا الباب، وتكلم عن الخروج على الإمام الفاسق أو الظالم، ورأي العلماء في هذه النازلة.
التعليقات (0)