يملك محمود عباس ستة أجهزة أمنية تعمل بشكل
رئيس في الأراضي
الفلسطينية المحتلة المصنفة "أ": المخابرات العامة،
الأمن الوقائي، الاستخبارات العسكرية، الشرطة المدنية، الأمن الوطني، والأمن
الرئاسي، خُصص لها ميزانية تقدر بأكثر من مليار دولار، ما يعادل ميزانية وزارتي
التعليم والزراعة، تتبادل الأدوار مع قوات الاحتلال في قمع الشعب الفلسطيني.
منذ أن وطأت أقدام منتسبي هذه الأجهزة
الأراضي المحتلة بموجب اتفاقات أوسلو والملاحقة الأمنية العلنية والسرية التي وقعت
عام 1993، وهم ينفذون ما كُلفوا به بكل تفانٍ وإخلاص، همهم الوحيد القضاء على أي
أعمال تهدد أمن إسرائيل أو أي مظاهر جادة تعارض اتفاقيات أوسلو. في حين، اتسمت
الحياة السياسية في إسرائيل بالحيوية والمعارضة الشرسة للاتفاقيات، وأُطلقت يد
قوات الاحتلال والمستوطنين لقتل واعتقال الفلسطينيين والتوسع في أعمال الاستيطان.
طوال أكثر من 30 عامًا، تناوبت هذه الأجهزة
مع قوات الاحتلال على اعتقال المواطنين: طلاب، عمال، أساتذة، علماء، وصحفيين، لا
لجريمة ارتكبوها، وإنما لنشاطهم المناهض للاحتلال بشكل رئيس ومعارضتهم لاتفاقيات
الاستسلام الموقعة مع الاحتلال، والتي نالت من الحقوق المعترف بها في القانون
الدولي، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير.
أُطلقت يد هذه الأجهزة لتعبث بأمن المواطنين
وسلامتهم، تقتحم منازلهم ليلًا لتعتقل من تريد بعد ترويع ساكنيها والاعتداء عليهم
وتخريب محتوياتها تمامًا كما يفعل الاحتلال. وفي وضح النهار، تعربد في الشوارع
وتقتحم أماكن العمل والجامعات والمدارس لتعتقل المواطنين وتطلق عليهم الرصاص،
مانعة أي تظاهرة تندد بجرائم الاحتلال.
لقد عملت طوال سنوات عديدة مع خبراء
قانونيين وفرق بحث ميدانية في توثيق الجرائم التي ترتكبها هذه الأجهزة. نتائج هذه
الأبحاث كانت مرعبة، تم تسجيل شهادات بالصوت والصورة تشيب لها الولدان عن التعذيب،
واقتحام المنازل، وزرع أجهزة التنصت في غرف النوم، والاعتداء بالضرب على النساء
والأطفال خلال عمليات الاقتحام والتفتيش لاعتقال مطلوبين.
تبين لنا من خلال البحث مدى ارتباط هذه
الأجهزة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية، حيث تتلقى هذه
الأجهزة دعمًا ماليًا مباشرًا من الأخيرة وتدريبًا ميدانيًا على القمع والتحقيق،
لدرجة أن إسرائيليين من جهاز “الشاباك” يأتون خصيصًا إلى مدينة أريحا لتقديم
محاضرات منتظمة للطلاب المنتسبين لجامعة الاستقلال المتخصصة بالعلوم الأمنية.
طوال أكثر من 30 عامًا، تناوبت هذه الأجهزة مع قوات الاحتلال على اعتقال المواطنين: طلاب، عمال، أساتذة، علماء، وصحفيين، لا لجريمة ارتكبوها، وإنما لنشاطهم المناهض للاحتلال بشكل رئيس ومعارضتهم لاتفاقيات الاستسلام الموقعة مع الاحتلال، والتي نالت من الحقوق المعترف بها في القانون الدولي، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير.
