قرر رئيس النظام
المصري عبدالفتاح
السيسي،
الثلاثاء، إعادة تشكيل المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية للمرة الثانية منذ تشكيله
في 2015، لكنه أحدث مفاجأة بالأوساط الاقتصادية بتعيينه آخر وزير مالية في عهد الرئيس
حسني
مبارك، يوسف بطرس
غالي، عضوا بالمجلس التابع لرئاسة الجمهورية.
وذلك إلى جانب بعض الوجوه الاقتصادية ورجال
الأعمال في المجلس المنوط به دراسة واقتراح السياسات الاقتصادية والإنتاجية العامة
للبلاد بكافة المجالات، ما دفع للتساؤل عن أسباب إعادة السيسي تشكيل المجلس، وحول ما
إذا كان يعني ذلك التوجه نحو سياسات اقتصادية مغايرة تنهي أزمات هيكلية يعانيها الاقتصاد.
"أهمية المجلس"
ويختص المجلس بـ"دراسة واقتراح السياسات
الاقتصادية والإنتاجية العامة للبلاد في كافة المجالات، بما يتضمن تدعيم وتنمية القدرة
الإنتاجية وحسن استخدام الموارد المتاحة بالأساليب العلمية والتكنولوجية، ودراسة واقتراح
الخطط العلمية التي تستهدف زيادة الإنتاج وتعظيم الاقتصاد القومي وتوفير مستلزمات الإنتاج
وتطويرها بالمشاركة مع القطاع الخاص".
اظهار أخبار متعلقة
وأيضا: "دراسة موقف العمالة واقتراح
الخطط والبرامج العامة لحسن استخدام الموارد البشرية ورفع كفاءتها الإنتاجية، ودراسة
سبل القضاء على أية معوقات تؤثر على عملية النمو الاقتصادي، واقتراح التغييرات التنظيمية
والتكنولوجية المطلوبة لإقامة قاعدة اقتصادية قوية، وتقديم الدراسات عن الأسواق الخارجية
وإمكانيات التوسع في تصدير المنتجات المصرية لها".
ومع الاختصاصات الواسعة للمجلس، يرى البعض
أنه قد يكون لغالي، دور محتمل، بينما يرى آخرون أن وجوده تحصيل حاصل، خاصة وأن السيسي،
يسيطر على جميع القرارات السياسية والاقتصادية.
"عائلة مثيرة للجدل"
ولغالي، عائلة ممتدة في حكم مصر منذ مطلع
القرن الماضي، فجده بطرس نيروز غالي رئيس وزراء مصر من (1908 إلى 1910)، الذي قتله
إبراهيم ناصف الورداني في 20 شباط/ فبراير 1910، رفضا لتوقيعه اتفاقية الحكم الثنائي
الإنجليزي المصري للسودان عام 1899، كما أنه نجل شقيق وزير خارجية مصر الأسبق والأمين
العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي.
يوسف غالي، الذي عمل خبيرا اقتصاديا بصندوق
النقد الدولي (1981 - 1986)، تولى وزارات الدولة للشؤون الاقتصادية (1996- 1997)، والاقتصاد
(1997 – 1999)، والتجارة الخارجية (2001 – 2004)، فيما أقيل من منصبه كوزير للمالية
عقب ثورة يناير 2011.
طالته اتهامات بالفساد في قضايا عُرفت إعلاميا
بـ"فساد الجمارك"، و"اللوحات المعدنية"، ليهرب للعاصمة البريطانية
لندن، قبل صدور أحكام عليه بالسجن 15 عاما و10 أعوام، لكنه وبعد مصالحات مع الحكومة
المصرية، صدر بحقه حكمان بالتصالح والبراءة عامي 2022 و2023، ليعود للقاهرة بعد 13
عاما من مغادرتها.
وفي تموز/ يوليو الماضي، "حكمت المحكمة
ببراءة المتهم يوسف بطرس غالي من تهمتي التربح، وإهدار المال العام، وانقضاء الدعوى
بالتصالح في تربحه بفساد الجمارك".
"إشادة بقدرات غالي"
رغم ما وجه لغالي، مع استقالة حكومة أحمد
نظيف 29 كانون الثاني/ يناير 2011، من اتهامات مالية انتهى بعضها بالتصالح ورد الأموال،
إلا أن البعض أشاد بقدراته على التعامل مع الدول والمؤسسات الدولية وخبرته في دولاب
العمل الحكومي.
