يتساءل الكثيرون عن دور المثقف اليوم في ما تشهده المنطقة العربية ودوره في حمل هموم المجتمع التي أثقلت كاهل المواطن.
"عربي21"، التقت عدداً من المثقفين والكتاب وحاورتهم حول واقع
المثقف العربي والفلسطيني ودوره الداعم للقضية
الفلسطينية.
الروائي الدكتور عدوان عدوان طالب بإنصاف المثقفين معتبراً أنّ المثقف خيب ذاته قبل أن يخيب مجتمعه والقضية الفلسطينية؛ والمجتمع خيب المثقف عندما فقد الثقة فيه وشكك بنواياه.
ويصف عدوان المثقف الفلسطيني بأنه "بائس" سيطرت عليه الايدولوجيا والانتماء الحزبي ونزوعه للسلطة والحكومات لأخذ مكاسب، ليصبح مرسخا للسلطات الموجودة باختلاف إشكالها سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية...الخ، بدل أن يكون عامل تغيير، مستشهداً بمقولة المفكر ادوارد سعيد "ينبغي على المثقف أن يعكر دائما السلطة".
ورد ذلك إلى أن المثقف العربي فرد وليس مؤسسة، ولا يوجد من يحميه، ولا يتمتع بالاستقلال الاقتصادي والحماية الأمنية، ويفتقد إلى مؤسسات ذات حصانة ينتمي إليها وتمنعه من الارتماء في أحضان السلطة للحصول على المناصب والجوائز؛ إضافة إلى أن بعض المثقفين "أصابتهم النرجسية وجنون العظمة ما يجعلهم يتناحرون فيما بينهم مما يفقدهم ثقة جمهورهم".
وأضاف، "لا أقول أن على المثقف الابتعاد عن السلطات الموجودة ولكن أتمنى أن يستطيع قول الحقيقة دون ريبة أو خوف من أدوات السلطة".
واعتبر أن المثقف لم يلعب دوراً مهما في التغيير الذي تشهده عدد من الدول العربية والذي قاده في بدايته شباب متحمس لحق بهم فيما بعد المثقفون. قائلا: "لا يوجد دور سياسي للمثقف فهو مثقف عقيم ولا دور له في إنجاب ثقافة عالية أو تغيير في المجتمع، كما أن المثقف الريادي والعضوي مهمش لا يجد الاهتمام الذي يستحق" .
واستدرك قائلا: "الثقافة تلعب دور الترف وليس الدور الأساسي، فعندما تحصل ضائقة مالية أول ضحاياها الثقافة، فتتوقف المؤتمرات وطباعة الكتب، في حين يظل السياسي محصنا ويتبغدد بالمال".
وأكد على دور الإعلام في تهميش المثقف العضوي الريادي وإقصائه لأنّ "الإعلام سطحي وكاذب ويحمل مضامين موجهة لا تتفق وعمق تفكير المثقف وصدقه في نقل الحقيقة إلى الشعب"، بحسب قوله.
وأنكر عدوان على المثقف، ابتعاده عن الشارع وهمومه، والعيش في برجه العاجي وأوهامه، والتحوصل داخل العمل الأكاديمي بدل الانتماء للمجتمع، ما انعكس ذلك على إنتاجه العلمي والفكري الذي اقتصر على دراسات سابقة لا تمس واقع المجتمع؛ إضافة إلى استغراقه بالعودة إلى التاريخ وحفظ القيم الثقافية القبلية على حساب المدنية وما تسبب بتأخر الاهتمام بقضايا الأمة.
كما أكد الروائي الفلسطيني على دور الاحتلال الاسرائيلي بتحجيم دور المثقفين الفلسطينيين، لإدراكه قوة تأثيرهم، فقتل واعتقل وضغط عليهم، "لأنه لا يريد مثقفا مناضلا مضاداً للاستعمار بل يريد مثقفا مطبعا".
