في حي المعاجين بنابلس شمالي الضفة الغربية، ومع بدايات فصلي
الشتاء والربيع من كل عام، حيث الطقس الجميل، والجو المشمس، يتحول الأطفال
الفلسطينيين في الأحياء الشعبية، والأرياف، ومخيمات اللاجئين، في مجموعات صغيرة، ليمارسوا لعبتهم الشعبية المفضلة "
البنانير"، التي تتوارثها الأجيال الفلسطينية جيلا بعد جيل.
ولعبة "البنانير"، تعتبر من بين الألعاب
التراثية، التي تعرفها الأجيال الفلسطينية، من عصور طويلة، بل إن الكثير من الشباب، أو الكبار في السن، يتوقون إلى ممارسة هذه اللعبة، وفي بعض الأحيان يشارك الكبار أطفالهم الصغار، هذه اللعبة، أو يعلموهم طريقة لعبها وفقا لأصولها المتعارف عليها.
ولكي تلعب "البنانير"، لابد من مشاركة لاعبين اثنين كحد أدنى، وقد يصل عدد اللاعبين إلى خمسة في بعض الأحيان، حيث يحضر كل لاعب ما يملكه من "البنانير"، أو "الغلول" (كرات من الزجاج الملون)، ويرسمون مثلثا على الأرض، يطلق عليه اسم "المور"، ويضع كل لاعب فيه، عددا متساوٍيا من البنانير.
ومع صفارة البدء يقف اللاعبون بعيدا عن "المور"، مسافة مترين أو ثلاثة، ويضعون بنورة واحدة فقط، في مركز التصويب تسمى "الرأس"، ليبدأ التصويب تباعا على مجموعة البنانير الموجودة داخل المور، وفي حال تمكن أي لاعب من إصابة وإخراج البنانير خارج إطار المثلث "المور"، تصبح البنانير التى خرجت، ملكا لهذا اللاعب، وهو ما يعني إحرازه نقاطا، قد تجعله هو الفائز في هذه اللعبة.
ورغم أن هناك أنواع كثيرة من أشكال البنانير، لكن عبد الله ناصر (13 عاما) يفضل "البنور الحلبي"، حيث يغلب عليه اللون الأبيض، ويكون مميزا بين باقي البنانبر، ويستخدمه الأطفال كـ"رأس" في التصويب على الهدف، معتقدين أنه سيكون أوفر حظا من غيره.
الطفل عمر صقر (9 سنوات) من مخيم عسكر شرق نابلس، يهوى لعبة البنانير، ولديه حوالي 100 بنورة ويقول: "أحتفظ بهذه البنانير، طوال العام لألعب بها مع أصدقائي، في الشتاء والربيع، ونحن نتنافس فيما بيننا، فيمن يملك أكبر عدد من البنانير، ومن يملك أنواعا أفضل".
"البنانير" المفضلة، والأكثر شيوعا، بحسب عمر، هي "الكوبرا"، لونها أسود وعليها خطوط صفراء، و"الشمبر"، شفافة وبداخلها خطوط صغيرة، و"الحلبي" الأبيض، و"الفسفس"، ويتميز بأن حجمه أصغر.
من جانبه قال أستاذ التربية الرياضة بكلية الروضة في نابلس أحمد طلب إنه "عادة ما يكون هناك تحالفا خلال اللعب ما بين لاعبين أو أكثر ضد لاعب أو لاعبين آخرين بنفس اللعبة، بحيث يمكن أن يضحي أحدهما بالنقاط مقابل منحها لشريكه، الذي قد يكون لديه مهارات أفضل منه، للتغلب على باقي اللاعبين".
وأضاف أن "هذه اللعبة عادة ما تنتشر في الأرياف، والمخيمات بشكل لافت، فيما يقل الاهتمام فيها داخل المدن، وذلك لأسباب مختلفة، من بينها توفر الساحة الرملية، أو التربة التي تمنح اللعبة ميزة خاصة، إضافة للبعد الشعبي التقليدي في هذه المناطق، حيث يكون هناك قرب من نفسية الأطفال، والبيئة، التي يعيشون فيها".
وتابع: "تعد هذه اللعبة، بديلا لهم عن عدم توفر الملاهي، والألعاب الأخرى، كما أن العلاقات الاجتماعية والأسرية تكون قوية ومترابطة بين أطفال الريف، والمخيمات أكثر من المدن".
من جهته لفت أستاذ علم النفس، وتربية الطفل، في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، غسان ذوقان، الانتباه إلى الدلالات التربوية لهذه اللعبة، قائلا إن "البنانير تنمي القدرات الحسية، والتوافق العصبي والعضلي لدى الأطفال، مما ينعكس على تنمية القدرة على التركيز، فالطفل يكون أمامه هدف، وعليه أن يتحكم بمقدار قوة الضربة، وتقدير المسافة اللازمة، ليتمكن من إصابة أكبر عدد من البنانير ليحظى بها".
ويرى أن لعبة "البنانير "من شأنها أن تعزز العلاقات الاجتماعية، والتقارب والصداقة بين أبناء الحي، كما أنها تساهم في اكسابهم لذة الشعور بالفوز، إضافة لكونها تفيد في قضية تعود الطفل وتربيته على تقبل النتيجة أيا كانت، سواء كان خاسرا أم فائزا".
لكن ذوقان يحذر من الآثار السلبية التي يمكن أن تنعكس من هذه اللعبة، وهي "المقامرة"، بحيث يتملك الفائز البنانير، التي يقامر بها، لذلك فإن الأهل مطالبون بتنبيه أطفالهم على طريقة اللعب، حتى لا يعتاد الطفل على المقامرة، وتتحول من مجرد لعبة إلى أسلوب حياة.