لقد انصهرت هذه الأجهزة بشكل كلي مع نظيرتها
الإسرائيلية وتشربت عقيدتها الأمنية، فمن يعتبر عدوًا للاحتلال هو بالضرورة عدو
لهذه الأجهزة، وأي شريف من داخل هذه الأجهزة أو من داخل حركة فتح، حزب السلطة
الحاكم، يعارض هذه السياسة ويرفع صوته يتم إقصاؤه وحتى تصفيته، كما حدث في مناسبات
عديدة. وفي شهادة خاصة لأحد الضباط يقول فيها: “منتسبو هذه الأجهزة يُدرَّبون على
تنفيذ الأوامر حتى لو كان المستهدف الأب أو الأم، فلا اعتبار لأي درجة قرابة أو
أعراف مجتمعية”.
تُوصف الحملات التي تشنها هذه الأجهزة منذ
عقود وحتى يومنا هذا بالواسعة والمنهجية، مشابهة تمامًا لحملات الاحتلال اليومية.
والهدف هو القضاء على النشطاء المناهضين للاحتلال والمعارضين لأجندات السلطة،
فطوال سنوات عملها اعتقلت هذه الأجهزة الآلاف، وقتلت تحت التعذيب أكثر من 60
مواطنًا، ونهبت وسلبت الملايين من مدخرات المواطنين.
والمفارقة أن التهمة الجاهزة التي تُوجه
لأغلب النشطاء بسبب آرائهم أو التجمهر للاحتجاج على جرائم الاحتلال وانتقاد السلطة
هي “مقاومة السلطة”، “ذم مقامات عليا”، و”إثارة النعرات الطائفية”. والتهمة
الأخيرة تثير الكثير من التندر والعجب؛ فالأراضي الفلسطينية المحتلة لا يوجد فيها
طوائف متناحرة مثل بعض دول الجوار، فالمسيحي والمسلم جنبًا إلى جنب يعانون من
جرائم الاحتلال ويناضلون من أجل الخلاص منه وإقامة الدولة المستقلة.
70 ألف عنصر ويزيدون هو تعداد هذه الأجهزة، بما يعادل 16
عنصرًا لكل ألف مواطن، وهي نسبة لا تجدها إلا في الأنظمة الشمولية البوليسية. رتب
ورواتب، عقداء وعمداء وألوية، من بعيد يظن المراقب أن هؤلاء يقومون على رأس دولة
منيعة ذات سيادة، لكن في الحقيقة هم خدم وعبيد للاحتلال يتنقلون بين المناطق
المصنفة “أ”، “ب”، و”ج” بموجب بطاقات خاصة، يُذلّون ويُهانون على الحواجز، وعندما
تقتحم قوات الاحتلال مناطقهم يختبئون في جحورهم ريثما ينهي الاحتلال مهمته.
لم يحدث يومًا أن قامت هذه الأجهزة بالتصدي
لاعتداءات قوات الاحتلال أو المستوطنين على المواطنين، ولم تقم باعتقال أي مستوطن
لمحاسبته على ما ارتكب من جرائم في أراضي السلطة، بل على العكس، إن هي ألقت القبض
عليه تقوم بتسليمه للاحتلال ليطلق سراحه ويكرر ارتكاب جرائمه.
لذلك، من غير المنطقي أن يُطلق على العلاقة
بين هذه الأجهزة وقوات الاحتلال وصف "تنسيق"، وإنما هو تعاون من جانب
واحد يصل إلى حد الخيانة والتخابر مع العدو، من خلال جمع المعلومات عن النشطاء
وإعداد ملفات وتمريرها للإسرائيليين والأمريكان، وإنهاك المجتمع الفلسطيني من خلال
الاعتقالات المتكررة ومصادرة أموال المستهدفين المنقولة وغير المنقولة، مما ألحق
أضرارًا جسيمة بمصالح الشعب الفلسطيني العليا وجعله مكشوفًا أمام احتلال لا يرحم.
الراحل ياسر عرفات بعد سبع سنوات من التعاون
الأمني وبعد انهيار محادثات كامب ديفيد قرر التمرد على هذه المنظومة التي صنعها
بيديه، فانخرط العديد من أبناء الأجهزة في انتفاضة الأقصى عام 2000. لكن مراكز
الفساد في السلطة، وعلى رأسها محمود عباس، تآمروا عليه وهو تحت القصف ومحاصر داخل
المقاطعة في رام الله، ونجح أحد القيادات الحالية المعروفة بإدخال السم له عن طريق
طبيب أسنان، وفق وثائق مسربة من لجنة التحقيق في اغتياله.
