الذاكرة السياسية

التأصيل الشرعي لأعظم ثورات التحرير المعاصرة في ذكراها السبعين (2من2)

كانت الثغور الجزائرية المشهورة والمهجورة التي يتطرق منها العدو عامرة دائمـا وأبدا بالمرابطين، وهم قوم نذروا أنفسهم لله ولحماية دينه يبتغون فضلا من الله ورضوانا..
كانت الثغور الجزائرية المشهورة والمهجورة التي يتطرق منها العدو عامرة دائمـا وأبدا بالمرابطين، وهم قوم نذروا أنفسهم لله ولحماية دينه يبتغون فضلا من الله ورضوانا..
حكم الجهاد في الإسلام:

الجهاد في الإسلام من الفروض الكفائية عند جمهور أهل العلم ومعنى هذا أنه إذا قام به من يكفي في دفع غائلة الأعداء ونصر الإسلام سقط عن الباقين، ولا يكونون آثمين، وإن لم يقم به من يكفي أثمت الأمة كلها، ولا يرتفع الإثم إلا بخروج من فيهم الكفاية..

ويكون الجهاد في الإسلام واجبا وفرض عين في الحالات الآتية:

1 ـ إذا التقى الجيشان وتقابل الصفان فإنه يتعين الجهاد على من حضر، وحرم عليه الفرار، إلاَّ أن يكون ذلك لمكيدة أو خدعة حربية، أو لأخذ مكان أفضل وأحسن، أو للانحياز إلى فئة أخرى من الجيش، حيث قال الله تعالى:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [ الأنفال: 45].وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَه إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ومَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وِبِئْسَ المَصيرُ﴾ [ الأنفال: 15 - 16].

2 ـ إذا هاجم الكفار بلدا من بلاد الإسلام أو نزلوا فيه تعين على أهله قتالهم ودفعهم بما استطاعوا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[ التوبة: 123]، ووجب على إخوانهم المسلمين (كما أسلفنا) في كل قطر، وبلد أن يخفوا إليهم بالعون والمساعدة أداء لحق الأخوّة الإسلامية (كما أسلفنا)، وإذا كان هذا واجب المسلمين إزاء إخوانهم في الدين، فكيف بهم إذا كان هذا الاعتداء قد وقع على المسلم المعني هو ذاته، مثلما وقع في الجزائر كما يتبين من الشواهد التالية:

أ ـ لقد أعلن الملك شارل العاشر يوم 12 ماي 1830 عقد ندوة دوليّة حول مصير الأرض الجزائريّة بعد احتلالها، وقد أراد أن يبيّن من خلال هذا الإعلان أنّ الحملة الحربيّة ضدّ الجزائر شُنّت لصالح أوروبا كلّها، ولصالح المسيحية، وكانت الدّعاية الفرنسيّة قد استغلت قضيّة حجز سفينتين تابعتين للفاتكان  قبل ذلك (في أوت 1826) وهما تحملان العلم الفرنسي وذلك لتجنيد الرّأي العامّ المسيحيّ لصالح احتلال الجزائر، مما أعطاها طابعا صليبيا في نظرهم وفي نظرنا أيضا! كما ذكر "أندري نوزيار" في كتابه «الجزائر: المسيحيّون في الحرب".

