"إسمه يتسحاق رابين رجائي النماسي، ولا يختلف عن أي مراهق
إسرائيلي عمره 17 عاما، يرتدي القبعة الخاصة بالمتدينين يوم السبت، ويؤمن بالكثير من المبادئ اليهودية "ميتزفوت". ومثل بقية المراهقين في سنه يحلم بالخدمة في الجيش الإسرائيلي والمشاركة في مواجهات دفاعا عن الدولة".
"لكن هناك شيء غير طبيعي يتعلق بحياة النماسي، بدءا من اسمه الأول والثاني، حيث سماه والديه على اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اغتيل عام 1995 قبل أشهر من ولادته. وهناك ملمح آخر متعلق بحياة رابين فهو ليس يهوديا بشكل رسمي ولا حتى إسرائيليا بل أردني مسلم هربت عائلته من الأردن بعد ولادته بسبب اسمه. وفي هذه الأيام ينتظر يتسحاق مع والدته مريم قرار الحكومة الإسرائيلية لتمديد إقامة العائلة في اسرائيل التي تعيش فيها منذ عام 1998".
ومنحت وزارة الداخلية الولد والأم إقامة مؤقتة ظلت عرضة للتجديد بين الفترة والأخرى، فالعودة للأردن بالنسبة لهما هي مسألة حياة أو موت.
وظلت وزارة الداخلية الإسرائيلية تماطل في الرد على عريضة تقدمت بها العائلة منذ سنوات، وتقول المحامية التي تتولى القضية ان العائلة تنتظر ردا إيجابيا عليها يتوقع قريبا.
وتشير مجلة "اتلانتك مونثلي" إلى أن قصة رابين الأردني كانت محل اهتمام الصحافة المحلية الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة. حيث تنتظر عائلة الولد الذي أطلقت اسم مولودهاعلى اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق رابين الذي اغتيل عام 1995 على يد متطرف يهودي قبل ولادة هذا الولد بأشهر.
وتنتظر مريم وابنها رابين ردا من وزارة الداخلية الإسرائيلية على عريضة تقدمت بها للسماح لها الإقامة وبشكل دائم في إسرائيل. فهما يعيشان في هذا البلد منذ عام 1998 ومنحت لهما الداخلية إقامة مؤقتة كانت تجدد بين الفترة والأخرى.
وبالنسبة للعائلة فالعودة إلى الأردن هي مسألة حياة أو موت. مع ان محامية العائلة اخبرتها بقرار متوقع وقريب من وزارة الداخلية بشأن الإقامة. وتقول المجلة "عندما وصلنا اليه بالهاتف كان يتسحاق على ما يبدو متعبا من الاهتمام الإعلامي به".
وأخبر رابين الأردني نيري زيلبر قائلا "لقد تمت الموافقة على الطلب، وتلقينا رسالة من وزارة الداخلية، وننتظر الإنتهاء من الإجراءات". وقال "ومن المتوقع حصولنا في غضون أسابيع". وعلى خلاف تأكيد رابين الأردني فقد كان رد محامية العائلة نعومي غونين أكثر حذرا في إجابتها ان لا شيء مضمون حتى ترى بطاقة الهوية في يد العائلة.
وتقول الصحافية إن إسحق الأردني يتحدث العبرية بطلاقة ويبهر كلامه بعبارات دينية، "وتخرج بالحديث معه أن هذا المراهق لا يهتم كثيرا بالزوبعة التي تدور حوله، فكل ما يريده هو أن يكون مثل أصدقائه، وزملائه في الصف ويعيش حياة عادية لاول مرة في حياته". ويقول " أريد أن اصبح ضابطا في الجيش وأواصل طريق يتسحاق رابين، عطرت ذاكرته".
وقال في مقابلة تمت في تشرين الثاني/يناير "أريد أن اقدم للدولة بطريقة تجعل من يتسحاق فخورا بي، ولا أعرف ما هي المشكلة هنا".
وتقول الصحافية إن والدة رابين الأردني لديها معرفة أكثر بالواقع وتفهم الظروف التي مرت بهما وتعرف أن حياتهما لن تكون عادية، ففي مقابلة تمت في الشقة الصغيرة التي تسكن فيها بمدينة إيلات.
فقد تحدثت بلغة فخر وتحد وحديث امراة ناضجة، مريم (46 عاما) وتعاني من الكثير من المشاكل الصحية نظرا لعملها حول المنظفات السامة في المطاعم والمصانع وتعيش على معونة وزارة الشؤون الإجتماعية وخضعت لعمليتين جراحيتين الشهر الماضي وحده. وعن والد يتسحاق فقد ترك العائلة منذ سنوات، ومع أنه لا يزال يعيش في إسرائيل لكنه لا يتصل مع العائلة.
