"لا حديث يعلو فوق حديث الإرهاب في ذكرى ثورة 25 يناير" .. كأن الصحف
المصرية قد رفعت هذا الشعار اليوم السبت 25 كانون الثاني/ يناير 2014، إذ وجهت غالب اهتمامها للحديث عن الحوادث الارهابية الغامضة التي وقعت بأنحاء مصر الجمعة، ووظفتها، متماهية مع سلطات الانقلاب، في التعتيم على الزخم الشعبي المناهض للانقلاب في الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، وأسوأ من ذلك: استغلالها لوصم جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب، وتحميلها مسئولية هذه الحوادث، على الرغم من إعلان جماعة "أنصار بيت المقدس" مسؤوليتها عنها.
والأمر هكذا، توسعت صحف السبت في تغطية تلك الحوادث، ونقلت تهديدات مسؤولي السلطة بالقصاص، وقامت بتغذية المخاوف الشعبية من النزول والاحتشاد اليوم السبت في ذكرى الثورة، كما حاولت تعبئة الشعب في اتجاه مناهضة المظاهرات السلمية، وتجاهل إعادة الاعتبار لمطالب ثورة 25 يناير، فضلا عن النيل من جماعة "الإخوان المسلمين" باتهامها صراحة بأنها هي التي ارتكبت تلك الحوادث.
الوطن: إخوان وقتلة
الصحف الموالية للانقلاب، التي تمثل أذرعا إعلامية يعتمد عليها في ترويج أكاذيبه بين أبناء الشعب، سارعت بإلصاق التهمة بالإخوان المسلمين.
ولم تنتظر جريدة "الوطن" نتائج التحقيقات، ولم تلزم جانب الحيطة المهنية، إذ سارعت إلى إصدار الأحكام، وخرجت بمانشيت ضخم يقول: "إخوان وقتلة".. في فضيحة مهنية، وجريمة إعلامية، تستوجب تقديم رئيس تحريرها لمجلس تأديب في النقابة.
فقد سارعت الجريدة إلى تلفيق التهمة للإخوان بارتكاب الحادث، وإصدرت هذا الحكم المتعسف، دون انتظار نتائج التحقيقات، ودون اعتبار -حتى- لإعلان جماعة "أنصار بيت المقدس" مسئوليتها عن الحادث، بل ودعوتها المواطنين إلى عدم النزول يوم 25 يناير!
قالت "الوطن" في العناوين: "5 شهداء و100 مصاب في تفجيري "مديرية الأمن والدقي".. والإرهابيون يفرون في سيارة "ملاكي".. و"الإخوان" بشرت أعضاءها قبل الجريمة ب"نصر قريب".
أما المقدمة فجاءت صادمة كالتالي: "نفذ تنظيم الإخوان وحلفاؤه التكفيريون تهديداتهم بحرق القاهرة في ذكرى 25 يناير، حيث استيقظت العاصمة أمس على 3 تفجيرات إرهابية استهدفت مديرية أمن القاهرة، ومحطة مترو البحوث في منطقة الدقي، وقسم شرطة الطالبية في الجيزة، أسفرت عن استشهاد خمسة بينهم أربعة أفراد شرطة، وإصابة أكثر من 100".
وأوردت "الوطن" تفاصيل الحوادث الإرهابية.. فقالت: "قالت مصادر أمنية لـ"الوطن" إن الانفجار الأول وقع في.. إلخ .
وأوضحت أن التفجير وقع أثناء تغيير ورديات الأمن.. ووصف اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الهجمات بأنها شهادة وفاة أبدية يسطرها تنظيم الإخوان الإرهابي بالدم.
وقال: "الإخوان مفرخة الإرهاب والحاضن الرئيسي له.. ودعا المواطنين إلى النزول للاحتفال بذكرى 25 يناير".
وقال: "لا تسمحوا للإرهاب بتعكير صفو احتفالاتكم بثورتكم، اهزموه في قلوبكم وعقولكم حتى يفنى على أرض الواقع، ويتلاشى إلى الأبد من حياتكم".
واختتم التقرير بالقول: "كان تنظيم الإخوان الإرهابي أصدر قبل ساعات من سلسلة التفجيرات بيانا، أكد فيه لأعضائه أنهم على موعد مع نصر قريب، فيما هددت حركة "مولوتوف".. التابعة للتنظيم، قبل ساعات من التفجيرات، وزارة الداخلية.
وقالت: "بكرة تذوقوا نار ثورتنا". وطبعا تلك كلها فبركات وأكاذيب، فليس هناك حركة باسم "مولوتوف".. فضلا عن أن تكون تابعة للإخوان، كما أن بيان الإخوان نفسه كان دعا إلى "التحلي بالسلمية"، فضلا عن أن "الإخوان" أنفسهم أدانوا الحوادث الإرهابية بمجرد وقوعها.