أعربت الجزائر عن نفسها بهذا كله، فحققت الجهاد بالنفس وهو أحد نوعي الجهاد، وهو النوع الذي علمت أخباره واشتهرت في العالم، ورفعت اسم الجزائر إلى السماء وأصبح ذكرها مقرونا بالإعجاب والإكبار، وذكر بنيها مقرونا بالمدح والثناء، وأصبحت بطولتهم وشجاعتهم وصبرهم واستماتتهم في سبيل حرية بلادهم مضرب الأمثال وحديث الركبان.
ب ـ لقد قال "لُوي فيو" (Louis Veuillot) إثر سفره إلى الجزائر سنة 1841 بأن الأيّام الأخيرة للإسلام قد دنت... ولن يكون إله للجزائر بعد 20 سنة إلاّ المسيح... وإنّ الجزائر أصبحت ملكيّة فرنسيّة وهي الآن غير إسلاميّة، وكذلك سيكون عمّا قريب مصير كل من تونس والمغرب! ويضيف هذا المؤلِّف الّذي رافق المارشال "بيجو" (Maréchal Bugeaud) سنة 1841 (حينما كان حاكما للجزائر): «ما دام العرب غير مسيحيّين فلن يصبحوا فرنسيّين، وما داموا غير فرنسيّين فلن يستطيع أيّ حاكم وأيّ جيش أن يضمن ولو لمدّة شهر دوام السّلم». وهو ما يثبت بالدلالة القاطعة أنّ الفكرة الصّليبيّة تبقى سائدة طوال الاحتلال الفرنسيّ للجزائر، حيث يُصرّح الكردينال المتعصب "لافيجري" (Lavigerie) سنة 1868 بأنه: "لا بدّ أن يُمنَح [الشّعب الجزائريّ] الإنجيل، وإلاّ فإن على فرنسا أن تطرده إلى الصّحراء"، ومن تدابير العزيز الحكيم أن مكّن دولة الجزائر المستقلة نتيجة الجهاد الصادق في سبيل الله والوطن أن تبني أعظم جامع في إفريقيا بالمكان الذي كان يحمل اسم كنيسة باسم هذا الكاردينال الصليبي المنصر الحاقد (لا فيجري) وفي عنابة، يتوجّه رئيس الأساقفة "لينو" (Leynaud) بالقول نحو ضريح القدّيس أوغستان "انظر إلى الخطر الكبير الّذي يُحدِق بوطنك العزيز الّذي أصبح وطنًا لنا، فلا تسمحوا  أن يسقط من جديد في البربريّة الّتي نجا منها بفضل الذّراع القويّة لفرنسا المسيحيّة" (28 آب/ أغسطس 1945).

وهو ما يؤكده خليفته الصّليبي المنصر (الأب دوفوكو سنة 1912) في رسالة إلى أحد أصدقائه يصرح له فيها بقوله حرفيا: "إنني أعتقد بأنه إذا لم نستطع تحويل المسلمين بالتدريج عن دينهم وحملهم على اعتناق المسيحية، فإن النتيجة الحتمية هي تكوّن روح قومية جديدة تؤدي إلى طردنا من الإمبراطورية الاستعمـارية في شمال إفريقيا".

ويضيف قوله في الرسالة ذاتها: "إن السبيل الوحيد لضمان عدم طردنا من هذه الإمبراطورية، هو أن نجعل سكان البلاد فرنسيين والسبيل الوحيد لذلك هو جعلهم مسيحيّين".

والخلاصة هنا: أن القتال مشروع لغاية، وهي منع الفتنة والاضطهاد في الدين، ورفع أساليب الضغط والإكراه المادي والأدبي عن الناس، وتأمين الحرية للدعوة والدعاة، ليؤمن من آمن بحريته، ويكفر من كفر باختياره، إذ ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [ البقرة:256]، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [ يونس:108]. وقد رجح المحققون من العلماء أن كل آيات الجهاد ليس فيها شيء منسوخ، ولكنّها على الاختلاف في الأحوال. فعلى المسلمين في كلّ زمان ومكان أن يأخذوا بها بحسب ما هم فيه من الضعف والقوة، فإذا كانوا في حالة ضعف جاهدوا بحسب حالهم، وإذا عجزوا عن ذلك اكتفوا بالدعوة باللسان، وإذا قَووا بعض القوة قاتلوا من بدأهم ومن قرب منهم، وكفّوا عمّن كفّ عنهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما قتال الدفع فهو أشدُّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجبٌ إجماعا، فالعدّو الصائل الذي يفسد الدّين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان".

