[email protected]
ونستكمل في هذا المقال، بملف العلاقات المصرية
التونسية، ولعله النموذج الأقرب في فهم، رغبة نظام الانقلاب في مصر، في افتعال الأزمات خاصة أن تونس محكومة على عكس
تركيا بترويكا، تضم ثلاثة أحزاب، إسلامي هو النهضة، وآخران ينتميان إلى التيار العلماني والقومي، هما المؤتمر من أجل الجمهورية، ويتولي زعيمه المنصف المرزوقي منصب رئيس الجمهورية، والحزب الآخر، التكتل الديمقراطي، ويتولى زعيمه مصطفى بن جعفر رئاسة المجلس التأسيسي. أما النهضة، فمنه رئاسة الوزراء علي العريض، بعد إقالة حمادي الجبالي، ورغم أن التيار الإسلامي هو صاحب الأكثرية، ولكن الانتقادات الأكبر لما يحدث في مصر، تأتي على لسان المنصف المرزوقي، وليس راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، ولعل القريب من فهم ورؤية المرزوقي، يؤكد أنه أقرب إلى المثقف منه إلى رئيس الجمهورية، المثقف الملتزم بمبادئ الحرية والعدالة، وتداول السلطة عبر الوسائل السلمية والانحياز إلى الحقوق الأساسية للإنسان، وكلها مبادئ اكتسبها من خلال سنوات نفيه في فرنسا، وإقامته الطويلة هناك، وممارسته المعارضة السلمية لنظام بن علي من باريس، ولعل ذلك يفسر ما قام به من على منبر الأمم المتحدة، أثناء إلقاء كلمة بلاده أمام الجمعية العامة، عندما قال: «أهيب بالسلطات القائمة في مصر، من هذا المنبر الموقر، أن تقوم بالإفراج وإطلاق سراح الرئيس محمد مرسي، وكل المساجين السياسيين، وهو «التصريح القنبلة» التي انفجرت في وجه العلاقات بين القاهرة وتونس، وتسببت في استدعاء السفير المصري من هناك، وترافق معها بدء قيام نظيره التونسي، بإجازته الاعتيادية والتي استمرت شهرين، ثم عاد إلى القاهرة من جديد، منذ أسبوعين أو أكثر، بينما المصري كما هو، لم تفكر السلطات المصرية في عودته إلى مقر عمله. وقد أشار نبيل فهمي وزير الخارجية المصري، إلى انزعاج مصر مما صدر من الرئيس التونسي في محفل دولي، فتم اتخاذ موقف بسحب السفير المصري، ونأمل أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، إذا ظلت الأمور تتطور في الطريق الإيجابي المعتاد، دون أن يفسر لنا الوزير شكل تطور الأمور، هل على صعيد العلاقات الثنائية؟ أم ما يتعلق منها بالشأن المصري، خاصة أن كثيرا من القيادات التونسية، ومنهم راشد الغنوشي ذكر مؤخراً في تصريحات لصحيفة جزائرية، بأن ما حدث في مصر، هو تعد صارخ علي الشرعية، بعد تنحية رئيس منتخب شرعي، ووجود اعتقالات، وعمليات ترهيب، واعتداءات من السلطات المصرية على أنصار الرئيس محمد مرسي، مضيفا أن هذه الإجراءات غير مقبولة بتاتا، ومخالفة لأبسط أبجديات العمل الديمقراطي، وقد تعرض الغنوشي إلى حملة أكاذيب في الإعلام المصري، وصلت إلى حد الإشارة، إلي توليه موقع المرشد العام للإخوان المسلمين، وهو القرار الذي قيل وفقا للتسريبات، في وجود رجب طيب أردغان، دون أن تحدد متى؟ وكيف؟ وأين تم ذلك؟ والكل ما عدا الإعلام المصري يعرف أن النهضة ليست من أحزاب التنظيم الدولي للإخوان، كما هو الحال بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية في تركيا.
ولعل كل الشواهد تؤكد مدى التشابه الشديد في الحالتين المصرية والتونسية، والاختلاف الوحيد رغم أهميته، ينحصر في موقف الجيشين المصري والتونسي من الأحداث التي بدأت منذ اليوم الأول لاندلاع ثورة الياسمين في تونس، في ديسمبر 2010، وثورة يناير في مصر في الشهر التالي، هما معا انحازا إلى المطلب الشعبي بالتغيير، لم يحم الجيش التونسي كما هو متوقع الرئيس بن علي، فاضطر إلى الهروب للخارج، معلنا نجاح الثورة، وعاد بعدها إلى ثكناته، محافظا على مدنية الدولة، وهو ميراث تونسي طويل، بدأ منذ الاستقلال واستمر حتى الآن، بينما الجيش المصري قرر أن يتصدر المشهد السياسي، خلال مرحلة انتقالية، عبر المجلس العسكري، والذي أشرف على عمليات التحول الديمقراطي، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حتى وصل الدكتور محمد مرسي إلى الرئاسة، إلى أن عاد الجيش من جديد إلى الحكم عبر انقلاب 3 يوليو، بينما ظل الجيش التونسي على احترافيته، على دوره في حماية الشرعية، دون أن يكون له أي دور في الخلافات السياسية المتفاقمة، بين الأحزاب والتيارات في تونس.
