بهدوءٍ شديد، وخطوات مدروسة يطوّع الغزّي "عطوة
حماد" الخشب بين يديه، ليصنع منه آلة
العود الطربيّة.
ولا ييأس حمّاد البالغ من العمر 54 عاما، من أن يكرر تجربة صناعة الآلة الموسيقية مرة بعد أخرى، إلى أن يصل أخيرا إلى مبتغاه.
ويقول حماد، وهو يركز في تركيب أخشاب العود، إنه لم يتمكن من بيع أي آلة موسيقية حتى الآن.
فالموسيقى في قطاع
غزة، تعد ترفا لا داعي له، من قبل السكان المحاصرين، والمحاطين بالأزمات من كل ناحية.
كما أن قطاعات عريضة في المجتمع الغزي المحافظ، تنظر للموسيقى على أنها شيء محرم.
ويندر وجود فرق موسيقية في غزة، التي تفتقد كذلك للمسارح ودور السينما.
لكن حماد، ورغم كل ذلك، متمسك بمهنته، التي يقول إنها نقتله إلى "عالم الجمال والموسيقى، بعيدا عن التوتر وتعقيدات الحياة اليومية".
ويقول حماد إنه بدأ العمل هذه المهنة قبل نحو ثمانية أشهر فقط.
ويجلس الرجل الخمسيني يوميا في غرفته، ذات الجدران المتشققة، لساعات طويلة وهو يجرب صناعة العود وغيرها من الآلات الموسيقية.
ولمدة ثلاثة أشهر فشل حماد في صناعة "آلة عود" واحدة بشكلٍ دقيق، لكنه لم ييأس مستعينًا بمطالعة مواقع الانترنت كما يقول، وبزميل له يجيد العزف حتى تمكن بعد العديد من المحاولات أن ينجح بصناعة نحو خمسة عشر آلة عودة بناجح فائق.
ولأنه يحب الاستماع لعدد من عازفي العودة مُنذ الصغر، وفي مقدمتهم رياض السنباطي، وفريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وغيرهم فقد وجد حماد في هذا الإنصات دافعا لصناعة العود، حسبما يقول.
وتبدأ مراحل صانعة "آلة العود" كما يوضح حماد، بتصميم قالب على شكل هيكل أو صندوق "الآلة" المشهور باسم "قصعة" أو "ظهر العود".
ومن ثم يتم تثبيت كل ضلعين على حدة، وربطهما بقطعة قماش قوية، يتم تثبيتها بمادة لاصقة.
ويتبع هذه المرحلة بساعتين، بعد أن تجف المادة اللاصقة على الأضلاع، مرحلة "السنفرة" لتصبح ملساء لتسهيل دهانها وإعطائها شكلاً مميزًا.
وعقب إلصاق كل ضلعين من باطن القصعة بملصق ورقي للتمكين، يتم تركيب الوجه أو الصدر، وبه فتحة تُسمّى "قمرية، أو "الشماسات"، تساعد على زيادة رنين الصوت.
ويضيف حماد:" يشترط بالخشب المستخدم بصناعة وجه وقصعة "آلة العود" أن تكون العروق فيه طولية، مما يساعد على تقوية هيكل الآلة".
وبعد تركيب الوجه، تبدأ عملية تثبيت "الفرس" أسفل وجه العود، وهي تستخدم تثبيت الأوتار ، ومن ثم وضع المفاتيح لشد الأوتار، وعددها خمسة مزدوجة".
والمرحلة ما قبل الأخيرة -حسب حماد- تتمثل في وضع الرقبة أو زند العود وهي مكان يضغط عليه العازف على الأوتار، وتليها مرحلة الأنف أو "العظْمة" وتوضع في رأس زند العود من جهة المفاتيح، لإسناد الأوتار عليها، ورفعها عن الزند، وهكذا يصبح العود جاهزًا.
وتبلغ تكلفة صناعة العود الواحد 500 شيكل إسرائيلي أي ما يعادل 145 دولار أمريكي، وتستغرق صناعة كل "آلة عود" نحو أسبوع.
ويتمنى حماد أن ترى آلاته الطربية النور، وتجد طريقها نحو من يقدرها ويعزف على وترها، وألا تبقى أسيرة الغبار والأربعة جدران.
وتابع:" كلي أمل أن تجد "آلات العود" التي أصنعها إعجاب الفنانين بغزة وخارجها، وأن تحظى برواج، مما يعود علي بالفائدة المالية التي تخفف عني وطأة الفقر الذي أعيشه."
ويعود تاريخ صناعة آلة العود العربي للقرن السادس الميلادي عندما احتك العرب بالفرس فأخذوا عنهم هذه الصناعة التي أبدعوا فيها وطوروها.