ويجمع العلماء على أن يكون الجهاد مؤديا إلى مصلحة راجحة، وأن لا يترتب عليه مفسدة أعظم، وذلك لأنّ الجهاد بجميع صوره إنمـا شرّع لما فيه من تحقيق المصالح ودفع المفاسد عن الإسلام والمسلمين أفرادا وجماعات، فلا يزال مشروعا إذا علم باليقين أو غلب على الظنّ تحقيقه لهذه المقاصد الشرعية. فإذا تيقن أو ظن أنه يترتب على القيام به من المفاسد ما هو أعظم من المصالح لم يكن حينئذ مشروعا ولا جهادا مأمورا به. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كذلك: "وأفضل الجهاد والعمل الصالح ما كان أطوع للربّ وأنفع للعبد، فإذا كان يضرّه ويمنعه ممّا هو أنفع منه لم يكنْ ذلك صالحا".

وعن هذا التأصيل الجهادي الإسلامي للثورة الجزائرية يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في تصريح له في إذاعة صوت العرب من القاهرة تحت عنوان "الجـزائر المجـاهدة" ما يلي: "لو قسمت حظوظ الجهاد بين الأمم لحازت الجزائر قصبات السبق، ونطلق على الجهاد معناه الواسع الذي يقتضيه اشتقاقه من الجهد، ولنبدأ بمعناه الخاص، وهو جهاد العدو الأجنبي المغِير على الوطن، وقد وضع الله الجزائر في موضع يدعو إلى الجهاد وعلى وضع يدعو إلى الجهاد، إلى أن يقول: لم تخل العصور الإسلامية من الجهاد بالنفس في الجزائر، لأن الجارين المتقابلين على ضفتي البحر الأبيض أصبح كل واحد منهما بالمرصاد لصاحبه، وانتقل لب الصراع بينهما من ميدان إلى ميدان.. فبعد أن كان صراعا على العيش أو التوسع في العيش أو صراعا على الزيت والقمح (وهما المادتان اللتان جلبتا الفتح الروماني على إفريقيا الشمـالية)، صار صراعا على الدين زاد في شدته أن العرب بدينهم خلفوا الرومان على حضارتهم في إفريقيا ثم لمسوهم من جبل طارق تلك اللمسة المؤلمة التي تطيروا وطاروا فزعا وظنوا أنها القاضية على روما وديانتها وحضارتها وشرائعها، وهذا الميدان الذي انتقل إليه الصراع أعمق أثرا في النفوس ويزيد في عمقه أن حامليه العرب قوم لا تلين لهم قناة ولا يصطلى بنارهم...".

ثم يضيف قوله: "فكانت الثغور الجزائرية المشهورة والمهجورة التي يتطرق منها العدو عامرة دائمـا وأبدا بالمرابطين، وهم قوم نذروا أنفسهم لله ولحماية دينه يبتغون فضلا من الله ورضوانا، لا يرزؤون الحكومات شيئا من سلاح ولا زاد، وإنما يتسلحون ويتزودون من أموالهم ليجمعوا بين الحسنيين؛ الجهاد بالمال والجهاد بالنفس. وسلسلة الرباط لم تنقطع إلا بعد استقرار الأمر لفرنسا. وإنمـا كانت تشتد وتخف تبعا لما يبدو على الضفة الأخرى من نشاط وخمود، وكانت على أشدها في المائة التاسعة والعاشرة والحادية عشرة في الوقت الذي عادت فيه الكرة للإسبان على المسلمين في الأندلس، واغتنمها الإسبان فرصة لاحتلال ثغور البحر المتوسط الإفريقية، ومعظمها في جزائر اليوم. لقد احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830 تنفيذا لخطة مرسومة تقتضي إعادة شمال إفريقيا لاتينيا كما كان قبل الإسلام، وإذا كان قديما على يد الرومان، وكان اليوم على يد الفرنسيين فإنمـا ذلك توارث بين ابن العم وابن عمه، والخطة تقتضي احتلال الجزائر اليوم، واحتلال جناحيها يوم مجيء الوقت، ومعاونة من يريد احتلال جزء آخر من التراث الإسلامي".

