بعد تفجير مديرية أمن
الدقهلية كان الناس مشغولين بالحدث وتفاصيله وكيف تم ومن المسؤول عنه ولماذا نفذ؛ بينما كنت مشغولا بالبحث عن ردود فعل الإعلام الموجه من قبل الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة لأفهم ما سيترتب عليه، إذ أن الأهم من التوقف عند الحدث هو البحث عن دلالته في المستقبل، فوجدت أن الحملة التي أطلقتها الشؤون المعنوية بعد التفجير بدقائق هي ضرورة إعلان الاخوان جماعة إرهابية ثم بعد التفجير بساعة او ثنتين استقيظ حازم الببلاوي من نومه ليصدر قرارا عن إعلان الاخوان جماعة إرهابية ثم بعدها بدقائق يتراجع بتصريح آخر مفاده إن الحكومة لا تزال تدرس الأمر، والحقيقة أنهم ما رغبوا أن يمر الأمر دون مزيد من الشحن والاحتفال. ثم تم تحميل
الإخوان سريعا المسؤولية وتم الدعوة لمهاجمتهم وبيوتهم ومحلاتهم، حتى بعد أن أعلنت جماعة بيت المقدس المسؤولية عنها إلا أن الإعلام "السيساوي" تجاهل الأمر لغرض خطط له .
كعادة الأحداث في
مصر، فإن أي حدث لا يمر دون توابع أهم منه، بل ربما يتم اختلاق الحدث لأجل التقديم لتلك التوابع، ففي تفحيرات دهب وشرم الشيخ كان النظام جاهزا لفرض وتجديد الطوارئ من جديد بحجة أننا نمر بموجة إرهاب، وفي تفجيرات الحسين وعبدالمنعم رياض كذلك، وفي كنيسة القديسين كان النظام يعد لقانون "الإرهاب" وبدأ حملة الترويج له إلا أن الثورة قلبت موازينه، وما لبث الانقلاب العسكري لاحقا أن أعاد الحياة لهذا المسار من جديد وسار على خطواته ?نه إبن شرعي لتلك المرحلة القذرة ، بكل ما تحمله من قبح و ظلم وقمع وقهر، إلا أنه فاقها في حجم الوحشية ليعود بنا إلى ذاكرة الستينات حيث ناصرية السجون والمعتقلات والتصفيات والمؤامرات.
كان قد تم إعلان قانون التظاهر ولكنه قد فشل في الحد من التظاهرات وقوبل بحجم مظاهرات أكبر من الطلبة، ثم أعدت السلطة قانونا خاصا لمواجهة "الإرهاب"، وهذا القانون له مادة مرجعية في الدستور العسكري الذي سيتم ارهاب الناس للاستفتاء عليه، ولم ترغب دولة مماليك السيسي أن تعرف ما هو "الإرهاب" لتواجهة ?نها أرادت بالتحديد أن تقولبه في شكل جماعة لاحقا. وبعد أن تم اصدار قانون الارهاب وقانون التظاهر وإقرار مادتي الإرهاب في الدستور بقيت خطوة أخيرة وهي إعلان أن الخصم السياسي المنقلب عليه "الإخوان" هم المقصود بكل ذلك، ولم يكن مناسبة لإعلان ذلك خيرا من انفجار الدقهلية وتوظيف الدم فيه لصالح القانون إن لم تكن السلطة هي من حضرت المسرح والجمهور والضحية! وأعلنت الإخوان جماعة مقصودة بكل قوانين القمع.
وعليه يصبح التعامل مع الجماعة وفعالياتها وأفرادها "استثنائيا" يخضع لقوانين الحرب لا قوانين حقوق الإنسان ولا قواعد المواطنة والدولة، وبناءا على حزمة القوانين تصرح وزارة الداخلية بإعدام قائد "المظاهرات" وهو الأمر الذي ليس موجودا في أعتى فاشيات العالم، ويكون التعبير عن الرأي في مظاهرة جريمة تستحق عليها 5 سنوات سجن؛ وهي عقوبة لم يأخذها قناص العيون في مواجهات محمد محمود، وهكذا يصبح الدهم والاعتقال والتصفية والقمع والتعذيب والإرهاب من الدولة مطلق اليدين بقوة "قانون الإرهاب".
فضلا عن ذلك، أعلن النظام عدم رغبته المطلقة في حل سياسي، وأنه يرغب في استكمال المواجهة حتى آخر قطرة دم معارض للانقلاب، فهو بعقلية الفاشيستي العسكرية يرغب دوما في وضع خصمه في جبهة ثم قصفة وسحقه، ويرغب أيضا أن يجلس كبير فراعنته على كرسي الرئاسة وقد سحق كل الخصوم في مرحلة الفوضى التي يفتعلها ويخرج كل ردود الأفعال المعارضة له قبل أن يستقر على عرش مصر ويقول "أليس لي ملك مصر هذه الأنهار تجري من تحتي" ؟!.. ولكن "أضل فرعون قومه وماهدى"!!