"المصري اليوم": الإرهاب يضرب الثورة في مهدها
صدرت جريدة "المصري اليوم" -التي تمثل ذراعا إعلامية مهمة للانقلاب- بمانشيت: "الإرهاب يضرب الثورة في عيدها".. عنوان رأي، وليس خبرا أو معلومة، كما "الوطن".. يقلل من شأن الثورة، ويعظم من شأن "الإرهاب" حتى إنه يضرب"الثورة" .. في عيدها.. الذي يحل في اليوم التالي!
وتتوالى العناوين: "ستة شهداء و89 مصابا في هجمات ضد "أمن القاهرة" وثلاثة مواقع بالجيزة.. الرئاسة تتوعد بـ"إجراءات اسستثنائية" .. والجيش يتعهد بـ"استئصال الإرهاب".. والداخلية: سنطهر البلاد من "العناصر القذرة". وفي المقدمة: "قبل ساعات من الاحتفالات الشعبية المقررة اليوم في العيد الثالث للثورة، أطلق تنظيم الإخوان الإرهابي وجماعات العنف المتحالفة معه أمس، سلسلة هجمات إرهابية، وشنوا هجمات بسيارة مفخخة، وقنابل يدوية الصنع، استهدفت مديرية أمن القاهرة وقوة أمنية بجوار محطة مترو البحوث، وسينما رادوبيس، وقسم الطالبية بالهرم، مما أسفر عن استشهاد ستة أشخاص، إصابة أكثر من 89 آخرين".
وبعد وصف حوادث التفجيرات، وكيف وقعت، وما أسفرت عنه، نقلت "المصري اليوم" التصريحات المتوعدة لرئاسة الجمهورية المؤقتة، والمتحدث باسم القوات المسلحة، ووزير الداخلية". "بروفة إخوانية" عنيفة قبل الاحتفال بذكرى الثورة موضوع آخر كان جاذبا تحت المانشيت في "المصري اليوم" بعنوان "بروفة إخوانية" عنيفة قبل الاحتفال بذكرى الثورة.. مقتل 11 في اشتباكات بين عناصر الجماعة والأمن في بني سويف ودمياط والفيوم والمنيا والبحيرة".
وجاءت المقدمة كالتالي: "استبقت جماعة الإخوان أمس الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير بأعمال عنف واعتداءات تصدت لها قوات الأمن والمواطنين، ما أسفر عن مصرع 11 شخصا حتى عصر أمس، بينما أغلقت قوات الجيش والشرطة جميع مداخل ومخارج ميدان التحرير أمام حركة المرور".
أما الموضوع الثالث والأخير في الصفحة الأولى للجريدة فجاء حول: "دمار واسع في مبنى ومقتنيات "المتحف الإسلامي"، "و"دار الكتب".. ووزير الآثار: مبنى المتحف يحتاج لإعادة بناء ستكلف عشرات الملايين".
وغير بعيد عن هذه الأجواء جاءت افتتاحية "المصري اليوم" التي سارت في اتجاه تحميل الإخوان المسئولية عن ارتكاب تلك الحوادث.. إذ جاءت بعنوان: "صراع الإرادة".
وزعمت الافتتاحية أنه قد "وصل الصراع الذي تشهده مصر الآن مع الإرهاب، إلى مرحلة أصبح فيها واضحا أن هدف الإرهاب هو كسر إرادة الشعب المصري الذي أسقط حكم الإخوان الإقصائي المستبد".
واتهمت الافتتاحية جماعة الإخوان بأنها تريد كسر إرادة الشعب إذ قالت الافتتاحية: "إن إقرار الدستور سيتبعه بالضرورة انتخاب رئيس شرعي وبرلمان، وهنا تكون أحلام الجماعة في فرض سيطرتها على البلاد قد ولت بغير رجعة، ويكون حديث الشرعية قد أصبح هزليا في ظل وجود نظام جديد اختاره الشعب بإرادته الحرة، لذا كان يجب كسر هذه الإرادة قبل أن تؤتي ثمارها، وتتجسد الاستحقاقات الانتخابية للدولة الجديدة التي يتطلع إليها الشعب".
الشروق: التفجيرات الإرهابية تضرب العاصمة
كعادة الصحف الموالية للانقلاب، إذ تلجأ إلى خلط الأوراق، صدرت جريدة "الشروق" بعناوين تقول: "الحرب على الدولة والثورة.. الجيش والشرطة: نتعهد بحماية المصريين حتى آخر رجل منا.. التفجيرات الإرهابية تضرب العاصمة.. أربعة شهداء في انفجار سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة والعثور على أشلاء إرهابي منفذ العملية".