بعد اغتيال عرفات عام 2004، أُعيد تشكيل
الأجهزة الأمنية، وأُرسل الجنرال دايتون لتدريب الضباط، وشُكلت لجنة أمريكية
أوروبية إسرائيلية للإشراف على عمل هذه الأجهزة والتأكد من أنها تقوم بما يلزم
لمنع أي أعمال معادية ضد إسرائيل. وازدادت شراسة هذه الأجهزة في حزيران عام 2007
عقب الانقسام، بتعليمات من عباس نفسه، ففي لقاء مسرب مع قادة الأجهزة الأمنية قال
لهم كلمته المشهورة “اذبح”.
وهذا ما كان، فامتلأت سجون السلطة
بالمعتقلين، وانتشر التعذيب في كافة المقرات الأمنية كالوباء، وأُطلق على سجن
أريحا اسم “المسلخ” لشدة عمليات التعذيب ووحشيتها. وبلغ تخابر هذه الأجهزة مع
نظيرتها الإسرائيلية أوجه دون خجل أو وجل، فكان ضباط من “الشاباك” يحضرون جلسات
التحقيق ويشرفون عليها، ومن يجدونه ذا اهتمام يتم نقله للسجون الإسرائيلية
لاستكمال التحقيق ومحاكمته.
المستوى السياسي برئاسة عباس لم يتزحزح عن
عقيدة التعاون الأمني مع الاحتلال، معتبرًا إياه “مقدسًا”. وعندما تشتد الانتقادات
لهذا التعاون على وقع توسع الاستيطان وعمليات القتل، يعلن عباس أو اللجنة المركزية
لحركة فتح عن تجميد التعاون الأمني، لكن كل ذلك كان مجرد كلام في الهواء، فالتعاون
في كل المراحل لم يتوقف لحظة.
واليوم، بعد أحداث السابع من أكتوبر، وعلى
وقع الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، لم يتغير أي شيء. استمرت هذه الأجهزة
في عملها كالمعتاد، متصدية بشكل عنيف لكل مظاهر التضامن مع قطاع غزة، فقتلت 16
مواطنًا وأصابت آخرين، منهم أطفال، وشنت حملات اعتقال بالتناوب مع قوات الاحتلال
فيما يُعرف بـ “الباب الدوار”، وبسبب هذا القمع الوحشي أصبحت
الضفة في واد وما
يجري في قطاع غزة في واد آخر.
ورغم الهجمة الاستيطانية في كافة أنحاء
الضفة الغربية، والاعتداء على المسجد الأقصى، وهجمات المستوطنين على المواطنين
بالضرب وإطلاق النار وحرق الممتلكات، وتوعد سموترش وبن غفير بفرض السيادة
الإسرائيلية على الضفة الغربية، صعّدت أجهزة أمن السلطة بأوامر مباشرة من عباس
قمعها في كافة مدن الضفة، حتى وصلت إلى فرض حصار مشدد على مخيم
جنين منذ أكثر من
ثلاثين يومًا.
مستنسخة ما تقوم به قوات الاحتلال عند
حصارها المدن والقرى والمخيمات، منعت الأجهزة الأمنية سكان مخيم جنين من الخروج من
المخيم، ومنعت الأطفال والطلاب من التوجه إلى مدارسهم، وحُرم السكان من التزود
بالغذاء والدواء والوقود. وقامت قوات باقتحام منازل وحرقها وتخريب بعضها، كما قامت
بحرق سيارات للمواطنين، واستخدمت قاذفات الآر بي جي، واعتلى القناصة أسطح البنايات
لقتل كل من يتحرك، فقتلوا الصحفية شذى الصباغ وهي برفقة أبناء شقيقها، وقتلوا
محمود الجلقموسي وابنه وأصابوا ابنته خلال محاولتهم التزود بالماء، ليصل عدد من
قتلتهم هذه الأجهزة خلال حصارها إلى ثمانية.
في كل الشعوب التي خضعت لاحتلال على مر التاريخ القديم والمعاصر نجد أن هناك حفنة من ضعاف النفوس نظمهم الاحتلال أفرادًا أو جماعات لضرب الروح المعنوية لهذه الشعوب ومحاولة إخضاعها لتحويل هذا الاحتلال إلى استعمار دائم، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل عندما استجمعت الشعوب قدراتها وصممت على كنس الاحتلال وعملائه.