وكما كانت الثورة المصرية استنساخا من نظيرتها التونسية، فقد كانت الساحة المصرية هي الملهمة، في صياغة المواقف السياسية لأحزاب المعارضة التونسية لدرجة التطابق، ومن ذلك الإعلان عن قيام جبهة الإنقاذ في تونس، بعد التجربة المصرية وإطلاق حركة تمرد، والبدء في عمليات جمع التوقيعات لإقالة الحكومة بعد إطلاقها في مصر والتخلي عن شرعية الصناديق كما حدث في مصر في 30 يونيه، والاحتكام إلى «شرعية الحشود» والحشود المضادة، وطرح فكرة «شرعية التوافق» في تونس، لمعالجة أزمة التيارات العلمانية واليسارية، محدودة التأثير والتواجد في الشارع، رغم سيطرتها على الإعلام، وانتشارها فقط بين النخب واستخدام الإعلام في تشويه جماعة النهضة، يضاف إلى ذلك الإعلان عن خطة طريق بديلة، وضعتها المعارضة التونسية بعد أن تم إقرار خريطة المستقبل، الفرق الوحيد أن الأخيرة أعلنها الفريق أول عبدالفتاح السيسي، والثانية أقرتها أحزاب المعارضة خاصة الاتحاد الوطني للشغل.
وحتى التحديات التي تواجه البلدين كانت واحدة، وفي مقدمتها الانفلات الأمني، وإن كانت وصلت إلى اغتيال بعض رموز المعارضة، على يد الجماعات السلفية المخترقة من قبل تنظيم القاعدة، بينما لم تصل الأمور في مصر إلى ذلك المستوى، بعد أن شارك التيار السلفي بقوة في العملية الانتخابية، سوى مجموعات صغيرة، تتمركز في سيناء من الجهادية السلفية، التي لا تعترف بالعملية الديمقراطية، ولا بصناديق الانتخابات، ووصل بها الأمر إلى تكفير الرئيس محمد مرسي نفسه، رغم انتمائه إلى تيار الإسلام السياسي، يضاف إلى ذلك الانسحاب الذي تم في المرحلة الأخيرة، في نهاية العام الماضي من اللجنة التأسيسية للدستور، من قبل تيارات علمانية وهو ما حدث أيضاً في تونس، مما أسهم في تعليق عمل المجلس التأسيسي، يضاف إلى التحديات تراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة، والاستثمارات الخارجية، نتيجة تراجع معدلات السياحة، وانتشار الاضطرابات، والاعتصامات والمطالب الفئوية في البلدين، ونظرا لغياب دور الجيش، فقد ظل الصراع في تونس في إطاره السياسي والحزبي، فقد تم الاتفاق على إقالة الوزارة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، لا ينتمي أعضاؤها إلى أحزاب سياسية، تشرف على إجراء الانتخابات القادمة المقرر لها أوائل العام القادم.
ولم تكن تونس الدولة، بعيدة عن محاولة المساعدة في حل الأزمة السياسية في مصر، خاصة في ظل انفتاح رئيسها المنصف المرزوقي، واعتباره من كبار المناضلين في مجال حقوق الإنسان، واعتدال راشد الغنوشي، مقارنة بقيادات محسوبة على تيار الإسلام السياسي، بحكم عمل النهضة مع أحزاب وتيارات مختلفة، أثناء وجود قادتها في الخارج أثناء حكم بن علي، وقد أسهما معا في التوسط بين الرئاسة المصرية وأحزاب جبهة الإنقاذ، وزار المرزوقي القاهرة والتقى مع قيادات المعارضة، ورموز سياسية، وهو ما قام به الغنوشي في نهاية العام الماضي، عندما احتدمت الخلافات وعقد لقاءات بحكم علاقات السابقة، مع رموز المعارضة، وفي المقدمة حمدين صباحي، وعبدالمنعم أبوالفتوح، ومحمد البرادعي، ولكن الأمور كانت تسير إلى الصدام.
ولهذا كان من الطبيعي أن يكون موقف تونس الرسمي متوافقا مع أفكار قادتها، المرزوقي الملتزم بحقوق الإنسان، والغنوشي الداعي إلى التغيير السلمي، والمنطق يقول: إذا لم يكن هذا موقفهم مما يحدث في مصر، فهي دعوة لاستنساخ التجربة، والدعوة إلى انقلاب عسكري، وتدخل الجيش في الحياة السياسية، ضد أحزاب الترويكا الحاكمة، وهكذا يبدو الأمر مضحكا، وغير منطقي.
(عن صحيفة العرب القطرية)