ملفات وتقارير

"عربي21" تنبش تاريخ مخيم جباليا.. مهد الانتفاضة والمقاومة ضد الاحتلال (شاهد)

يكابد الأهالي الصّامدون في مخيم جباليا وحشية الاحتلال الإسرائيلي- جيتي
يكابد الأهالي الصّامدون في مخيم جباليا وحشية الاحتلال الإسرائيلي- جيتي
"لن يسقط مخيّم جباليا" و"عاش المخيم وعاشت روح جباليا التي لا تُهزم" وغيرها من الجمل، كُتبت بخطّ عريض على الأجزاء الصّامدة من الركام، في قلب مخيم جباليا، المُحاصر عن قطاع غزة؛ فجابت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وحظيت بتفاعل، لكن قصف الاحتلال الإسرائيلي، لم يتوقّف.

وفي غضون الأيام القليلة الماضية، ولحدود اللّحظة، يكابد الأهالي الصّامدون في مخيم جباليا، شمال غزة، وحشية الاحتلال الإسرائيلي، الذي اقترف مجزرتين، في غضون 24 ساعة؛ حيث قصف مربّعا سكنيا كاملا بمنطقة فالوجا، مخلفّا 400 ضحية ما بين شهيد وجريح.

وأمام مرأى العالم، وصمت المجتمع الدولي، أسقط الاحتلال الإسرائيلي، ما قدّر بـ600 طن من المتفجرات، فوق سكان جباليا؛ ما أدّى لتسوية 30 مبنى سكنيا قريبا من مستشفى الأندلسي بالأرض.

رصدت "عربي21" عدّة تغريدات ومنشورات مُتسارعة، لرواد مواقع التواصل الاجتماعي من سكان شمال غزة، وبالضبط من مخيم جباليا، مرفوقة بصور ومقاطع فيديو، تُبكي الحجر، جرّاء توالي عدوان الاحتلال الإسرائيلي الذي ضرب عرض الحائط كافة القوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان.



هنا جباليا.. تاريخ من الصمود 
مع كل جولة صراع محتدم بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، يعود مخيم جباليا للواجهة، كونه الأقرب من منطقة الغلاف ومعبر إيرز، وأيضا لما له من تاريخ طويل من الصمود في وجه كافة مجازر الاحتلال، ومساعيه المتواصلة لإخلائه قسريا، منذ عام النكبة.

المخيم يعرف بكونه الرقعة الجغرافية الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم حيث وصل عدد سكانه، خلال العام الجاري، لـ116.11 فلسطينيا؛ رغم صغر مساحته التي لا تتجاوز 1.4 كيلو متر، أي أن كل متر يضمّ 86 شخصا.

يقع جباليا، في الشمال الشرقي من مدينة غزة، على مسافة كيلو متر واحد من طريق غزة- يافا؛ تم إنشاؤه خلال عام 1948، حيث قطنت فيه، حينها، 5587 أسرة فلسطينية هجرت قسرا من: أسدود، ويافا، واللد، والرملة، وبئر السبع؛ من جنوبي فلسطين المحتلة.

Image1_102024101935822596346.jpg

سكّان المخيم، على مرّ التاريخ، لم تُشف جروحهم من الاحتلال، ولم يخفت أيضا ثأرهم منه، ليتم وصفهم في مواضع كثيرة بـ"طائر العنقاء" الذي سُرعان ما يعود للحياة من الرّماد. شهد مجازر شتّى، وخناقا وحصارا إذ الاحتلال يعتبرهم "حاضنة للمقاومة".

وتُشرف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين "الأونروا" على مختلف خدمات المخيم، الذي يشتمل على 16 مدرسة، ومركز توزيع أغذية، و3 مراكز صحّية، ومكتبين للإغاثة والخدمات الاجتماعية، ومكتبة عامة، و7 آبار، ومكتب صيانة، ومكتب صرف صحي.


شاهد على بشاعة الاحتلال 
لسنوات طوال عاش سكان مخيم جباليا، على وقع عيش كلمة "صعب" لا تصفه، حيث تراكمت عليهم مشاعر عدم الأمان، مع انتشار البطالة وارتفاع معدلات الفقر، وكذا كافة الإحباطات السياسية التي تقع على رؤوسهم؛ ناهيك عن اعتبارهم من طرف الاحتلال الإسرائيلي "منبع قلق"، لتتوالى عليهم مصاعب العيش. 

خلال عام 1970 هجّر الاحتلال، قسرا، ما يناهز 975 عائلة من المخيم إلى مشروع بيت لاهيا والنزلة؛ وفي عام 1971 قام الاحتلال بهدم 3600 غرفة، كانت تسكنها 1173 عائلة، تحت مزاعم توسيع طرقاته للسماح بدخول آلياته العسكرية.

وفي عام 2004 هاجمت 100 دبابة إسرائيلية، المخيّم، فخلّفت 50 شهيدا و600 جريح؛ وخلال عام 2005، استهدف الاحتلال، عرضا نظّمته "حماس" بـ4 صواريخ، نجم عنه استشهاد 19 شخصا، فيما أصيب ما يناهز 80 آخرين.