وعن هذا التأصيل الشرعي لجهاد الجزائر، يقول في أحد أحاديثه أيضا بإذاعة صوت العرب من القاهرة: "إن الجزائر قد أعربت عن نفسها بالأعمال الخالدة التي قامت بها ثورتها وثائروها، وبما أحيت من شرائع الجهاد وسجلت من مواقف البطولة والشجاعة ووقوف العدد القليل من أبنائها، بما يملكون من سلاح يدوي قليل، لا يغني فتيلا في مجرى العادة، في وجه عدو يفوقه أضعافا مضاعفة في العدد والعدة والنظام والتدريب، تسانده جميع الأسلحة العصرية الفتاكة من طائرات ودبابات ومدافع ثقيلة وقادة باشروا الحروب الاستعمارية وقادوها في ميادين مختلفة بالمشرق والمغرب، وتمرنوا على أساليبها، يستمدون لوازم الحرب من سلاح وعتاد ومال من بلدهم، فلا يرد لهم طلب ولا يتأخر إمداد".

ثم يقول في الحديث ذاته: "أعربت الجزائر عن نفسها بهذا كله، فحققت الجهاد بالنفس وهو أحد نوعي الجهاد، وهو النوع الذي علمت أخباره واشتهرت في العالم، ورفعت اسم الجزائر إلى السماء وأصبح ذكرها مقرونا بالإعجاب والإكبار، وذكر بنيها مقرونا بالمدح والثناء، وأصبحت بطولتهم وشجاعتهم وصبرهم واستماتتهم في سبيل حرية بلادهم مضرب الأمثال وحديث الركبان.

قامت الجزائر وحدها بمـا تتطلبه الثورة من مال، ولم تدخر عزيزا على أبنائها الثائرين المباشرين للجهاد. وإذا كانت فرنسا تنفق على جيشها في الجزائر المبالغ الطائلة (فيقول المُقّلون إنها تنفق يوميا مليارا من الفرنكات، ويقول المكثرون إنها تنفق مليارا ونصفا في اليوم الواحد، مما أثقل ميزانيتها وأوقف ماليتها على حافة الإفلاس لولا إعانة أمريكا التي عرفنا عنها أنها حاضنة الاستعمار وممرضته) فإن الجزائر المسكينة تنفق على ثورتها كل ما تملك من مال وسلاح وكسوة وطعام، وهي صامدة في ذلك محتسبة...".
وأما النوع الثاني من الدعائم التي تقوم عليها الثورة وهو الجهاد بالمال، فقد قامت الجزائر وحدها بمـا تتطلبه الثورة من مال، ولم تدخر عزيزا على أبنائها الثائرين المباشرين للجهاد. وإذا كانت فرنسا تنفق على جيشها في الجزائر المبالغ الطائلة (فيقول المُقّلون إنها تنفق يوميا مليارا من الفرنكات، ويقول المكثرون إنها تنفق مليارا ونصفا في اليوم الواحد، مما أثقل ميزانيتها وأوقف ماليتها على حافة الإفلاس لولا إعانة أمريكا التي عرفنا عنها أنها حاضنة الاستعمار وممرضته) فإن الجزائر المسكينة تنفق على ثورتها كل ما تملك من مال وسلاح وكسوة وطعام، وهي صامدة في ذلك محتسبة...".

