ملامح الخطاب السياسي لإدارة الرئيس
روحاني تشير ليس إلى مجرد تغير في السياسة
الإيرانية وإنما إلى انقلاب. بعض ملامح هذا الخطاب متاحة للمراقبين من خلال وسائل الإعلام بمختلف مستوياتها وتجلياتها، ولكن بعضها - وهو الأخطر مدلولاً - يبوح به في الغرف المغلقة واللقاءات الخاصة أفراد طاقم الإدارة الجديدة في طهران الذين كان بعضهم قد أقصي عن مواقع النفوذ وصناعة القرار طوال الثمانية أعوام التي هيمن خلالها تيار محمود أحمدي نجاد على مقاليد الأمور.
تكاد تكون جل مكونات الخطاب الجديد موجهة نحو الغرب، ونحو الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً. ولعل من أهمها التأكيد في كل فرصة متاحة على قطيعة تامة مع الماضي القريب الذي كانت فيه الحكومة الإيرانية السابقة تناصب الولايات المتحدة العداء وتعتبرها الشيطان الأكبر. يقولون إنها قطيعة مع السياسة المدفوعة بالأيديولوجيا لتحل محلها سياسة مدفوعة بحسبة المصالح، بعد أن كادت العقوبات المفروضة على إيران تفجر انتفاضة شعبية جديدة. ولتخطئة المسلك القديم يجد أصحاب العهد الجديد لزاماً عليهم نزع الصدقية عمن سبقهم، ومن ذلك اتهامهم بالفساد وهدر أموال الدولة وانتهاج مسالك غير قانونية ولا تخضع للرقابة والمحاسبة. وبعض من ذلك أشارت إليه صحيفة الفاينانشال تايمز في عددها الصادر بتاريخ 12 فبراير / شباط 2014. وما ورد في الصحيفة أكدده أحد مساعدي روحاني في أكثر من لقاء له في عواصم أوروبية خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ اتهم إدارة نجاد بالتسبب في ضياع مئات المليارات من الدولارات من أموال الدولة سلمت لأشخاص ليهربوها إلى مصارف دولية بنية الالتفاف على الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على المصارف الإيرانية، إلا أن هؤلاء ذهبوا بالأموال ولم يعودوا ولم يعرف ألى آين آلت هذه الأموال وفي جيوب من استقرت.
من أبرز ملامح الخطاب الجديد، وسعياً لإثبات أن مشروع إيران النووي إنما يستهدف توفير الاحتياجات السلمية، اعتبار أن السعي لاقتناء السلاح النووي أمر يتعارض مع قيم الإسلام. وحينما صرح بذلك أحد مستشاري روحاني في واحد من اللقاءات سأله بعض الحضور: وهل تعتبر الباكستانيين الذين وصلوا إلى القنبلة النووية مجافين لقيم الإسلام؟
ومن ملامح هذا الخطاب النأي بالحكومة الإيرانية عن المواقف التي كانت تبدو للغربيين متشنجة تجاه القضية الفلسطينية. فالإيرانيون الجدد يفضلون القول بأن ما يتفق عليه الإسرائيليون والفلسطينيون هو شأنهم هم. وحينما سئل عن ذلك، قال المسؤول الإيراني المشار إليه آنفاً: “ومن هي إيران أو غير إيران حتى تقرر نيابة عن الفلسطينيين ما الذي ينبغي أن يقبلوه أو يرفضوه؟”
وقد أكد هذا التوجه - أو على الأقل هذا الخطاب - الجديد للإدارة الإيرانية الجديدة بعض أعضاء وفد السلطة الفلسطينية الذي زار طهوان مؤخراً بتوجيه من محمود عباس. يقول هؤلاء إن الإيرانيين رحبوا بهم أشد ترحيب وأكدوا لهم أنهم يؤيدون ما يختاره الشعب الفلسطيني، وأن ما يلتزم به الفلسطينيون في تفاوضهم مع الإسرائيليين يلزم غيرهم فيما يتعلق بالموقف من القضية. ورغم أن أعضاء هذا الوفد نفوا أن يكون موضوع حماس قد تم التداول بشأنه خلال الزيارة، إلا أنهم أكدوا أنهم خرجوا بانطباع أن علاقات إيران بحماس حالياً في الحضيض.
الانفتاح الذي يبديه المسؤولون الإيرانيون في إدارة روحاني تجاه الغرب غير مسبوق، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون. فحينما سئل أكاديمي إيراني مقرب من روحاني: “هل أنتم على استعداد لإعادة النظر في موقفكم من إسرائيل؟” كانت إجابته من نوع: “دع الفلسطينيين والإسرائيليين يتوصلون إلى حل فيما بينهم، ثم يكون لكل حادث حديث.”
أما فيما يتعلق بالتدخل الإيراني في دول الجوار، وبشكل خاص في البحرين وسوريا، ففيما يتعلق بالأولى، يصر الإيرانيون على أنهم لا يتدخلون ويقولون إن شيعة البحرين يعاتبونهم لأنهم لا يناصرونهم بما يكفي. ويستدل الإيرانيون على حسن علاقاتهم بالجوار بالعلاقات الحميمية التي تربطهم بدولة الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال. وأما فيما يتعلق بسوريا، فلا إنكار ولا تردد فيما يتعلق بالدور الإيراني، وذلك انطلاقاً من مبررين، الأول أن النظام السوري ليس النظام الدكتاتوري الوحيد في المنطقة، فلماذا يستهدف بالربيع العربي دون غيره، وأما الثاني فهو أن كل الأصابع منغمسة تلهو في شؤون سوريا فلماذا تستفردون إيران بالانتقاد والتنديد. طبعاً، أثناء الحديث مع الغربيين، لا إشارة إطلاقاً إلى المقاومة أو الممانعة من قريب أو بعيد.
بعض من يقولون إنهم مطلعون على الوضع الإيراني الداخلي يشيرون إلى صراع حقيقي بين “المعتدلين” و “المتشددين”، وينصحون بعدم التقليل من تداعيات البراغماتية التي ينتهجها روحاني. في المقابل هناك من يعتبر ما يجري مجرد توزع أدوار، ولا يعني تغييراً جوهرياً.
هل فعلاً تغير إيران من سياستها ومن مواقفها؟ أم أن ذلك مجرد غزل للأمريكان وحلفائهم ضمن الجهد المبذول لكسر الحصار؟ سيظل الناس منقسمين وستسمع من الناس من الآراء ما يحتج به لهذا الرأي أو ذاك.