هلعا فور سماعهم كلمة "
خلافة" وبعضهم يغلظ القول ويشتط به الخيال فيبدأ
بمهاجمة هذا "النظام" باعتباره عودة لعصور بائدة و "متخلفة"
وكثيرون أيضا يربطون بين هذا المصطلح وبين تنظيمات بعينها رفعته عنوانا "أيديولوجيا"
لها، ولكنه على كل الأحوال ليس ملكا لها ولا لغيرها، لأنه في كنهه كان أقرب ما
يكون إلى النظام الدولي الذي كانت فيه الكلمة العليا للمسلمين، وقد جرى تدمير هذا
النظام لإقامة نظام دولي آخر عنوانه "عصابة مجلس الأمن" بكل ما تحمل هذه
العبارة من معاني الإجرام والسلب تحت التهديد باستعمال السلاح واستعماله فعلا لـ
"تأديب" الدول "المتمردة" عليه ..!
من أهم ما قيل في
التوصيف الدقيق لنظام الخلافة، ما جاء في موسوعة "مقاتل من الصحراء"
الإلكترونية تحت بند "الديمقراطية في الإسلام" حيث تصف الخلافة، كنظام سياسي
في الإسلام، بأنها نظام مستقل، إذا أشبهته بعض الأنظمة السياسية القديمة أو الحديثة
في بعض نواحيه، فهذا لا يقرّبه منها، ولا يبعده عنها، وإنما يجعله نظاماً خاصاً قائماً
بين النظم القديمة والحديثة. لا يمكن أن يكون ملكياً؛ لأن الخليفة يحكم الناس طول حياته،
ولا جمهورياً لأنه يفترض أن يُنتخب انتخاباً، ولا اشتراكياً لأنه أمرَ بالعدل، والإحسان،
والمساواة، ورعاية اليتيم، والفقير، والمسكين، وفرض الزكاة، ولا رأسمالياً لأنه احترم
الملكية الفردية، ولم يلغ الغنى، وإنما الخلافة نظام ديني سياسي فريد، بين هذه النظم،
لا يجوز أن يُطلق عليه اسم من الأسماء القديمة أو الحديثة، ولا يُسمى بغير اسمه. هذا
ما يقرره العلم الخالص، وما تفرضه الدراسة المتجردة للإسلام، باعتباره نظاماً مستقلاً،
بالمقارنة مع الأنظمة السياسية الأخرى، أضف إلى ذلك، إن هذه المصطلحات السياسية الحديثة،
كالديموقراطية، والجمهورية، والاشتراكية وغيرها، أصبحت لها مدلولات خاصة لا تحيد عنها
تقريباً، على الرغم من أن الملكية مثلاً مطلقة، ودستورية، وبين بين؛ والجمهورية برلمانية،
ورئاسية، وشعبية ديموقراطية؛ وغير ذلك، والاشتراكية أنواع وطبقات، واختلاف في التطبيق.
غير أن هذه المصطلحات جميعاً ترجع إلى أصل واحد، له تعريفات محددة في المعاجم السياسية،
وفي الكتب التي يتداولها أهل الاختصاص. لذلك، فليس من العدل، ولا من العلم، أن يُسمى
نظام عمره أربعة عشر قرناً، باسم حديث قد يتفق معه في أمور، ويختلف معه في أمور أخرى،
وربما كانت مواضع الاختلاف، أكثر بكثير من مواضع الاتفاق.
من هنا، نشفق على
من يهرفون بما لا يعرفون حين نستحضر هذا المصطلح، الذي جرى تشويهه أو تقزيمه أو
وصمه بصفات يعلم أهل الاختصاص والعلم من الساسة والمفكرين أنها محاولات بائسة
لدفنه وإقصائه عن مدى تفكير أهله، أو استحضاره مجددا، لأن ما قام بديلا عنه وعلى
أنقاضه لم يكن غير نظام عصابات مسلحة للسلب والنهب، يجتمع ممثلوها ببذلات رسمية
تفوح من ثناياها عطور فارهة فاخرة، وتختبىء في جيوبها سكاكين ومدى وجِلدات
القراصنة التي كانوا يخفون بها عيونهم المصابة، والمثل الأقوى والأبرز على آلية
عمل "عصابة" مجلس الأمن "الوسام" الذي خلعته على نظام
بشار الأسد،
بعد أن كان قاب قوسين او أدنى من عقاب مدمر، وإذ به يتحول بين ليلة وضحاها إلى
"نظام شرعي" شريك، يشبه ما قام به نظامه عمل خيميائيي القرون الوسطى الذين
اجتهدوا لتحويل المعادن الخسيسة الى ذهب، فالرئيس السوري –وفق تعبير صحفي عربي- أنجز
المعادلة الخيميائية المستحيلة: قم بابادة شعبك بالسلاح الكيماوي فتتحوّل فجأة الى
شريك دولي وبطل اعلاميّ، ناهيك عن رعاية قيام وتقوية كيان العدو الصهيوني على
أنقاض وأشلاء أرض وشعب فلسطين!
[email protected]