أدى فشل القادة السياسيين بالبوسنة في معالجة أسباب
الفقر والبطالة المتزايدة إلى أول حركة
احتجاج عنيفة في البلاد منذ حرب 1992-1995، مع تحذير من تفاقم الأزمة.
والاحتجاجات التي بدأت في مدينة توزلا الصناعية في شمال شرق البلاد، امتدت هذا الأسبوع إلى مناطق أخرى وتحولت إلى أعمال شغب خلفت مئات الجرحى، وأدت إلى إحراق مبان حكومية عدة.
ولتهدئة الشارع في اليوم الخامس من التظاهرات، دعا الحزب الاشتراكي الديموقراطي أحد أبرز أحزاب الائتلاف الحاكم في البلاد مع العضو المسلم في الرئاسة الثلاثية للبوسنة، بكرعزت بيغوفيتش، إلى إجراء انتخابات مبكرة.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
ومع وصول نسبة
البطالة إلى 27.5% بحسب أرقام البنك المركزي و44%، بحسب وكالة الإحصاء، ويعتبر معدل البطالة في هذه الدولة البلقانية بين الأعلى في أوروبا.
وقالت مديرة البنك الدولي في جنوب شرق أوروبا، ايلين غولدشتاين، الشهر الماضي إن معدل البطالة الذي يفوق 25% للشبان في
البوسنة "مذهل ويطرح مشاكل".
وأضافت خلال مؤتمر للبنك الدولي أن "ارتفاع معدل البطالة وتراجع مساهمة القوة العاملة لا يزالان يشكلان تهديدا ويجب معالجتهما لضمان مستقبل سلمي ومزدهر للبوسنة".
ويعيش واحد من أصل خمسة بوسنيين تحت خط الفقر.
ورغم أن الاحصاءات أظهرت أن الاقتصاد حقق انتعاشا هشا بنسبة 1.0% في 2013، بعد تراجع بنسبة 0.5% في 2012، لم يشعر سكان البوسنة البالغ عددهم 3.8 ملايين نسمة بتحسن في حياتهم اليومية.
وقال المحلل السياسي وحيد سيحيتش: "يعيش عدد متزايد من الناس في البؤس والفقر، إنهم جائعون".
ويعتبر شعب البوسنة الأفقر في أوروبا مع معدل راتب شهري يبلغ 420 يورو.
ومن الأسباب الرئيسية التي حالت دون تحسن الوضع الاقتصادي، وجود اقتصاد ظل وفساد مستشر في البلاد، وهيكلية سياسية موروثة من فترة ما بعد الحرب تخول السياسيين عرقلة الاصلاحات.
كما أن عمليات الخصخصة المتسرعة دفعت بأقطاب الأعمال إلى اغلاق عشرات الشركات وتحقيق أرباح سريعة أكثر، عبر بيع أصولهم قبل إعلان الإفلاس الذي ترك مئات الأشخاص دون عمل.
وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن أصحاب العمل الجدد فشلوا في غالب الأحيان في الالتزام بعقود الخصخصة أو بدفع رواتب العمال لفترة تصل إلى سنتين.
وتشير معلومات إلى أن أرباب العمل كانوا يحظون بموافقة ضمنية من السلطات التي كانت حريصة على مساعدتهم لتجنب الإفلاس وإبقاء أرقام البطالة منخفضة.
وقال نهاد كراتش، عامل البناء الأربعيني، الذي كان بين المتظاهرين في توزلا إن "الناس يحتجون لأنهم جائعون وليس لديهم عمل. نطالب الحكومة بالاستقالة".
واعتبر عالم الاجتماع ميودراغ زيفانونفيتش أن الاستياء الشعبي ليس مفاجئا.
وقال زيفانوفتيش لوكالة أنباء محلية، السبت، إن "هذه تظاهرات لأناس جائعين يعبرون عن غضب متراكم منذ سنوات ضد كل صناع القرار الذين أوصلوهم إلى هذه الحالة".
ويتردد المستثمرون الأجانب بالمجيء إلى البوسنة بسبب ضعف البنى التحتية والإجراءات الإدارية البطيئة بالإضافة إلى النظام السياسي المعقد، الذي يتطلب التعامل مع السلطات على ثلاث أو أربع مستويات.
فبعد الحرب تم تقاسم السلطة في البوسنة بين المجموعات الأثنية الثلاث: الصرب والكروات والمسلمون. كما أن الخلافات المستمرة بين هذه المجموعات نسفت جهود الاصلاح الاقتصادي والسياسي.
وبلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية في 2013 حوالي 252 مليون يورو، بحسب حاكم البنك المركزي كمال كوزاريتش.
لكن رئيس الوزراء فيكوسلاف بيفاندا قال خلال قمة اقتصادية عقدت في الآونة الأخيرة في اسطنبول، إن المستثمرين يفكرون في مشروع بنى تحتية كبير يربط المجر بميناء بيلوتشي الكرواتي عبر البوسنة.
وبدأ البناء على الطرقات والسكك الحديد قبل سنوات، لكن من أصل القيمة الإجمالية المقدرة بحوالي أربعة مليارات يورو تم استثمار حوالي 600 مليون يورو فقط.
وفي قطاع الطاقة، قال بيفاندا إن مناجم الفحم والفحم الحجري في البوسنة تطرح فرص استثمار كبرى.
وصندوق النقد الدولي الذي وافق في أيلول/ سبتمبر 2012 على منح قرض للبوسنة لمدة سنتين بقيمة 384 مليون يورو، وافق على الدفعة الخامسة الأسبوع الماضي.
لكنه حذر من أنه رغم التقدم "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتحسين جو الأعمال وأداء سوق العمل".
وأضاف صندوق النقد أن "في هذا الصدد، سيكون من المهم جدا وضع قانون جديد لسوق العمل يساهم في خفض دائم للبطالة".
وتقول المحللة الاقتصادية سفيتلانا سينيتش إن التماسك السياسي ضروري لحل الأزمة.
لكنها حذرت من توقع إصلاحات كبرى قبل الانتخابات العامة المرتقبة في تشرين الأول/ أكتوبر.
وقالت في مقابلة أخيرا إن "السلطات ستكون مشغولة بتنظيم الانتخابات ومسائل تقاسم السلطة وليس بالاقتصاد".
وبدأت البوسنة مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في منتصف 2012، متأخرة عن دول بلقانية أخرى.
وانضمت كرواتيا إلى الاتحاد في 2013 وسلوفينيا في 2004.