لا خلاف على أن الأخبار الوطنية السارة و التي نفترض بها أن تأتينا من
فلسطين بشرقها وغربها، وشمالها وجنوبها، قد أصبحت في الآونة الأخيرة شحيحة وقليلة، فلا شيء يسر الخاطر، وها هو المعدل البياني لفعل المقاومة والمواجهة والإصطدام مع العدو الصهيوني وبما يزلزل كيانه قد غدا يعاني من الإنخفاض الشديد والحاد، في الوقت الذي لا تتوقف فيه الممارسات الإجرامية المتصاعدة التي يقوم بها وينفذها هذا العدو وعلى مدى مساحة كامل الوطن الفلسطيني المغتصب.
نقول ذلك ونحن نتساءل وبأعلى درجات الحزن والأسى عن ثورة شعبنا، وعن جمرها إن كان لا يزال متقدا تحت الرماد الذي بدأ يتكاثر ويزداد ويعلو في سماكته حتى أصبحنا نبحث وبالمجهر عن الحرارة، وعن الدفء اللذان يفترض فيهما أن ينبعثا من هذا الجمر الذي سنبقى نراهن عليه وعلى إشتعاله، لأنه الأمل الذي ليس لنا سواه، وهو الوسيلة والطريق الذي ننتظر أن نرى فلسطين الحرة في نهايته، وهذا لن يتحقق إلا عبر شعبنا وبما لديه من مخزون النضال والكفاح، نعم، بالإعتماد على شعبنا أولا وأخيرا وعلى قواه الوطنية سيتجدد العهد، والوعد، بالتحرير والعودة، وطرد المحتل الذي لا مناص ولا بديل لنا عن مقاومته وعن التصدي لجبروته وفاشيته وعنصريته.
ولكن، كيف لذلك أن يتحقق؟ وزعران دايتون وكتائبهم يقومون اليوم بتنفيذ أبشع ما يمكن أن يتصوره العاقل من أدوار ومهمات قذرة ومشبوهة، كيف يمكن لهذا الرماد أن لا يتكاثر؟ وهذه الكتائب لا هم لها سوى أن تكون حاجزا و سدا منيعا بين شعبنا وعدوه الصهيوني، كيف يمكن لأحرار شعبنا وكل الوطنيين من أبنائه أن يثوروا في وجه طغيان عدوهم؟ وهذه الكتائب وزعرانها تواصل ملاحقتهم وإعتقالهم من محافظة إلى محافظة تحت حجج وذرائع الحملات الأمنية، بالأمس كانت محافظة جنين، واليوم ها هو رحالهم يحط في محافظة جبل النار نابلس وما يتبعها من قرى وبلدات.
هذا هو الخبر الذي يكمن في داخله الوجع الذي يجب أن يندى له جبين كل وطني حر وشريف، ففي وسط هذا الأسبوع ومع إشراقة شمس يوم الإثنين الماضي وصلت الكتيبة التاسعة من قوات ما يطلقون عليه كذبا بالأمن الوطني إلى مشارف محافظة نابلس معلنين بذلك بداية الحملة الأمنية لتطهيرها من بؤر الفلتان الأمني، والخارجين عن القانون، وتجار المخدرات والسلاح كما طاب للمتحدث الرسمي باسم هذه الأجهزة الجنرال عدنان الضميري أن يصرح، ولمن لا يعلم فالكتيبة التاسعة التي يزيد عناصرها عن 500 فرد، ينظر اليها على أنها الكتيبة التي تضم بين صفوفها النخب الأكثر تدريبا وتسليحا بين كتائب هؤلاء الزعران.
تركيع محافظة نابلس وإعتقال كل إنسان وطني يسكن فيها، أو في البلدات والقرى المجاورة و التابعة لها هو المطلوب، وهذا هو الأمر الرئاسي الواضح والصريح الذي صدر عن سيادة الرئيس محمود عباس لهؤلاء الموظفين الزعران في هذة الأجهزة الأمنية التابعة لسلطته العبثية، وهذا الأمر، ما هو إلا تنفيذ صادق، ومخلص، وأمين لمقتضيات وإحتياجات سياسة التنسيق الأمني مع عدونا الصهيوني التي يغرق فيها الرئيس، وسلطته، وكل مؤسساتها، وفي المقدمة منها مؤسسته الأمنية التي يحتمي وراء قمعها وعمالتها مع هذا العدو المجرم.