وقالت المقدمة: "استيقظت مصر على دوى انفجارات هزت مناطق عدة بالعاصمة، فقبل ساعات من حلول الذكرى الثالثة لثورة يناير، وقعت ثلاث انفجارات، صباح أمس، أسقطت خمسة شهداء، وعشرات المصابين، فيما توجهت أصابع الاتهام إلى جماعة الإخوان التي توعدت فيها بإسقاط وزارة الداخلية، وتحويل عيد الثورة إلى ذكرى أليمة".
ثم تطرق صلب الموضوع إلى تفاصيل هذه التفجيرات، واستعرض بيان رئاسة الجمهورية المؤقتة، وتصريحات رئيس الوزراء المؤقت، والمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، ووزير الداخلية.
ونشرت "الشروق" تقريرا مماثلا تحت المانشيت بعنوان: "الإخوان يتحدون مشاعر المصريين.. والأهالى يطاردونهم فى الشوارع"! وجاء بالمقدمة: "فى رد فعل غاضب على التفجيرات التى وقعت بالقاهرة والجيزة أمس، تصدى الأهالى إلى مسيرات أنصار جماعة الإخوان المسلمين، التى دعا إليها ما يسمى "تحالف دعم الشرعية".
وفيما أحكمت قوات الامن سيطرتها على العاصمة وبعض الميادين بالمحافظات وقعت مواجهات عنيفة بين الشرطة وأنصار الإخوان، ووهو ما أسفر عن قتلى ومصابين". وهنا نلاحظ أن أكبر أكذوبة اوردت في صحافة اليوم هي القول بأن الاشتباكات إنما كانت بين الإخوان والأهالي، وأن القتلى والجرحى إنما وقعوا بسبب هذه الاشتباكات.. فرارا من الجهر بالحقيقة، وهي أن القتلى والمصابين إنما هم من آثار اعتداء قوات الجيش والشرطة على المتظاهرين السلميين.
الموضوع الثالث بالصفحة الأولى في "الشروق" دار حول الارهاب أيضا، وذلك بعنوان: "شباب بورسعيد يحبط محاولة تفجير استراحتين لأمناء الشرطة وسط عمارات سكنية".. وإدانة أمريكية وعربية للهجمات الإرهابية.. ومدير الأمن العام: تفجير مديرية الأمن تم بسيارة مسروقة.. وأخيرا: الإرهاب يضرب محطات مترو الأنفاق بسبعة قنابل خلال يومين".
اليوم السابع: إعلان حرب
غير بعيد عما سبق، صدرت صحيفة "اليوم السابع" بمانشيت: "إعلان حرب.. دماء المصريين رسالة الإرهاب في عيد الثورة.. أربع تفجيرات على طريقة القاعدة..ستة شهداء و100 جريح في هجوم على مديرية أمن القاهرة.. وقنابل بالدقي والهرم.. الرئاسة: نتعهد بالقصاص.. والدفاع عن الوطن وأرواح أبنائه.. أنصار بيت المقدس تعلن مسئوليتها.. واستنفار بالجيش.. والداخلية تعلن أسماء مرتكبي الحوادث..
كارثة: الانهيار يهدد متحف الفن الإسلامي بسبب التفجير.. منابر الجمعة "تنتفض" ضد الإرهاب.. ومساجين برج العرب يهتفون ضد الإخوان ومرسي"!
الأهرام: الجيش يعاهد الشعب على استئصال الإرهاب
كأنه تم إلغاء وزارة الداخلية، صدرت جريدة "الأهرام" بمانشيت: "الرئاسة تتعهد بالقصاص.. والجيش يعاهد الشعب على استئصال الإرهاب وتنفيذ خريطة المستقبل".
تركيز الأهرام هنا على أن "الجيش يعاهد الشعب على استئصال الإرهاب"، يمكن التماس المبرر له بأنه يمكن قانونا الاستعانة بالجيش في حماية الجبهة الداخلية.. لكن الثلث الأخير من المانشيت الذي يحمل "تعهد الجيش للشعب بتنفيذ خريطة المستقبل" هو تعبير خبيث يوظف الحدث لتبرير تسييس الجيش، ومحاولة الزج به في أتون معركة سياسية تخوضها سلطات الانقلاب مُسلحة بأنياب القوة المسلحة ضد معارضيها السياسيين.