اظهار أخبار متعلقة


وخلال عام 2014، قصف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة لـ"الأونروا" في قلب المخيم، مخلّفا ما يناهز 16 شهيدا، فيما توالت اعتداءات الاحتلال الهوجاء على المخيم بكل من فيه من بشر وحجر وحيوانات، فلم يترك ركنا إلا وأسال فيه الدماء. حتّى المقابر نبش فيها ولم يتركها في حالها. 

منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" برز اسم مخيم جباليا من جديد، ليكون حاضرا بقوّة عبر استهداف كل من معبر إيرز وقاعد زكيم وسيدروت.


وبتاريخ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2023، شهدت مدرسة الفاخورة، وهي أكبر مدارس المخيّم التي كانت تشمل آلاف النازحين الفلسطينيين، قصفا عنيفا من الاحتلال، خلّف 200 شهيد.

كذلك، خلال يوم 2 كانون الأول/ ديسمبر 2023 استشهد أكثر من 100 شخص في مجزرة اقترفها من جديد الاحتلال الإسرائيلي، على رؤوس سكّان المخيّم، حيث قصف بناية سكنية بصاروخ.


جباليا.. انتفاضة الحجارة
خلال عام 1987، دهس سائق شاحنة إسرائيلي، مجموعة من العمال الفلسطينيين، عند الحاجز المعروف باسم "إيريز"، مخلّفا استشهاد 4 عمال فيما جُرح 7 آخرون؛ ومن قلب جنازة الضحايا، انطلقت مظاهرات كبيرة، سرعان ما تحوّلت لانتفاضة شعبية، في وجه الاحتلال، عرفت بـ"انتفاضة أطفال الحجارة".

خلال الانتفاضة، نصب عددٌ من سكان المخيم جُملة من الكمائن لعدد من المجندين الإسرائيليين، فكانت هي النواة الأولى لظهور النشاط العسكري لحركة "حماس".

استمرت الانتفاضة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، المنطلقة شرارتها من قلب جباليا، إلى غاية عام 1992 حين بدأت المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، فانتهت بتوقيع اتفاق أوسلو خلال عام 1993، فانطفأت معه انتفاضة الحجارة، غير أن صمود الأهالي في مخيّم جباليا، ظلّ متواصلا.

Image1_1020241019416839382821.jpg

ومع فشل ما كان يوصف حينها بـ"مسلسل السلام"، عاد مخيم جباليا، من جديد ليكون ساحة متواصلة لمعركة المقاومة للاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يتوقّف عن العدوان وإراقة الدماء، من تقتيل وتهجير قسري وفرض حظر للتجوّل واعتقالات لا تتوقّف..

ومع بداية ما عرف بـ"انتفاضة الأقصى" خلال عام 2000، وهي التي شنّتها كتائب القسام لـ"حماس"، تم تأسيس لواء الشمال بقيادة أحمد الغندور، فكان لأبناء مخيم جباليا النصيب الأكبر من الكتائب (ثلاثة)، ليتحول، آنذاك، اسم المنطقة من مخيّم جبايا إلى معسكر جباليا.

منطقة منكوبة.. ولكن 
على الرّغم من إعلان رئيس لجنة طوارئ البلديات شمال غزة، ناجي سرحان، في وقت سابق، بكون "مخيم جباليا بات منطقة منكوبة" موضّحا أنه "تم تدمير 50 ألف وحدة سكنية، وجرف شبكات الصرف والطرقات، وتدمير المدارس ومرافق وكالة الغوث و35 بئرا"، إلا أن سكان المخيم، أبوا إلا أن ينزحوا منه.

رصدت "عربي21" عدّة صور ومقاطع فيديو، توثّق لما يوصف بصمود سكان مخيم جباليا، رغم افتقارهم لأبسط أساسيات الحياة، إذ حوّل الاحتلال الإسرائيلي المنطقة لخراب. بات سكان المخيم يمشون لمسافات طويلة لجلب القليل من المياه، وبصعوبة يتمكّنون من توفير شيء من الطّعام البسيط.

ولكون الاحتلال الإسرائيلي يُدرك تشبّث السكّان بالمخيم، أمر جنوده، بالقول: "مهما طال القتال، وبغضّ النظر عن مدى صعوبته، لا توجد هناك نتيجة سوى الانتصار. سنحارب في الأزقة، وسنحارب في الأنفاق، وسنحارب أينما يلزم. هنا القائد، توجهوا إلى مهامكم. اضربوا العدو، انتهى". 

اظهار أخبار متعلقة


إثر ذلك، وُصف تقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأرض بـ"المعقد"، وهو ما اعترف به حرفيا الناطق باسم الجيش، دانييل هاغاري. فيما أكدت كتائب القسّام أن مقاتليها يخوضون اشتباكات عنيفة مع القوات المتوغلة في محاور شمال وشمال غرب وجنوب غزة وشرق حي الزيتون.

وأوضحت الكتائب، استهدافها آليات ودبابات وتفجيرها، كما التحمت مع قوة راجلة، وأجهزت على قوّة كاملة عقب دخولها مبنى في بيت حانون.
التعليقات (0)