بعد وقت قصير من الانقلاب في
مصر على الرئيس محمد مرسي، بدأ الفلسطينيون يشعرون بالرياح الساخنة للانقلاب تهب عليهم. وربما كان التأثير الأكبر على فلسطينيي قطاع
غزة بسبب الاعتبارات الجغرافية، ولكن الفلسطينيين الآخرين بمن فيهم أولئك المقيمون في مصر؛ لمسوا آثار الانقلاب عليهم، سواء كان بسبب التحريض الإعلامي في مصر أو عبر محاولة تغيير المعادلة الداخلية في الأراضي الفلسطينية لصالح طرف معين.
كانت أولى الخطوات التي اتخذها العسكر في اليوم التالي لانقلابهم على الرئيس محمد مرسي إغلاق معبر رفح مع غزة بحجة الظروف الأمنية في مصر. ومنذ ذلك الوقت يتم فتح المعبر لساعات معدودة بين فترات من الإغلاق الطويل.
تبع ذلك توجيه اتهامات لـ"
حماس" بالتدخل في الشأن المصري، وخصوصاً عبر اتهامها بتنفيذ عمليات اقتحام سجون خلال ثورة "25 يناير" لإخراج معتقلي الإخوان وبينهم مرسي. وتبعاً لذلك، وُجهت لمرسي المحتجز منذ الانقلاب عليه تهمة "التخابر" مع الحركة.
وفي سياق الحملة على "حماس"، تحدث وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم في 31 آب/ أغسطس عن لجوء نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمود عزت (والذي يتولى القائم بأعمال المرشد) إلى غزة، وهو ما نفته الحركة التي نفت أيضاً اتهامات إبراهيم بمشاركة عناصر من كتائب القسام التابعة للحركة في أحداث سيناء. كما نفت "حماس" اتهامات الجيش بتهريب السلاح إلى مصر عبر الأنفاق.
وتعرض الفلسطينيون لحملة تحريض وتشويه إعلامية من جانب المحطات المصرية التي اتهمتهم، مع السوريين، بالمشاركة في الاعتصامات المؤيدة لمرسي في ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" قبل فضهما بشكل دموي. وبلغ الأمر حد التحريض على القتل.
منطقة عازلة؟
من بين القضايا التي يخشى منها الفلسطينيون في قطاع غزة عمليات هدم الأنفاق على الحدود المصرية، والتي تمثل شريان الحياة الرئيس لأهالي القطاع في ظل الإغلاق المتكرر للمعبر الوحيد مع مصر وتحكم الاحتلال الإسرائيلي بالمعابر الأخرى.
ويشار إلى أن عدد الأنفاق بين مصر وغزة يبلغ نحو 1200 نفق، لكن ما كان صالحاً منها قبل الانقلاب لم يتجاوز 220 نفقاً. وبعد عمليات التدمير من الجانب المصري لم يعد يعمل أكثر من 10 أنفاق، بحسب رئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان.
وتبع عمليات هدم الأنفاق إعلان المتحدث باسم الجيش المصري العمل على إزالة المنازل والأبنية التي تقع ضمن مسافة تصل إلى كيلومتر من الحدود مع غزة بحجة الأسباب الأمنية، وهو ما أثار مخاوف فلسطينية من احتمال إقامة منطقة عازلة على الحدود، ما يعني خنقاً كاملاً للقطاع، وهو ما لم يحدث حتى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
فبعد الانقلاب، بدأ الجيش المصري حملته على الحدود مع غزة ضمن عمليات عسكرية ضد من يقول إنهم مسلحون يهاجمون قوات الجيش والأمن في سيناء.
وفي سوابق غير معهودة منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، حلقت مروحيات مصرية في 12 تموز/ يوليو فوق مناطق جنوب قطاع غزة، كما دخلت في أيلول/ سبتمبر مدرعات إلى خط الحدود الأول مع القطاع.
وقد بدأت آثار هدم الأنفاق تظهر جلياً على حياة الفلسطينيين، حيث نفدت كثير من السلع والمواد التموينية من الأسواق، كما بدأ القطاع يعاني من نقص في الوقود ومواد البناء. ويفاقم هذا الأزمة الاقتصادية في غزة التي تبلغ معدلات الفقر بين سكانها نحو 40%، فيما يقدر أن نحو 30% من الاحتياجات المختلفة تأتي عبر الأنفاق.
وتشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن نسبة البطالة في غزة بلغت 27.9% خلال الربع الثاني من عام 2013، حيث يبلع عدد العاطلين عن العمل أكثر من 120 ألفاً، فيما الحصار وهدم الأنفاق يُسهم في زيادة نسبة العاطلين عن العمل، لا سيما مع توقف مشاريع البناء التي انتعشت خلال الفترة الماضية.
وتؤكد الحكومة الفلسطينية في غزة أن اللجوء إلى الأنفاق "أمر اضطراري" لمواجهة الحصار الخانق، وأن الحل الأمثل هو فتح معبر رفح أمام حركة البضائع.
في المقابل، تسعى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس لاستعادة السيطرة على المعبر بموجب اتفاقية المعابر لعام 2005. وتنص الاتفاقية على تولي حرس الرئاسة الفلسطينية ومراقبين أوربيين إدارة المعبر، بمتابعة إسرائيلية عبر كاميرات مراقبة. لكن "حماس" ترفض ذلك، وتطالب بأن تكون السيادة على المعبر فلسطينية مصرية.
ويتسبب إغلاق المعبر بين غزة ومصر بأزمة إنسانية أخرى لسكان القطاع، حيث مصر هي بوابة القطاع مع العالم الخارجي، وبالتالي باتت فئات مثل المرضى والطلاب الدارسين في الخارج والمقيمين في دول أخرى؛ غير قادرين على السفر.
ويضاف إلى كل ذلك، قيام البحرية بملاحقة الصيادين الفلسطينيين الذين يدخلون المياه المصرية، وجرى إطلاق النار باتجاههم حيث قتل صياد على الأقل وأصيب آخرون، كما جرى اعتقال عدد منهم.
الانقلاب والانقسام الفلسطيني:
انعكست المواقف من الانقلاب في مصر على الوضع الداخلي الفلسطيني. وفي هذا السياق، سارعت حركة فتح إلى إعلان تأييدها الانقلاب عبر دعم ما أسمتها "إرادة الشعب المصري" التي عبر عنها في 30 حزيران/ يونيو وإشادتها بالجيش المصري الذي قالت إنه تدخل "لإنقاذ مصر". كما سارع عباس إلى توجيه رسالة تهنئة للرئيس المؤقت عدلي منصور بعد تعيينه من قبل الجيش، ثم قام في وقت لاحق بزيارة القاهرة، علماً بأن عباس كان قد تلكأ في إرسال رسالة تهنئة إلى الرئيس مرسي بعد انتخابه، في حين شهدت غزة احتفالات حاشدة بفوزه.
وتعليقاً على مجازر "رابعة" و"النهضة"، أعلنت حركة فتح انحيازها ومساندتها لما أسمته حق مصر "وحق جيشها الباسل في الدفاع عن أمن واستقرار مصر في وجه الإرهاب".
أما حركة حماس فقد تجنبت إصدار موقف رسمي مباشر تجاه ما جرى في مصر، إلا أن تصريحات لأعضاء في الحركة ورد فيها وصف ما حدث بأنه "انقلاب" ونكسة للمشروع الديمقراطي. وبعد وقوع مجازر منذ مجزرة الحرس الجمهوري في 8 تموز/ يوليو، عبّرت حماس عن "ألمها وحزنها الشديدين" لسقوط ضحايا من "المصريين المسالمين" في "المجزرة"، ودعت إلى "حقن دماء الشعب المصري العزيز".
وبعدما أيدت حركة فتح مجازر "رابعة" و"النهضة" ووصفتها بـ"الحرب المقدسة" ووصلت حد وصف المعتصمين في الميدانين بـ"قطعان الذئاب" والإخوان المسلمين بـ"الأفاعي" و"السرطان"، أدانت حماس على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري هذه التصريحات، ووصفتها بأنها "عمل استفزازي للشعبين المصري والفلسطيني".
وسعت حماس للنأي بغزة عما يجري في مصر، لذلك لم يشأ رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية، خلال خطبة الجمعة الأولى بعد الانقلاب في مصر، إبداء رأيه فيما جرى، معبراً في الوقت ذاته عن ثقته بأن لا خشية على مصير القضية الفلسطينية ومصير غزة.
