كتاب عربي 21

إنه سرطان لنتحمل الخبر الصادم

نور الدين العلوي
لم يعد يمكن إلغاء الانتخابات لكن وجب ضمان نتيجتها للمنقلب على القانون والقضاء والمنطق.. (فيسبوك)
لم يعد يمكن إلغاء الانتخابات لكن وجب ضمان نتيجتها للمنقلب على القانون والقضاء والمنطق.. (فيسبوك)
نفزع بآمالنا إلى الكذب. لقد وصلنا مرحلة إغلاق الأجهزة حتى لا نتثبت من خبر صحيح. لم يولد الطوفان فينا قوة تكفي لنوسعه خارج غزة. مقعد المتفرج مريح والدعاء على السجادة يسقط عنا الواجب الأصلي. حقيقة بقاء غزة وحدها تقترب. سنغلق الأجهزة ونتدبر أدعية جديدة وننغمس في الخبز الذليل. ألم نكبر بما يكفي لنقدر قيمة الحرية وندافع عنها؟

نعيد ترتيب كراساتنا الفكرية حول روح الشعب وطبيعة النخب يمكننا ممارسة جيمناستيك فكري بكلمات كبيرة مبهرة. لكن هذا لا يغير الحقائق على الأرض لنبدأ من تونس فلغزة رب يحميها وهذه آخر جملة مؤمنة.

انتظرنا أن نكتب هذه الورقة حتى ينظر في تعديل القانون الانتخابي في تونس. وكنا نقول لن تصل قلة الحياء والوقاحة إلى هذا الحد من العبث. لقد وصلت وصحت الظنون التي كنا نؤجل تصديقها.. (تكتيك إغلاق الأجهزة للهروب من الخبر).

أجهضت انتخابات تونس قبل خوضها واتضحت النتيجة ولن نجازف بتوقعات حول ما يليها فالحرية ليست قيمة مشتركة عند التونسيين. بعض التفصيل قد تفيد قارئا عابرا.

فضيحة قانونية وعار أبدي

كان التحكيم في النزاعات الانتخابية منذ الاستقلال يتم من قبل المحكمة الإدارية ولأنه لم تكن هناك نزاعات انتخابية في زمن الرئيس الملك والبرلمان ذي اللون الواحد فإن المسألة كانت مجهولة عند الجمهور الواسع المشغول بالخبز. بعد الثورة تعلمنا اختصاصات المحاكم وفهمنا الفرق بين نزاع عدلي ونزاع انتخابي حتى صار هذا النقاش يجري في مقاهي العامة حول طاولات لعب الورق. بركات الثورة.

نعرف يقينا والمنقلب يعرف أكثر منا أن النخب الصاخبة في الافتراضي ليس لها جمهور تحركه. حوانيت صغيرة في العاصمة تجلس في مكاتب مرفهة أو صالونات تتجادل في شكل البيضة أغلبها لا يزال يفرك يديه سعيدا بتفكيك الحزب الوحيد الذي له جمهور يمكن تحريكه.
لم يغير الانقلاب خريطة التقاضي حتى وقفت المحكمة الإدارية ضد الهيئة الانتخابية وأسقطت قراراتها المتعلقة بإقصاء مرشحين. عدد من القضاة واجهوا الضغوط وتمسكوا بضمائرهم. لم يرق ذلك للمنقلب وهيئته. فقدم إلى برلمانه تعديلا يحيل بمقتضاه التحكيم في النزاع الانتخابي إلى القضاء العدلي. وقد تم تمرير التعديل بشبه إجماع (102 ضد 14). انتبهنا إلى فقرة جديدة في الدرس القانوني. لا يمكن تعديل القانون الانتخابي في سنة الانتخابات وتفطنا إلى هذا النص كوني استوردناه من قوانين الغرب الثابتة. لا ضير فكل شكل الدولة وتراتيبها مستوردة كانت لنا في مجتمعاتنا الريفية شيء يشبه هذا الاتفاق النبيل (الاتفاق يكون في الحرث وليس في الحصاد).

لا ثقافتنا وأخلاقنا البدوية صمدت ولا القوانين الوضعية المنسوخة. نحن نواجه حالة من العبث بالقانون بواسطة مؤسسات الدولة الشكلية نفسها. لفائدة شخص علمنا احترام القانون قبل أن يتحول إلى أكبر عابث به فنحن اضطررننا إلى إجراء مقارنات مع بن علي نفسه. كان مستوليا اغتصب بلدا وشعبا لكنه أبقى على احترام الأشكال. أما هذا فسرطان فاش.

رفض نتيجة الصندوق قبل فتحه

إحالة النظر إلى القضاء العدلي دون الإداري مكشوفة غايتها. لم يعد يمكن إلغاء الانتخابات لكن وجب ضمان نتيجتها للمنقلب على القانون والقضاء والمنطق.