وعلى غرار سلوك الاحتلال والناطقين باسمه
عندما يرتكبون جريمة وينكرون المسؤولية عنها، انبرى الناطق باسم الأجهزة الأمنية
أنور رجب عبر بيانات ممجوجة ليلقي باللائمة على الفصائل ويحملها المسؤولية عن
عمليات القتل، وهو ما كذبته شهادات الشهود الذين كانوا في عين المكان وقت ارتكاب
الجريمة.
وفي سبيل تزوير الحقائق ومن أجل أن تمرر
السلطة روايتها الكاذبة عملت السلطة على محاربة وسائل الإعلام الحرة وعلى رأسها
قناة الجزيرة فأوعز عباس لمحكمة محلية لإصدار قرار بإغلاق مكاتب الجزيرة وتجميد
بثها وحجب كافة مواقعها متماهيا مع قرار سابق لحكومة الاحتلال يمنع بث قناة
الجزيرة لنفس الأسباب التي دفعت السلطة لاتخاذ مثل هذا القرار وهو فضح جرائم
الاحتلال خلال اقتحامها مخيم جنين، يا لعجائب الصدف!
لا يمكن لسياسي يملك أدنى درجات الفهم
والعقل، وفي ظل هذا الظرف الخطير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، أن يتخذ قرارًا
بحصار مخيم يعتبر في الوعي الفلسطيني إحدى القلاع التي تشهد على نكبة الشعب
الفلسطيني منذ عام 1948، والذي يسعى الاحتلال بكل ما أوتي من قوة لإزالته من لائحة
الشهود، وقد حاول بالفعل عبر اقتحامات متكررة خلال العام المنصرم لكنه فشل.
بُذلت جهود مخلصة من قبل فعاليات مدنية
وجهات أهلية مختلفة لجلب الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار، إلا أن رئيس السلطة
أجهض كل هذه المحاولات، مفضلًا الانصياع لأوامر أسياده في تل أبيب والبيت الأبيض
وتنفيذ أجندات تفتت وحدة الشعب الفلسطيني، ومعرضًا أمن وسلامة أبناء الشعب للخطر.
بالأمس، ذرف ممثل فلسطين في مجلس الأمن
الدموع لهول الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة بحق المرفق الطبي
والاعتداءات المستمرة على المشافي، والتي كان آخرها إحراق مشفى كمال عدوان، فكيف
لنا أن نقتنع بصدق هذه المشاعر في الوقت الذي ترتكب فيه أجهزة السلطة التي يمثلها
جرائم مشابهة بتحويلها مشفى جنين لثكنة عسكرية واعتدائها على الطواقم الطبية الذين
قدموا العلاج للجرحى من مخيم جنين؟
إنه مشهد سريالي تسببت به طغمة فاسدة لها
مصالح خاصة، تتقن فنون عقد الصفقات والاستجداء على أعتاب المحتلين للحصول على
امتيازات تمكنهم هم وعائلاتهم من العيش الرغيد على حساب حقوق الشعب الفلسطيني
وأمنه وسلامته ورفاهه، وفي نفس الوقت، ومن أجل التغطية على خيانتها وفسادها، تصدر
بعض البيانات المنددة بجرائم الاحتلال وتناشد المجتمع الدولي للتدخل من أجل حماية
الشعب الفلسطيني، عباس يطالب بحماية دولية للشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت يقمعه
ويرفض تشكيل لجنة مجتمعية لإسناد قطاع غزة.
الغالبية العظمى من أبناء حركة فتح، حزب
السلطة، تم تدجينهم من خلال تجنيدهم كعناصر وضباط في أجهزة الأمن، ومنهم من أنعم
عليه عباس بوظيفة في هذه الوزارة أو تلك، فتراهم يدافعون بشراسة عما يرتكبه بحق
القضية الفلسطينية من فظائع، ويعملون بشكل نشط على تشويه وشيطنة كل من يعارض
سياساته بتهم جاهزة بأنهم لصوص وتجار مخدرات وعملاء للاحتلال.
