لم يتوقف الأمر علي تصوير
السيجارة "المجروحة"، وأختها التي لم يتم بعد جرح كبريائها "بنفس"، فقد تم تصوير البطاقة الشخصية لنجل الرئيس وتوزيعها على مواقع التواصل الاجتماعي، في تصرف يليق بحالة العته المنغولي السائدة في أوساط الانقلابيين، أصحاب الملكية الفكرية لعلاج الايدز والالتهاب الكبدي "بصباع الكُفتة".
لتجاوز فكرة تفتيش السيارة بدون إذن من النيابة، فإن بيان أجهزة الأمن ذكر أن عناصر من قسم الشرطة كانت تقوم بجولة تفقدية لأحوال الرعية. وكانت هذه المرة الأولى التي أقف فيها على أن من مهام أقسام الشرطة القيام بهذه الجولات، وتصادف أن رأت "قوة القسم" سيارة زجاجها يمنع رؤية من بداخلها، فاشتبه حضرة الضباط فيها، فطلب ممن بداخلها أن يفتحوا له، ففتحوا وقد هاله أن وجد سيجارة في يد أحدهما، فأيقن بالخبرة أنها
حشيش، ولأن الشابين في حالة تلبس، فيباح لسيادة الضابط التفتيش وقد فتش ليعثر على السيجارة الأخرى سالفة الذكر!
لا أعرف ملابسات القضية، لكني أعرف باليقين انحطاط أجهزة الأمن في النظم الشمولية التي تقوم ممارساتها على التلفيق. وأمامنا حالة شاب الإسكندرية الشهير خالد سعيد الذي قتلوه، ثم جاءت تقاريرهم لتفيد أنه مات مخنوقاً من جراء قيامه ببلع "لفافة" من الحشيش الخالص، لينجو بجريمته من الشرطة اليقظة.
وبعد الثورة صدر تقرير طبي يفيد أنه مات مقتولاً علي أيدي رجال الشرطة من جراء الاعتداء عليه، فكيف يُتصور عقلاً أن بلعوم خالد سعيد يتسع لدخول هذه "اللفافة"؟! عندما تعلم أن الحشيش يُشرب في
مصر على المقاهي، فلا بد للمرء أن يقف على المستهدف مما جرى، لا سيما وأن الانقلابيين فشلوا في تشويه الرئيس محمد
مرسي، ولو عن طريق الأخبار المفبركة، ومنها ما نشر في صحيفة موالية للانقلاب من أن مرسي التهم في قصر الرئاسة من البط والديوك الرومي بما قيمته ملايين الجنيهات، ونسب هذا الكلام لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قبل أن ينفيه الرجل!مع حالة الفشل في تشويه الرئيس والضغط عليه، جاءت هذه القضية.
ويلاحظ أن حملة الإبادة الإعلامية ضد أبناء الرئيس بدأت مبكراً، و"عبد الله" هذا نال نصيبه من قبل ومن بعد! فقد تولى والده الحكم وامتحان الثانوية العامة على الأبواب، ونشرت إحدى الصحف أنه يمتحن في لجنة خاصة، وفكرة اللجان الخاصة توحي أحياناً بإتاحة الفرصة للغش، أو لتولي من يراقبون عليه مهمة مساعدته في الإجابة! وكان الخبر عاريا من الصحة.
وعندما ظهرت النتيجة جاءت درجات الفتى متواضعة، ولم يهتم أحد بنشرها، لأن هذا كان سيحسب لنزاهة والده، ويؤكد على أن فكرة اللجنة الخاصة هذه كانت من الأساطير! جماعة الانقلاب في مصر "مغمي عليهم"، ولو فكروا وقدروا لوقفوا على أن أحداً لن يصدق هذا الاتهام، وقد انصرف الناس إلى عدم تصديق الرواية الأمنية، لعلمهم بتساهل أجهزة الأمن مع هذه الأمور، وكونها تدخل في باب اللمم.
ولو فكروا وقدروا لوقفوا على أنهم كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأن مرسي لا يمكن ابتزازه بالقبض على أبنائه، وقد جربوا معه هذا من قبل عندما كان يخوض الانتخابات البرلمانية في عهد المخلوع، واقتحمت قوات الأمن منزله وألقت القبض على أحد أبنائه.. لقد هتف في وجوههم: "لا يزال هناك أسامة وعبد الله خذوهما معكم".
لا بأس فقد ارتكب أهل الانقلاب خطيئة تنتمي إلى عصور الاستبداد والقمع، ومثل هذه التصرفات التي تدخل في إطار "العمليات القذرة" تجعلنا أكثر إيماناً بأن الانقلاب الذي وقع في مصر في يوم 3 يوليو لم يكن يستهدف أن ينتصر لقيم ثورة يناير التي طالبت بالحرية، ولكنه جاء ليعيد البلاد الى زمن حسني مبارك!