ومع ذلك، لم تنجُ حركة حماس من هجوم "فتح" والفصائل المتحالفة معها، حيث جرى اتهام الحركة بأنها تتدخل في الشأن المصري والإضرار بالمصالح الفلسطينية.
وفي ظل هذه الأجواء، دعت "فتح" خلال لقاء تشاوري مع "حماس" عقد في غزة في آب/ أغسطس الماضي إلى إجراء انتخابات "لإنهاء الانقسام"، تحت التهديد على لسان عضو اللجنة المركزية عزام الأحمد؛ بدراسة أفكار وإجراءات "مؤلمة ضد "حماس. وردت "حماس" بأنها محاولة "لإلهاء الشعب الفلسطيني في ظل مفاوضات بيع الأراضي الفلسطينية".
وفي أيلول/ سبتمبر دعت "حماس" الفصائل الأخرى إلى تشكيل ائتلاف وطني "لمواجهة نتائج المفاوضات الكارثية والتأسيس لرؤية وطنية شاملة تقوم على التمسك بحقوق شعبنا وثوابته".
وكانت "حماس" قد كشفت في نهاية تموز/ يوليو الماضي وثائق قالت إنها تؤكد تورط السلطة الفلسطينية وحركة فتح في حملات "التضليل" و"الفبركات الإعلامية" و"محاولات التشويه المتعمدة" ضد الحركة عبر الإعلام المصري. وتضمنت الوثائق أيضاً معلومات ومقترحات من "فتح" ومخابرات السلطة حول الحملة الموجهة ضد "حماس" في ظل الأوضاع الحالية في مصر.
وفي هذا السياق، سعت مجموعة أطلقت على نفسها اسم "حركة تمرد" إلى استنساخ التجربة المصرية، ودعت إلى مظاهرات في غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم لإسقاط حكومة "حماس". ولم يظهر أي من أعضاء الحركة، باستثناء بيان صدر باسمها وحمل اسمين قال البيان إن أحدهما هو نائب المنسق العام للحركة والآخر هو الناطق الإعلامي، دون أن يظهر أي منهما، علماً بأن الصحافة المصرية تبدي اهتماماً لافتاً بها.
من جهته، دعا هنية "الشباب لأن لا يذهبوا إلى هذا الطريق أو في هذا الاتجاه لأنه اتجاه خطير، وله نتائج صعبة على شعبنا ووحدتنا، وأدعو الجميع الى الحوار".
وتشير التقديرات إلى أن حركة فتح ربما تسعى لاستغلال التغير الحاصل في مصر لاستعادة السيطرة على غزة، عبر الضغط الاقتصادي والحصار لتأليب المواطنين على الحكومة في القطاع. وفي هذا السياق، قالت وزارة الداخلية في غزة في 5 أيلول/ سبتمبر إنها ألقت القبض على مجموعة كانت تعمل على "استهداف ضرب قطاع غزة وإثارة القلاقل واستهداف شخصيات". واتهمت الوزارة المخابرات الإسرائيلية ومخابرات السلطة الفلسطينية ومخابرات عربية لم تسمها بالوقوف وراء هذا المخطط بهدف إثارة الفوضى. كما أعلنت عن القبض على شخص اعترف بأنه هو المشرف على الحملة في غزة. وتردد اسم محمد دحلان، العضو المفصول من "فتح" والموجود في الإمارات، كأحد الخيوط في هذه القضية.
وفي هذا السياق، اعتبر السفير الفلسطيني في القاهرة بركات الفرا أن "خروج الإخوان من الحكم في مصر بلا جدال يضعف حركة حماس". وحاول الفرا التحريض ضد "حماس"، واتهمها بتحدي الجيش المصري عبر مظاهرات لأعضائها رفعت شعار الإخوان المسلمين وشعار "رابعة"، إضافة إلى مواقف وسائل الإعلام المحسوبة عليها.
وسارع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق عبر قناة دريم المصرية إلى رفض المظاهرة، وقال: "هذا المشهد خطأ، واعترفنا بهذا الخطأ واعتذرنا عنه، لكنه لا تدخل إطلاقاُ في الشأن المصري". كما رفض أبو مرزوق تصريحات للقيادي في "حماس" يونس الأسطل انتقد فيها وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي، وقال: "هذا خطأ كبير والمفروض أن يُحاسب عليه".