لا يعلم أحد أي مصير أسود ينتظر عباس وسلطته، الرجل شارف على التسعين من عمره، وأجهزته الأمنية التي يعتمد عليها في قمع الناس أصابها الترهل وينخرها الفساد، والاحتلال الذي يعوّل على جبروته في حمايته من ثورة الشعب لن يقر له قرار، فهو حتمًا إلى زوال، أتمنى أن يشهد عباس زوال سلطته قبل أن يتخطفه الموت، والأعمار بيد الله.
في كل الشعوب التي خضعت لاحتلال على مر
التاريخ القديم والمعاصر نجد أن هناك حفنة من ضعاف النفوس نظمهم الاحتلال أفرادًا
أو جماعات لضرب الروح المعنوية لهذه الشعوب ومحاولة إخضاعها لتحويل هذا الاحتلال
إلى استعمار دائم، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل عندما استجمعت الشعوب قدراتها
وصممت على كنس الاحتلال وعملائه.
الشعب الفلسطيني جرب على مدار مئة عام مثل
هذه الظواهر، فخلال الانتداب البريطاني تم تشكيل ما يسمى “وحدات السلام” عام 1936
بقيادة شخص سكير وزير نساء يدعى فخري النشاشيبي، ومن شخصيات تنتمي لعائلات مشهورة
مثل حافظ الحمد لله وفخري عبد الهادي وطوقان ونسيبة للقيام بأعمال قذرة في التجسس
على الناس وملاحقة واغتيال المقاومين، لكن الحركة الوطنية كان لها اليد الطولى حتى
خارج البلاد، فقتل فخري النشاشيبي في بغداد عام 1941، وجرت عمليات تصفية في طول
البلاد وعرضها، واستمرت المقاومة حتى نكبة عام 1948.
وفي لبنان بعد الاجتياح عام 1978، جندت
إسرائيل فصيلًا تابعًا للجيش اللبناني اشتهر فيما بعد باسم جيش لحد نسبة لقائده
أنطوان لحد لحماية أمن إسرائيل من هجمات حركات المقاومة في الجنوب. وفي مايو 2000،
انسحبت قوات الاحتلال من المنطقة فجأة، مما اضطر هؤلاء للهرب إلى فلسطين المحتلة،
ومنهم من سلم نفسه للسلطات اللبنانية.
يدرك الشعب الفلسطيني أن وجود السلطة مرتبط
بشكل كامل بوجود الاحتلال، ولولا دعم الاحتلال وحمايته لأزلام السلطة، لتم القضاء
على هذه المنظومة بشكل مبكر. لذلك، يوجّه الشعب نضاله وكفاحه ضد قوات الاحتلال،
متجاهلًا الأجهزة الأمنية رغم الجرائم الخطيرة التي ترتكبها، فالقناعات الراسخة
لدى الجميع أن أي معركة مع السلطة وأجهزتها خاسرة، والمستفيد الوحيد هو الاحتلال.
مصير السلطة وأجهزتها قاتم، فهي حتى بالنسبة
للداعمين أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا بعد أن تم استنفاد وظيفتها التي وُجدت من أجلها.
فاليمين المتطرف الذي يقود حكومة الاحتلال يرى أن الفرصة حانت لفرض السيادة على
الضفة الغربية وطرد قيادة السلطة وتحويل الأجهزة الأمنية إلى شرطة مرور!
لم يعد بالإمكان إصلاح هذه الأجهزة لتتوحد
في جهاز أمني واحد يسهر على حماية الشعب الفلسطيني، فقد تطبعت بطريقة عمل لا تخدم
إلا الاحتلال وأجنداته، ولن يجدي توجيه النصائح لعباس لتغيير مسار سلطته السياسي،
فقد فات الأوان وجفت الأقلام ورُفعت الصحف، فالأضرار التي ألحقها بأعدل قضية على
مر التاريخ لا يمكن إصلاحها بإسداء النصائح.
لا يعلم أحد أي مصير أسود ينتظر عباس
وسلطته، الرجل شارف على التسعين من عمره، وأجهزته الأمنية التي يعتمد عليها في قمع
الناس أصابها الترهل وينخرها الفساد، والاحتلال الذي يعوّل على جبروته في حمايته
من ثورة الشعب لن يقر له قرار، فهو حتمًا إلى زوال، أتمنى أن يشهد عباس زوال سلطته
قبل أن يتخطفه الموت، والأعمار بيد الله.