وعن هذا التطبيق الشرعي للجهاد الإسلامي على الأرض يقول الشيخ يوسف اليعلاوي وهو ضابط في جيش التحرير الوطني (في الولاية الأولى والولاية الثالثة) والأمين العام للمنظمة الوطنية الجزائرية للمجاهدين مايلي: "لقد أبر الله قسم المجاهدين وانتصرت كلمة (الله أكبر) التي كانت هي الشعار الذي يرتفع وينطلق من أفواه المجاهدين، عند انطلاق الرصاص من فوهات بنادقهم، ومما يؤكد هذا أن التعليمات التي ترسل من قيادات جيش وجبهة التحرير الوطني تحث بالإضافة إلى التنظيم السياسي والعسكري على أداء الصلوات والمحافظة على الشعائر الدينية، والأخلاق الإسلامية، وقد يعاقب من لا يقف عند حدود الله، ولا يحترم أوامر الثورة، التي لم تخرج قط عن تعاليم الإسلام، وكثيرا ما كان يعاقب المجاهدون عقابا شديدا لارتكابهم الأخطاء التي يعتبرها الإسلام خطيرة تستوجب العقاب كما أن الثورة قد دعمت تعليم القرآن الكريم في كل الولايات، وهي التي تدفع أجور المعلمين، بل شجعت ماديا ومعنوبا كل المدارس العربية الموجودة على مواصلة سيرها لتعليم أبناء الشعب اللغة العربية والإسلام تحت دوي القنابل".

ويقول المجاهد حسين زهوان الذي كان محافظا سياسيا في جيش التحرير الوطني بالولاية الثالثة تحت قيادة الشهيد عميروش آيت حمودة : "منذ البداية كانت هناك نساء مجاهدات في الولاية الثالثة، لكن في أواخر سنة 1959 كان هناك مخطط شال الذي شكّل ضغطا كبيرا على جيش التحرير، فتفكّكنا إلى وحدات صغيرة، وصرنا مُضطّرين إلى أن نعيش تحت الأرض وفي المغارات، والمُجاهدات أصبحنَ غير قادرات على العيش في القرى مُنعزلات عن الرجال، ولهذا فإنه في الضرورة، وربمـا تحت القصف، تجد المرأة نفسها أحيانا مُجبرة على البقاء في المغارات مع رجل مُجاهد غريب عنها، مما جعل قيادة الولاية الثالثة تتّخذ قرارا بإبعاد النساء.أنا أرسلت مُجاهدات للعاصمة لكي يعملنَ هناك، حتى لا يعشن ذلك الوضع، خاصّة وأننا محافظون، والثورة كانت صارمة في هذه المسألة، وعقوبة من تثبت ضده تهمة في هذا الشأن هي الإعدام المحتوم".

تلكم خلاصة مركزة بالمناسبة عن التأصيل الشرعي لثورة الجهاد في الجزائر كما عشناها جسدا وروحا وشهدنا فيها تطبيق الشريعة السمحاء كما طبقت في ازهي عصر الخلافة الإسلامية.. وكدليل على ذلك أستسمح القارئ أن أذكر على سبيل المثال فقط أن الوالد الشهيد رحمه الله قد أعدمه الجيش الفرنسي بحكم عسكري ورد في حيثياته (الموثقة في الأرشيف الفرنسي) بأنه (القاضي الشرعي) لجبهة التحرير الوطني أثناء حكم الجمهورية الخامسة  للدولة الفرنسية.. وقد نفذ فيه الحكم رميا بالرصاص في صبيحة الرابع من شهر يوليو سنة 1959 في ميدان يقع بمدينة برج الكيفان بشرق الجزائر العاصمة ..

وذلك تطبيقا لما كان يسمى حينذاك بسياسة (الترهيب والترغيب) التي انتهجها الجنرال دوغول أثناء حكمه مثلما يطبقها نظراؤه في الملة حاليا بنفس الطريقة في الخشونة والفظاعة الوحشية في غزة والمرونة والليونة "النسبية " في رام الله بالضفة الغربية..

وإذا كان الزمان غير الزمان فالإنسان بخيره وشره هو الإنسان في كل مكان..

اقرأ أيضا: التأصيل الشرعي لأعظم ثورات التحرير المعاصرة في ذكراها السبعين (1 من 2)
التعليقات (0)