لست في موقع الدفاع عن الأجهزة الحكومية المختلفة، وليست هناك مقاييس موضوعية لتقييم مستوى أدائها بحسب إمكاناتها المتاحة. لكن ما حدث لدينا من ارتباك وصعوبات وضغوطات في التعامل مع "الأيام الثلجية" السابقة، هو أمر ممكن، ويحدث في دول العالم المختلفة، حتى المتقدمة منها؛ مع الأخذ بعين الاعتبار للفارق في الإمكانات والقدرات المتاحة للتعامل مع حوادث طبيعية، مثل الأعاصير والفيضانات والعواصف، غير التقليدية، التي تتجاوز الحدود المألوفة والقدرات المتاحة للأجهزة المحلية.
وأزعم أنّ هنالك أجهزة، مثل الدفاع المدني والأمن العام والقوات المسلّحة، قامت بما يتجاوز طاقتها الاعتيادية. ولا أريد هنا أن نكرر ونجتر ما أصبح "معلوماً من الهم الوطني بالضرورة"، بأنّ العاصفة كشفت حجم الفساد في الشوارع والبنية التحتية، وغياب الرقابة على تلك المشروعات التي كلّفت الخزينة مئات الملايين!
لكن أسوأ ما وضعته الأيام الثلجية أمام أعيننا، هو "عيوبنا الثقافية". فمشكلة الأجهزة الحكومية تمثّلت في غياب الثقافة المطلوبة للتعامل مع الثلج. إذ بالرغم من وجود تحذيرات وتنبيهات من قدوم عاصفة قطبية كبيرة وعميقة، فإنّ تعامل الأجهزة الرسمية معها، كان كما تعوّدنا، هو بأسلوب الفزعة والارتباك الإداري، كما لو أنّ المسؤولين تفاجأوا بها! إذ لم يشعر المواطنون بأنّ هنالك خطة محكمة من قبل "الأمانة" أو الأجهزة المختصة، وقبل ذلك الحكومة، تتضمن السيناريوهات المختلفة للعاصفة، ومراحل التعامل معها، أو حتى الإعداد المناسب للرأي العام بشأن الطريقة المطلوبة للتعامل مع هذه الأحوال.
كان المطلوب أن تكون هنالك تصورات مسبقة وسيناريوهات وحلول، وتوزيع واضح للمهمات، والتأكّد من الاستعدادات، بما يتجاوز نطاق الحكومة، إلى الإعلام والقطاع الخاص والمجتمع المدني الذي يمكن أن يساهم في هذه الحالات. وكذلك تشبيك قنوات الاتصال بين هذه الجهات المختلفة، وتكريس فكرة "المبادرات" في اتخاذ القرارات المطلوبة لدى المسؤولين. بالطبع، لم يحدث أيّ من هذا، بل على العكس؛ أثبت المنعطف أنّ ثقافة المسؤولين لدينا، ليس فقط في السياسة والاقتصاد بل وحتى في مختلف المستويات الإدارية، هي ثقافة الفزعة!
على هامش ذلك، تبدو المشكلة أكبر عندما تستمع إلى بعض هؤلاء المسؤولين، بخاصة بعض المحافظين. إذ تكتشف (وأعتذر من القراء على المصطلح) أنّهم أمّيون، في الإدارة والسياسة والإعلام؛ فلا يكاد أحدهم يكمل جملة مفيدة، أو يشرح الموقف العملي بكلمات مفهومة. أحد هؤلاء المحافظين، كانت "محافظته" مقطوعة عن الخارج؛ شوارع مغلقة، وكهرباء مقطوعة، ولا توجد وسيلة تواصل بين المواطنين والأجهزة المختلفة، فيما هو يكرّر جملة واحدة فقط عندما يسأله المذيع: "هنالك تساقط كثيف للثلوج، لكن الأمور جيدة!، ولا توجد مشكلات"!. "لكن ماذا عن مشكلة انقطاع الكهرباء؟!"، "نتعامل مع الشكاوى أولاً بأول!". ربما ما يخطر مباشرةً للمشاهد هو كلمة عادل إمام الشهيرة، في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة": "أنا عاوز أضيف؛ هي كانت رقاصة وبترقص"!
المشكلة باختصار، هي أننا "لا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب"، ما ندفع ثمنه في الجامعات والمواقع الإدارية المختلفة.لم نتحدث عن ثقافة المواطنين في التعامل مع الثلج، وهي كارثة أخرى؛ عندما يعلق الآلاف بسياراتهم في الشوارع العامة، مع عائلاتهم، وقد خرجوا لأسباب تكاد تكون مضحكة في هذه الظروف الاستثنائية. ومثل هذه الثقافة تحتاج إلى تحليل موسّع من المختصين!
مع ذلك، لا بد من أن نسجّل بعض عناصر القوة، مثل المبادرات الاجتماعية من قبل الشباب، من مختلف الألوان السياسية، لمساعدة المحتاجين؛ وكذلك الجهود المذهلة لجمعية الكتاب والسنة في مساعدة اللاجئين السوريين داخل مخيّم الزعتري وخارجه.