وقالت عنه نشرة "انتربرايز" الاقتصادية
المحلية: "كان غالي دائما موظفا حكوميا دؤوبا، قام بإصلاح المالية العامة للبلاد،
وعزز الثقة الدولية في الاقتصاد المصري، وخفض الضرائب إلى النصف، وأطلق حملات ناجحة
لتشجيع الممولين"، مضيفة أنه "سيكون من الجيد رؤية غالي يسهم في الحياة العامة
مجددا".
وأشاد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية
الدكتور سعد الزنط، بالقرار، قائلا إنه "واحد من أسطوات الاقتصاد، استدعاه الوطن
فلبى النداء"، معتبرا أنها "خطوة في تعديل المسار".
وأشار البعض إلى تكليف صندوق النقد الدولي
لغالي، في آذار/ مارس 2016، لوضع خطة لإخراج اليونان من الإفلاس، واستعانة نيجيريا
وأنجولا به في نيسان/ أبريل 2016، للمشاركة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي للدولتين، عبر
صندوق النقد.
كما لفتوا إلى استعانة الصندوق به في تشرين
الأول/ أكتوبر 2008، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ليشغل منصب رئيس اللجنة النقدية
والمالية بالصندوق، وحصوله على جائزة أفضل وزير مالية عام 2009.
اظهار أخبار متعلقة
"سيل من الانتقادات"
على الجانب الآخر، أحدث قرار الاستعانة
بغالي، ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتساؤلات حول أسباب استعانة السيسي به، والذي
يمكن أن يضيفه من تغيير، وسط انتقادات لتجربته بعهد مبارك، وتسببه في أزمات أضرت بالمصريين
وفاقمت غضبهم وأدت إلى جانب أسباب أخرى لتفجير ثورة يناير 2011.
وفي الوقت الذي يرى بعض المتابعين أن الاستعانة
بغالي في هذا التوقيت دليل على تفاقم حجم الأزمة المالية والاقتصادية في مصر، إلا أنهم
توقعوا عدم انحيازه للفقراء، ملمحين إلى إصداره قانون الضرائب العقارية عام 2008، المثير
للجدل.
وأشاروا إلى قراره باستثمار أموال التأمينات
الاجتماعية التي ناهزت 500 مليار جنيه في عهد مبارك بـ"سيتى بنك" الأمريكي،
وخسارة نسبة من تلك الأموال، مذكرين باتهام عضو مجلس الشعب السابق البدري فرغلي، له
بسرقة أموال المعاشات، وتحميل الموازنة العامة للدولة عبء سدادها.
وقال الاقتصادي الدكتور حسني كحله، إن غالي"ابن
المنظمات الدولية الأمريكية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي ليست لها مهمة
سوى تدمير اقتصاديات العالم الثالث".
وأشار عبر "فيسبوك"، إلى سياسات
"الخصخصة"، و"علاج عجز الموازنة العامة بتخفيض الخدمات الاجتماعية"،
و"إلغاء دعم الطاقة"، و"التعويم"، و"معالجة التضخم برفع سعر
الفائدة"، والتي أدت "لارتفاع تكاليف المعيشة وتكاليف الاستثمار"، و"دمرت
الاقتصاد".
وتساءل: "هل يوسف غالي سيعمل غير ذلك؟".
وقال الباحث السياسي في شؤون الأمن الوطني
أحمد عكاشة، إن "محمود محيي الدين (وزير الاستثمار في عهد مبارك) ويوسف بطرس غالي
ليس لهما علاقة بعلم الاقتصاد".
وأكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن
"علم الاقتصاد علم تنمية الموارد وإدارتها بشكل مستدام، وما يقدمانه ليس أكثر
من سمسرة ووكالة لرأس المال الغربي".
ولفت إلى أن "من يدعون وجود إنجازات
لهما فهي أتت من الخصخصة وبيع تراخيص شركات المحمول والاستثمار الأجنبي في الموارد
المعدنية"، مبينا أنها "لم تكن هناك تنمية حقيقية أو نمو في الصناعة والزراعة".
وتساءل الكاتب المصري الدكتور عمار علي حسن: "كيف سيتصرف بطرس غالي الآن، لا سيما حين يجد أن طريقته القديمة في مد اليد
إلى جيوب الشعب قد جربت في غيابه مرات ومرات، وانتهت إلى حال نكابد منه جميعا؟".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أضاف:
"هل يدرك الرجل نفسه الآن على أنه منقذ، وينسى أن بعض تصرفاته القديمة أسست لما
نحن فيه الآن"، ملمحا إلى أن "كثيرا مما كانت تؤمن به أمانة سياسات (الحزب
الوطني) يتم تنفيذه، مثل بيع أصول الدولة، والتوسع في الإسكان المرفه".
