حتى سنوات قليلة خلت كان مفهوم
اللاجئين السائد في البلدان العربية، يعني اللاجئين
الفلسطينيين الذين تم تشريدهم وتهجيرهم في عام 1948 وقبله وبعده وصولا الى حرب الايام الستة في حزيران 1967 التي خسر فيها العرب من اراضيهم ما لم يخسروه في ستين عاما، واتسعت بعدها دائرة اللاجئين لتشمل الاراضي الجديدة التي احتلتها اسرائيل في الضفة الغربية من الاردن وسيناء المصرية والجولان السوري والجنوب اللبناني.
وكان الكثير من اللاجئين الاوائل يحملون في جيوبهم مفاتيح بيوتهم التي هجروا منها في مدن وقرى يافا وعكا والخليل والقدس وغيرها ظنا منهم انهم سيعودون اليها في اليوم التالي، أو بعد ايام قلائل،غير انهم أمضوا أكثر من ستين عاما ينتظرون حصول هذه العودة وتحقيق هذا الحلم، الذي رحل مع الكثيرين منهم الى القبور، وبقيت المفاتيح ذكرى من الذكريات، وقطعة حديد يعلوها الصدأ، وبقي اللاجئ الفلسطيني من دون وطن ولا باب ولا مفتاح!.
ولم يدر في خلد الانسان العربي، ولا حتى في كوابيس احلامه المزعجة، ان مفهوم اللاجئ سيعني في مطالع القرن الحادي والعشرين، اللجوء والهجرة داخل الوطن، وسيشمل عربا اخرين غير الفلسطينيين، من السودانيين والصوماليين واللبنانيين والسوريين والعراقيين وغيرهم، هجرتهم الانظمة السياسية والحروب الاهلية، والأجهزة القمعية، والمظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والمضايقات والملاحقات الأمنية، فضلا عن التدخلات الخارجية التي أخذت شكل العدوان العسكري والاحتلال المباشر بكل امتداداته التدميرية والدموية وعقابيله وآثاره وتركاته الكارثية، التي فتحت أبواب جهنم على المنطقة بأسرها لتصبح ساحة صراعات ونفوذ للقوى العالمية والإقليمية، ومصدرا للإرهاب والتطرف والعنف، ليجد المواطنون انفسهم لاجئين ومهجرين داخل أوطانهم هربا من موت محقق في مدنهم وقراهم وبيوتهم، وبحثا عن الأمان الذي اصبح حكاية من حكايات السلاطين، وسالفة من سوالف أيام زمان!.
ان كلمة (اللاجئ) أو المهجر أو النازح العراقي داخل وطنه، هي أقسى وأمرّ ألف مرة من كلمة (اللاجئ) العراقي خارج وطنه على الرغم من مرارة وقساوة النوعين من الهجرة واللجوء، وإذا كان اللاجئ خارج الوطن يجد احيانا تعاطفا من دول ومنظمات انسانية تأويه وتأوي اسرته وتقدم لهم المعونة والرعاية والاهتمام وإمكانية مواصلة الحياة والأمل، فإن المهجر داخل وطنه وجد نفسه فجأة وقد خسر كل شيء، بيته وعمله واستقراره وأمن اسرته وأطفاله ودراستهم ورعايتهم، وبات يشعر انه اصبح ضيفا ثقيلا وعبئا على الغير ان كان حظه جيدا ووجد قريبا يأويه، أو انه بات بضاعة في سوق النخاسة السياسية، بين من يقترح انشاء مخيمات لتأويه، أو من يقترح اسكانه في حقول لتربية الدواجن!.
الخشية من ان يصبح المهجر العراقي داخل وطنه مثل اخيه الفلسطيني الذي هجر من مدينته وقريته، وشرد من بيته على امل ان يعود إليه يوما...... وان يبقى مفتاح بيته حتى يأكله الصدأ، أو يذهب معه الى القبر!..
(المشرق)