أما البشاعة التي ظهرت وتجلت في الصور الخاصة بالكتيبة التاسعة وعناصرها التي نشرتها الكثير من المواقع الإخبارية فالنظر إليها يغني عن كل الكلام، أرتال من السيارات السوداء، وأفراد ظهروا كالوحوش في لباسهم وتجهيزاتهم، وهذه هي المقدمة الضرورية لإستعراض الجبروت والعضلات في شوارع وأزقة محافظة نابلس وما حولها، بهذا الأسلوب البهلواني والفارغ يريدون إخافة سكان نابلس وقراها، فلمثل هذا اليوم أعدهم دايتون، ولمثل هذه المهمة دربتهم وسلحتهم وأنفقت عليهم وكالة الإستخبارات الأمريكية، ولمثل هذة الغاية يفتح لهم جهاز الموساد الصهيوني ذراعيه ويقف خلفهم ما داموا ملتزمين بتنفيذ تعليماته وأوامره، وما داموا يجسدون كل متطلبات ومقتضيات سياسة القمع نيابة عنه.
كل وزارات ومؤسسات سلطة رام الله لا تنفك ولا تتوقف عن الردح والتذمر بسبب التأخير الذي أصبح يتكرر شهريا وذلك فيما يخص إستلام الرواتب الموعودة في موعدها، إلا هذه الأجهزة الأمنية وعديدها من المنخرطين في صفوفها، فلا صوت لهم ولا تصدر عنهم أية شكوى، لأن الجزاء هنا يأتي على قدر الوفاء والإلتزام بالتعليمات، وهذا ما نراه منعكسا في ما تقوم هذه الأجهزة بتنفيذه اليوم في نابلس، وهذا ما سوف تواصل تنفيذه في باقي محافظات الوطن غدا.
إن شعبنا وقواه الوطنية المخلصة هم المسؤولين عن لجم وردع هذه الأجهزة ومنعها من التمدد والإنتشار السرطاني الذي يجري الإعداد والتجهيز له ليكون حاميا و مترافقا مع مهزلة المفاوضات، وزيف وكذب السلام الموعو، وهذا ما ينطبق كذلك مع الحل الإقتصادي الذي تقوم الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية بالترويج له، فهذا الحل لن يمر ولن ينسحب إلا على مجموعات بشرية مسلوبة الإرادة وبلا أي وازع أو دافع وطني، وهكذ يضمن عدونا الصهيوني حاجة البقاء في مأمن من أية محاولات أو أنشطة قد تؤثر على أمنه وإستقراره، وهذه المهمة لن يستطيع النهوض بها والسهر على تحقيقها إلا زعران هذه الأجهزة القمعية التابعة لهذه السلطة.
إن هذه الأجهزة وبكل العاملين في صفوفها ستظل على محك تاريخي وخطير، لأن عليها أن تختار مكانها وموقعها الصحيح، فإما أن تكون مع شعبها وإما أن تكون ذراعا ضاربا لصالح عدونا وجرائمه، وهذا هو للأسف دورها الذي تلعبه وتنفذه حتى اللحظة، ومن هنا تأتي الدعوة للشرفاء في هذه الأجهزة إن وجدوا بضرورة التمرد على هذه السياسات وهذه الأوامر المذلة والمشينة وبغير ذلك فموقعهم الحتمي لن يكون إلا تحت أقدام شعبنا حتى يرتدعوا ويعودوا إلى رشدهم وهذا هو الفارق بين الرجولة الوطنية وبين بيع الذمم والتعامل مع الصهاينة المجرمين الذين ركعوا أمام أقدام الأحرار من رجال جنين ونابلس.