وخلص للقول إن "إصلاح الاقتصاد يحتاج
إلى ما هو أوسع وأعمق من التفتيش في الدفاتر القديمة".
"تدوير غير مجد"
وانتقد السياسي والكاتب المصري سيد صابر،
سياسات النظام المصري الاقتصادية مؤكدا أنها أدت إلى "ارتفاع الأسعار، وزادت نسب
الضرائب، وفاقمت أزمات المصريين الحياتية، فعم السخط بينهم"، مبينا أن "محاولاته
لتدوير شخصيات ومسؤولين سابقين يشبه تماما عملية تدوير المخلفات".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى
أن "استعانته بوزير مالية مبارك، فيه تغاض عن اتهام رئيس الوزراء الراحل كمال
الجنزوري، له بأنه عميل للمخابرات الأمريكية، وبالعمل لصالح المنظمات الدولية، بجانب
ضلوعه في أزمة ضياع أموال المعاشات"، متسائلا: "فكيف يتم تعيينه كمهندس لإصلاح
اقتصاد مصر؟".
ولفت إلى أن "السيسي، فعلها سابقا،
واستعان بمجرم ضليع في الإجرام ومحكوم عليه بحكم بات ونهائي وقام بالإفراج عنه ليصبح
مديرا لأكبر الشركات الأمنية بمصر، وبمجرم خطف جنودا مصريين ويقال إنه يتاجر في الممنوعات
ثم يصبح الرجل الثاني في الدولة ويُسمح له بتشكيل ميليشيا".
وأيضا "شخص متورط في قتل فنانة لبنانية
يفرج عنه ويصبح أكبر مطور عقاري".
"مجالس فاشلة والتغيير واجب"
وفي تعليقه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور
أحمد البهائي إن "إعادة التشكيل والتوجه نحو سياسات اقتصادية مغايرة لسياسات النظام
الحالية واجب، ليس ذلك فحسب، بل تغيير القائمين عليها بوجوه جديدة، ويمكن الاستعانة
بأشخاص بشروط مهنية ليس فقط وزراء عصر مبارك، مثل غالي، بل كل من لديه خبرة لعمل سياسات
صنع القرار وقدرة على المشاركة بإدارة المرحلة".
البهائي، أضاف لـ"عربي21"،
"لنعترف أن تلك المجالس فشلت بتحقيق هدف تكوينها، وأغلب من يتولون الأمور الاقتصادية
بمصر يعتبرون نمو الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا على تعافي الاقتصاد، ومن المؤسف عندما
تجد منهم وخاصة من يتولون حقائب وزارية ورؤساء مجالس متخصصة بالتنمية، لا يستطيع التفرقة
بين النمو والتنمية".
وأكد أن "النمو الاقتصادي تغيير إيجابي
بمستوى إنتاج السلع والخدمات بدولة ما في فترة معينة غالبا تكون سنة، وتقارن النسبة
في السنة بسابقتها، وإجمالا زيادة النمو يعتبر زيادة بدخل الدولة عموما".
وبين أن "التنمية الاقتصادية، لها
مفهوم آخر، خاصة مع تعدد طرق قياس النهوض بالاقتصاد، فهي ليست تغييرا ماليا سطحيا مرحليا
عابرا يقتصر على حسابات الناتج المحلي الإجمالي، لكنها خطة معقدة متشابكة تستهدف تغييرا
جوهريا بالبنيان الاقتصادي، ويسفر عنها رفع معدل الإنتاجية".
وأضاف: "ما يزيد الأسف، أن تجد منهم
متمسكا ومتشبثا، بأن معدلات النمو المعلنة تعبر عن التنمية الاقتصادية، وأن خطط وبرامج
تسريع معدلات النمو هدف أساسي ليقاس على أثرها معدلات التنمية، وذلك لاعتقاد سائد بأن
تحقيق نمو اقتصادي أعلى يؤدي لمستويات معيشة مرتفعة".