يذهب الناس للتصويت للشخص الأخير الذي يعد باحترام المؤسسات والقانون. ومهما كان العدد الذي سيصوت له سيطعن فيها بذريعة تمت تهيئتها/ تسبقتها أمام أعين الناخبين هذا المرشح مسجون بتهم تزييف تزكيات بما يجعل فوزه باطلا. ويقوم القضاء العدلي الذي نظفه المنقلب من كل احتمالات الرفض بإلغاء أصوات الفائز وبطلانها فيكون المنقلب فائزا بقوة القضاء. الجميع الآن يقول ذلك ويراه عاريا ويتذكر رواية ماركيز عن قصة موت معلن. لقد تمسك الجميع ببصيص الأمل أن يرفض البرلمان التعديل ولكن كان ذلك أقرب إلى الدعاء بنصر غزة من فوق السجادة دون النزول إلى محاصرة سفارات العدو في الأقطار. أمل الكسالى العاجزين بل أمل الخانعين الكافرين بالحرية الهاربين من دفع أثمانها.

هل يجرؤ على فعل ذلك؟ هذه من جنس السؤال هل يعدل القانون الانتخابي في سنة الانتخابات. لقد فعل وسيفعل بلا حياء لماذا كل هذه القوة ضد المؤسسات؟ بسيطة أنه هو أو من يدفعه يفهم حقيقة الشارع ويستهين بها. هذه الشارع لا يخيف وبه عاهات أصلية كانت السبب الأصلي في الانقلاب لذلك يمضى قدما وقد يكون يضحك في خلوته ساخرا من الجعجعة في الافتراضي.

ثم ماذا بعد العبث؟

معجزة أو لا شيء ونرجح اللاشيء وقد تجرأنا مرات على فتح الأجهزة لتلقي الخبر المزعج. المعجزة هي اتفاق كل فرقاء السياسة المعارضين في الافتراضي للانقلاب والتصويت بكثافة كاسحة للسيد الزمال المرشح السجين مع يقين مسبق بإلغاء نتيجة الصندوق بالقضاء بما يحول إجماع التصويت إلى إجماع للدفاع عن النتيجة خارج القضاء وليس خارج القضاء إلا الشارع.

نفتح الأجهزة ونتلقى الخبر الميتاستاز. هذا الشارع لا يتفق أبدا. نعرف يقينا والمنقلب يعرف أكثر منا أن النخب الصاخبة في الافتراضي ليس لها جمهور تحركه. حوانيت صغيرة في العاصمة تجلس في مكاتب مرفهة أو صالونات تتجادل في شكل البيضة أغلبها لا يزال يفرك يديه سعيدا بتفكيك الحزب الوحيد الذي له جمهور يمكن تحريكه.

تقول الزعامات القائمة على حوانيت لقد تخلصنا من حزب النهضة وفككناه. في الأخير هذا الانقلاب ليس شرا كله. يقول بعض المراجعين ربما احتجنا جمهور النهضة الآن فنحن لا نملأ الشارع والشعب الكريم لا يسير وراءنا. فيكون الرد إذا اعتمدنا عليهم الآن سيفتكون الحكم لاحقا. سيكون ذلك إعادة إحياء ما أمتنا فكيف نقبل وقد تحررنا منهم؟.
تقول الزعامات القائمة على حوانيت لقد تخلصنا من حزب النهضة وفككناه. في الأخير هذا الانقلاب ليس شرا كله. يقول بعض المراجعين ربما احتجنا جمهور النهضة الآن فنحن لا نملأ الشارع والشعب الكريم لا يسير وراءنا. فيكون الرد إذا اعتمدنا عليهم الآن سيفتكون الحكم لاحقا. سيكون ذلك إعادة إحياء ما أمتنا فكيف نقبل وقد تحررنا منهم؟.

المنقلب ومن معه ليسوا بعيدين عن هذه النقاشات لذلك يبنون عليها. التظاهر في الشارع بحجم ما رأينا محتمل ويمكن السماح له حتى بالتحرش بالأمن فالوضع تحت السيطرة بل يقدم صورة جميلة عن وضع ديمقراطي.

ما العمل يا عمي لينين؟

لا شيء يا شعبا قرأ كل كتب الثورات ولم يؤمن بالحرية. مفتاح كل الأبواب هنا. في درجة الإيمان بالحرية إيمانا يحفز على دفع أثمانها. لقد عشنا وشفنا بعض الشعب التونسي يتظاهر في الأحياء الراقية من أجل حماية حق الكلاب السائبة في الحياة ويفرض حمايتها من القتل لحفظ الصحة العامة لكنه يضحك شامتا في إسلامي سجن وتشرد أبناؤه وتحطمت أسرته. وما زالت تطالعنا دعوات للقتل والسحل والتشريد. وبعض الذين نزلوا الشارع منذ أسبوع كانوا يتقززون من ظهور بعض الإسلاميين معهم في المظاهرة ويتحرشون بهم.

لنجهز منذ الآن ومن أجل الخصوبة الافتراضية تلك الجمل الكبيرة عن تغيير هيئة الدولة والعبث بالقانون ونندد ونشجب ونستنكر ونشرب قهوتنا ونقول في أفضل حالات التفاؤل لتونس رب يحميها. سنناضل بالقانون فالشارع قد يعيد لنا (الخوانجية) وهذا خط أحمر. ستقاتل غزة وحدها فالجميع من حولها يعقد صفقات.لنفتح الأجهزة ونتحمل صدمة الحقيقة سرطان الكفر بالحرية.
التعليقات (0)