في آخر خط تماس شيعي سني في لبنان أعلنت "كتائب الشهيد عبدالله عزام" التي تتبنى المفخخات التي تفجر في سفارة الجمهورية الإسلامية في لبنان ومناطق نفوذ حزب الله. قد لا يعلم المفجر والمتفجر أن الشهيد عبدالله عزام هتف يوما في احتفال الإخوان المسلمين في الأردن بمناسبة انتصار الثورة قبل 35 عاما في المسجد الحسيني "خميني ينادي الدماء الدماء"، وأن
السنة في العالم لم ينظروا للخميني باعتباره "شيعيا"، بل نظروا إليه ثائرا مسلما كعز الدين القسام وعمر المختار.
وفي شخصية
الخميني ما أذكى الشعور ب"الأمة" لا الطائفة، فقد اعتبر أن صراعها مع أميركا وإسرائيل وقضيتها المركزية القدس. في اليوم الأول أغلقت السفارة الإسرائيلية وحلت مكانها سفارة فلسطين، واحتل الطلبة سفارة أميركا. لم يكن فيروس الطائفية قد ضرب، فالعلاقة بين الإسلام الحركي سنيا وشيعيا كانت وطيدة. نواب صفوي أحد الرموز التاريخية للثورة على الشاه كان في مراكز الإخوان في القاهرة ودمشق وغيرها مقرا له. وما حزب الدعوة العراقي في أحد قراءاته غير انشقاق شيعي عن الإخوان المسلمين. ومرشد الثورة الحالي علي خامنئي هو مترجم سيد قطب إلى الفارسية.
ساهم ذلك الإرث في الفرحة بعرس الثورة وشهر عسلها، لكن في أحشاء التاريخ والواقع كثيرا من الألغام التي تفجرت سريعا، الحرب العراقية الإيرانية سريعا ما أخذت بعدا طائفيا مذهبيا، الدستور الإيراني لم يكن له علاقة ب"الأمة" قدر علاقته بالمذهب.وبسرعة أضيفت استثناءات على "
الثورة الإسلامية" فصارت شيعية ووفق اجتهاد مدرسة الولي الفقيه. وبمنهج إقصائي أبعدت كل الأطياف التي ثارت على الشاه؛ إسلامية ويسارية وقومية وليبرالية. وسريعا شعر السنة، وفي إيران بداية أنهم ليسوا جزءا من هذه الثورة ما داموا سنة، وامتد هذا الشعور إلى خارج إيران.
في عام انتصار الثورة دخلت قوات الاحتلال السوفياتي أفغانستان، لم يتعامل الخميني مع المجاهدين بوصفهم " الأمة " المسلمة في مواجهة المحتل السوفياتي، بل تعامل طائفيا، تبنى الفصائل الشيعية في الوقت الذي تبنت السعودية الفصائل السنية، هناك ندم عبدالله عزام على تبنيه للثورة. وفي العام ذاته هزمت حركة جهيمان العتيبي الذي كان من مآخذه على الدولة السعودية توقفها عن الزحف لتحرير العراق من المشركين
الشيعة الذين يعبدون القبور. لكن حركته نبهت الدولة السعودية لمشاعر الغضب في نفوس الشباب التي جرى تصديرها إلى أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفيتي.
في العراق تعمقت الفجوة أكثر، كان صدام حسين يدعم انتفاضة الإخوان المسلمين المسلحة ضد حافظ الأسد "رفيقه" في حزب البعث. واعتبر الإخوان أن ما يجمع الخميني بحافظ الأسد هو "الطائفية التي تعادي السنة". وبعد عقود من الثورة تعمق هذا الإحساس لدى السوريين في ظل دعم إيران المطلق للطاغية الدموي بشار الأسد، وتأكد للعراقيين أن مشروع إيران في العراق هو تصفية الوجود السني وتهميشه إلى أقصى الحدود، ووصل عبث إيران إلى اليمن من خلال دعم الحرب الدموية للحوثيين.
قد يغري جنون القوة إيران بأن تكون دولة احتلالية استعمارية في المنطقة، ولن تنجح في ذلك لكنها ستنجح في تخريب المنطقة وتدميرها من خلال حرب أهلية مفتوحة. وسيكون في ذلك أكبر مكسب لإسرائيل الدولة الاستعمارية. ما يغري إيران أن تكون جزءا من الأمة وجارا حضاريا لها في مواجهة آخر دولة احتلال في العالم.
تجاوزت جماهير الأمة الطائفية يوم وقف الخميني ضد طغيان الشاه، وتجاوزتها يوم وقف حزب الله ضد طغيان إسرائيل، ساحة المعركة الحقيقية هي ضد الاستبداد والاحتلال، وهذه كانت معركة الخميني قبل 35 عاما لكنها لم تستمر.
(الغد)