وتابع: "لا تعني زيادة النمو بالضرورة
تحسن مستويات المعيشة، وخاصة إذا علمنا أن ثمار النمو لا تتوزع بصورة عادلة، وغالبا
ما تستأثر القلة بمعظم منافع النمو، وبالتالي يكون هذا النمو زائفا وغير حقيقي".
ولفت إلى أنهم "يتناسون أن الاقتصادات
الحديثة باتت تعترف أن النمو الاقتصادي المرتفع لا يعني بالضرورة رفاهية المواطن، وتجد
أغلبها تخلى عن قياس النمو من خلال الناتج المحلي الإجمالي، فإذا لم يحقق النمو رفع
مستويات المعيشة للأفراد، يكون نموا اقتصاديا غير مفيد وغير واقعي وقد يؤدي لنتائج
عكسية".
اظهار أخبار متعلقة
"بعيدة عن مفهوم التنمية"
وأوضح الخبير المصري أن "هذا ما كنا
نعاني منه منذ 2015، وهو خير تأكيد أن من ينزل أرض الواقع يجد فرقا بين مفهوم النمو
الاقتصادي الذي أُعلن عنه والتنمية الاقتصادية المحققة، ليؤكد أن هناك مجالس اقتصادية
بعيدة عن دورها ومفهوم التنمية والنظريات الحديثة للتنمية رغم ما أتيح لها من موارد
وإمكانيات".
وأكد أنه "كان من الواجب إعادة النظر
في تلك الحقائب والمجالس، والتغيير أفضل مع أنه جاء متأخرا، فالوضع الاقتصادي الكلي
سيء وعموده الفقري يعاني اختلالات هيكلية، والإصلاح يحتاج وقتا وفكرا جديدا وسياسات
اقتصادية مخالفة للحالية، البدائية في المشورة، والتي أضرت بالاقتصاد وجعلته عرضة للتذبذبات
الداخلية والخارجية".
ويرى أن ذلك "نتيجة لفقرها وعدم درايتها
بفكر التنمية الحديث القائم على سياسات تطوير المعيشة عبر مشروع متكامل (نقدي ومالي
واستثماري) لترقية المجتمعات في مصر، هدفه رفع مستوى المعيشة وإنهاء الفقر المدقع،
وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمدن، بالتوجه إلى استثمارات ذات طبيعة
لا تعاني كسابقتها منذ 2017 من الازدواجية أو التخصصية ولا تحسن الوصول لأسواق العمل".
وقال: "وبالتالي نتيجة فشل كثير من
الحقائب الوزارية ومجالس سياسات التنمية الاقتصادية عند مقارنة الفترة الحالية بفترة
حسني مبارك الاقتصادية تجد هناك فرقا، ورغم ما وقعت فيه من أخطاء واختلافنا وما عليها
من ملاحظات، إلا أنها كانت تتسم ببعض الاستقرار الاقتصادي وقلة التذبذبات".
وأضاف: "حيث أن مؤشر الاقتصاد الكلي
كان لا يقل عن المعتاد حيث العملة الوطنية وقتها لم تفقد وظيفتها كمخزن للقيم، وبالتالي
كان هناك ثقة من الأفراد بوحدة العملة الوطنية، ليس كما هو حادث الآن نتيجة قلة الخبرة
وسوء الإدارة والقرارات الخاطئة، كإدمان التعويم والاقتراض من الخارج والتدفقات النقدية
غير المباشرة".
وبين أنه "حتى النظام الضريبي رغم
ضآلته إلا أنه كان مرنا بعض الشيء ومتغيرا تبعا للتغيرات الاقتصادية، وكان يراعى فيه
المواطن محدود الدخل الذي أرهق الآن برفع الدعم وبالضرائب وخاصة المدخلات الضريبية
(غير المباشرة) الجديدة، حتى المشروعات وقتها رغم قلتها إلا أنها كانت تراعي فيها نفقات
استثمارية تتميز بأن لها إنتاجا مباشرا وتساهم فـي تـسهيل العمليات الإنتاجية في المشروعات
ذات الإنتاج المباشر".
وختم بالقول: "وليس كما هو الآن حجم
استثمارات متزايد غير أن إنتاج تلك المشروعات يتصف بالتخصص في إنتاج معين، في حين أن
الطلب الذي تخلقه تلك الزيادة يتصف بالعمومية ويتجه إلى كافة السلع والخدمات في الاقتصاد،
وبالتالي فإن زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات والتي تقابل بعرض محدود من السلع
والخدمات تؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار وحدث ما نعانيه الآن من تضخم جامح".