وتحدثت مريم بعبرية واضحة أن كل ما تريده هو مستقبل ابنها "فرجلها في القبر" بسبب أمراضها و"كل ما أريده في هذه الحياة هو ان يعيش ابني حياة جيدة ويواصل تعليمه ومدرسته، وكل ما اريده هو حماية حياة ابني".
وحماية يتسحاق كانت مهمة مريم منذ ولادته عام 1996 في مأدبا لعائلة بدوية، عام 1996. أي بعد شهرين من اغتيال رئيس الوزراء رابين. وتقول إنها قررت إطلاق اسم رابين على مولودها للإحتفال بمعاهدة السلام الإسرائيلية- الأردنية عام 1994 بين رابين والملك حسين. ولولا تدخل الملك الأردني لما وافقت وزارة الداخلية على اصدار شهادة ولادة لابنها حيث قال "دعهم يطلقون ما يشاءون من اسم على مولودهم".
وتقول إن العائلة عاشت في خوف خاصة بعد مرض الملك حسين ووفاته لاحقا عام 1999، حيث انتقلت من مكان لأخر واجبرت أحيانا على النوم في حافلة وفي بيت آمن عند خالها. وعرضت ألمانيا منح لجوء للعائلة خاصة أن زوجها عاش سابقا هناك، لكن مريم لم تكن راغبة بالعيش بعيدا عن عائلتها. وعندم جاءة أرملة رابين "ليا" للاردن "وتبنت" العائلة حسب مريم، فهمت العائلة أن أيامها في الأردن اقتربت على النهاية "كنا نريد الهدوء" و "لم يكن باستطاعتنا البقاء في الأردن".
قدمت ليا رابين العون للعائلة في سنواتها الأولى في إسرائيل حيث أسهمت في تذليل الكثير من الصعوبات التي اعترضت العائلة خاصة مع البيروقراطية الإسرائيلية، ولكن ليا توفيت عام 2000. وبعدها عانت العائلة من مشاكل كثيرة.
وبسبب اسم رابين تقول إن الفلسطينيين في إسرائيل تحرشوا بابنها حيث "وضعت عائلاتهم الكثير من الأشياء في عقولهم". كما لقيت مصاعب من زملائها الفلسطينيين في العمل. وتقول إن شقيقها قتل على عصابة انتقمت بسبب " اسم رابين" وعندما ذهبت مع رابين لحضور جنازة شقيقها. وحصلت فيها معركة اصيبت فيه، وكانت المرة الأخيرة التي تذهب فيها لبلدها.
وللابتعاد عن العرب الفلسطينيين في وسط إسرائيل قررت العائلة الإنتقال إلى إيلات على البحر الأحمر، حيث تعيش منذ 11 عاما، وهذا ما يفسر طريقة تصرفات رابين حيث كبر كأي ولد إسرائيلي، وأحاط نفسه بأصدقاء يهود ويتحدث دائما باللغة العبرية وتبنى الدين اليهودي.
وعلى الرغم من استمرار مريم الإتصال بعائلتها والتحدث معها عبر الهاتف وتجديد جوازات سفرهما إلا ان رابين يرفض أي شيء يربطه بالأردن او حتى الثقافة العربية "يسمعني أتحدث باللغة العربية ولكنه لا يريد الاستماع اليها" تقول مريم ضاحكة. و "اتحدث معه بالعبرية، وبهذه الطريقة تعلمت اللغة ولكنه يرفض التحدث بالعربية".
وتقول مريم إن المسالة بالنسبة لرابين لا تتعلق بمستقبله ولا أمنه بل بقلقه الوجودي فهو "لا يعرف نفسه".
وتأمل أن تقوم السلطات الإسرائيلية تصحيح الوضع ومنحه الإقامة الدائمة، "آمل ان يقوم هذا البلد باتخاذ القرار الصحيح تجاه ابني وهذا هو حلمي"، مشيرة " لا يستطيع أن يذهب إلى أي مكان آخر ولا بلد له غير هذا البلد".
وعندما سألتها إن كانت نادمة على إطلاق اسم رابين على ابنها أجابت بدون تردد "لماذا أندم؟" "يتسحاق- اسحق كان نبيا لليهود والمسلمين، ورابين، كل الأردنيين كانوا يريدون السلام، فلماذا أندم؟".