ونوه إلى أن المثقف ليس من امتلك معلومات عدة أو حفظ عناوين الكتب، بل هو الذي يمتلك وعياً بالتاريخ وبما يدور حوله في الواقع، ويمتلك وعياً ورؤية، وليس مجرد ذاكرة وحفظ، وإنما صاحب رأي وموقف خلاق وصادم أحيانا لوعي الجماهير.
خذلاناً وخوفاً
بدوره أكد الدكتور عادل أبو عمشة المحاضر في قسم اللغة العربية في جامعة النجاح، أنّ الأدباء والمثقفين تأثروا بالنظام السياسي القائم، وسعى بعضهم للتقرب من الحاكم والحصول على امتيازات، مما انعكس على موقفهم تجاه قضايا الأمة المصيرية.
وأوضح أنه من خلال اطلاعه ودراسته للشعر لم يحس ادراك بعض الشعراء الاخطار التي تحدق بفلسطين. فمثلا في بداية القرن العشرين تلمس بعض الشعراء القضية الفلسطينية مثل ابو الاقبال اليعقوبي واسعاف النشاشيبي وغيرهم الكثير، الا ان شعراء اخرين ولهم وزنهم لم يكن لهم ذك الموقف المطلوب، مثل شعر احمد شوقي، الذي يوصف بأنه (غيري) -أي يهتم بالآخر- وأنكر ابو عمشة موقف شوقي "الذي كان عليه استثارة قضية فلسطين والحديث عنها بعمق".
مستذكراً يوم بويع أحمد شوقي عام (1927) بإمارة الشعر، كانت فلسطين من الدول الأربع التي حضرت الاحتفالية بمشاركة المفتي أمين الحسيني الذي لم يسمح له وقتها بالحديث بحجة أنّ فلسطين ليست دولة مستقلة.
وفي الوقت الذي كان يطالب كثير من الشعراء أحمد شوقي بالكتابة عن فلسطين لعل العالم يعرف هذه القضية من خلال قصيدته، كما اعتذر عن حضور المهرجان الذي عقد في فلسطين لتكريمه لكنه زار لبنان وسوريا وبلاداً عربية اخرى، وكتب قصائد عن همومها فكان في قصائده تلك ثوريا ضد الاحتلال الفرنسي.
منوها إلى أن ما تحدث به عن فلسطين كان على استحياء وبخمسة مواضع، حتى حين تحدث عن القدس تناولها بشكل تاريخي لكن ليس عن معاناة الواقع.
المثقف الفلسطيني منقسم مع الانقسام
وفيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي قال الناشط الشبابي الدكتور أسامة أبو جامع، أنّ المثقف الفلسطيني "لعب دوراً هاما في توعية المجتمع وفي نضاله ضد الاحتلال الصهيوني إلا أنّه تراجع هذا الدور في الفترة الأخيرة وبالأخص فترة الانقسام التي كممت فيها الأفواه وقمعت الكفاءات العلمية في شتى المجالات، فكان تراجعاً ملموساً للمثقف في ظل ملاحقات أمنية نتيجة اختلاف في الرأي ووجهات النظر مما أدي ذلك إلي تدهور واضح في النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتراجع سياسي واقتصادي، وانهيار في أبعاد القضية الفلسطينية وتخلي عن الثوابت مقابل الغذاء".
وأرجع أبو جامع سبب كل ذلك إلى "تعنت الفصائل التي تمتلك القوة ولا تمتلك الرأي، وتفضيلها مصالحها الخاصة على العامة".
وأوضح أن المثقف يعاني من "ويلات الملاحقات الأمنية، وهذا ناقوس خطر يطارده في كل مكان مما يصعب الدور عليه إلا أنه وفي ظل كل ما ذكر يمكن للمثقف أن يعمل من خلال الحث علي اللُحمَة الفلسطينية والمطالبة المستمرة بكل طاقة سلمية في إنهاء الانقسام من خلال النواحي الاجتماعية والثقافية والرياضية".
ونوّه الى الدور الذي يمكن أن تمارسه "المؤسسات المجتمعية في زيادة قدرة المثقفين على إيصال رؤاهم لامتلاكها الشرعية التي تمنحها إيها السلطة الحاكمة وموقعها الاجتماعي".