وفوق ذلك فمانشيت الأهرام يجسد رأيا من الجريدة، وليس خبرا أو معلومة.. بالمخالفة للأصول والمعايير المهنية .. ويكفي للتدليل على ذلك أن ما ورد في المانشيت غير موجود أصلا في جسم التقرير، الذي تقول مقدمته: "قبيل ساعات من حلول الذكري الثالثة لثورة 25 يناير، أطل الإرهاب الأسود بوجهه القبيح، ليفسد علي المصريين فرحتهم، ويزعزع استقرارهم، ويحاول إعاقة مسيرتهم.
ففي وقت متقارب شهدت القاهرة والجيزة أمس عدة حوادث إرهابية".
وبعد أن عرج المانشيت على ذكر هذه الحوادث، وما أسفرت عنه من خسائر وضحايا، استعرض ردود أفعال وزارتي الداخلية، والصحة، وتعهدات رئاسة الجمهورية المؤقتة، ورئيس مجلس الوزراء المؤقت، والمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، التي تناولت التأديد على القصاص من مرتكبي الحادث، دون أن يكون ما في المانشيت صحيحا أو سليما.
وكتوابع للحادث، أبرزت "الأهرام" إعلان جماعة "أنصار بيت المقدس" مسئوليتها عن الحادث، وأن الانفجار دمر مقتنيات المتحف الإسلامي، وإغلاق الشوارع المحيطة بالداخلية وميداني: التحرير ورابعة، وإحباط محاولة لتفجير عمارتين ببورسعيد، ووزير الداخلية يؤكد تأمين احتفالات ذكرى 25 يناير".
الجمهورية: الإرهاب يضرب قلب العاصمة
معالجة جريدة "الجمهورية" كانت أكثر دقة من "الأهرام".. إذ صدرت بمانشيت: "الإرهاب يضرب قلب العاصمة.. سيارة مفخخة تستهدف مديرية أمن القاهرة و3 تفجيرات بالجيزة.. 6 شهداء و91 مصابا ضحايا الأحداث".
"الجمهورية" ذكرت المعلومات دون تحريف، أو توجيه، تلوين، بخلاف "الأهرام".
وثبت ذلك منذ الحرف الأول في المقدمة التي قالت: "شهدت القاهرة والجيزة أمس أربعة تفجيرات "دنيئة" أسفرت عن استشهاد ستة أشخاص وإصابة 91 آخرين.. و.. إلخ".
لكن، وكالعادة، نشرت"الجمهورية"، كما الأهرام، أخبارا ملحقة بالمانشيت، كلها تتحدث عن فزاعة "الإرهاب"، إذ تقول: النائب العام في موقع الانفجار.. التحفظ على كاميرات المراقبة بمديرية الأمن.. حتى التراث لم يسلم من الإرهاب.. إدانة شعبية ودولية للإرهاب.. الناجون من الموت لـ"الجمهورية": المجند كارم: شدة الانفجار أسقطتني وأنا أصلي الصبح.. وزير الداخلية تفقد موقع الحادث ويزور المصابين.
المانشيت أسود.. والصور كثيرة
صدرت المانشيتات في صحف السبت باللون الأسود في غالبيتها.. وتوسعت تلك الصحف في نشر صورة واجهة مديرية أمن القاهرة بعد تدمير واجهتها نتيجة الانفجار، علاوة على صور أخرى تتناول: سكان أحد العقارات المجاورة للمديرية بعد أن فقدوا مسكنهم من جراء التفجير، والنائب العام في موقع الحادث، وطفلة مصابة، وجندي مصاب، والمتحف الإسلامي، والطب الشرعي يفحص جثة أحد ضحايا التفجير، وأحد المصابين، والحفرة التي أحدثها التفجير الإرهابي، وبقايا السيارة المفخخة المستخدمة في الجريمة.
كما تناولت الصور: سيدة تتفقد آثار التفجير في منزلها القريب من المديرية، وأخرى تنظر من شرفة منزلها المحطمة، وواجهة متحف الفن الإسلامي المحطمة، وصيدلي واقفا بين حطام الزجاج في صيدليته، والحفرة التي خلفها الانفجار بعمق أمتار عدة أمام المبنى، ومواطنون ورجال أمن تجمعوا أمام مديرية الأمن والمتحف الإسلامي عقب الانفجار، ورجل شرطة مصاب يؤكد رفض الإرهاب أمام مديرية الأمن، وتمشيط المنطقة المحيطة بمترو البحوث، وآثار انفجار القنبلة التي ضربت لوحة إعلانات في الطالبية بمنطقة الهرم، والأدلة الجنائية والمفرقعات تفحص أشلاء مشتبه به بعد انفجار مديرية أمن القاهرة.