قررت السلطات
المصرية المؤقتة مؤخرا توحيد موضوع خطبة الجمعة في كافة مساجد البلاد، في إجراء يعد الأخير في سلسلة قرارات تهدف إلى محاولة السيطرة على الخطاب الديني في
المساجد التي تشكل ساحة صراع جديدة مع مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين.
ويستخدم مؤيدو الرئيس المنتخب محمد مرسي ومعارضو الانقلاب المساجد للتنديد بقمع الدولة وإيصال صوتهم للناس خاصة من خلال خطبة الجمعة، كما تعد مركزا رئيسيا لانطلاق عدد كبير من تظاهراتهم.
وقررت وزارة الأوقاف، المسؤولة عن إدارة المساجد في مصر، نهاية كانون الثاني/ يناير توحيد خطبة الجمعة على كافة مساجد البلاد، وذلك بحجة "خلق خطاب ديني يخدم قضايا المجتمع وينبذ العنف".
ولا تعطي وزارة الأوقاف نصا موحدا للخطبة لكنها تحدد موضوعا عاما وعناصر محددة لها ويجرى إبلاغ الأئمة بها عن طريق إدارات الأوقاف التي يتبعوها.
ويوجد في مصر قرابة 130 ألف مسجد، بحسب ما قال وكيل وزارة الأوقاف صبري عبادة، مؤكدا أن نحو 120 منها خاضعة لوزارة الأوقاف بينما يظل 10 آلاف مسجد خارج سيطرة الوزارة تماما.
وبينما يقول عبادة ان قرارات الوزارة تهدف الى "تجنيب المساجد الصراعات السياسية والحزبية"، يعتقد محللون أن الصراع بين السلطة والاسلاميين على المساجد يرجع إلى محاولة كل منهما السيطرة على الخطاب الديني في البلاد.
ويعتقد جورج فهمي، الباحث المتخصص في شؤون المؤسسات الدينية في منتدى البدائل العربي بالقاهرة، أن هناك منافسة على التحدث باسم الإسلام "بين الإخوان المسلمين والمؤسسات الدينية التابعة للدولة وهي الأزهر والأوقاف".
ويقول الباحث عمرو عزت مسؤول ملف الحريات الدينية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية "ستظل المساجد ساحة معركة مستعرة بين السلطة التي تحاول تأكيد تماشي سياساتها مع الاسلام وتيار الاسلام السياسي الذي يحاول نزع المشروعية الدينية عن تلك السلطة".
ويوضح فهمي أسباب هذا الصراع مشيرا إلى أن "المساجد في مصر من الساحات التي يمكن من خلالها ممارسة تأثير على أفكار المصريين وآرائهم، هي إحدى أدوات تشكيل الرأي العام خصوصا خارج القاهرة في محافظات الصعيد والدلتا"، حيث يزيد ارتباط السكان وأكثرهم من الأقل تعليما بالمساجد.
ويعتقد عزت أن قرارات وزارة الأوقاف "تهدف للسيطرة على التيار الإسلامي المؤيد للإخوان والمعارض للسلطة الحالية"، ويؤكد أن "هناك تعاطفا كبيرا لدى كثير من أئمة المساجد مع الإخوان ومرسي، وهو ما تحاول السلطة السيطرة عليه".
وتشن السلطات المصرية حملة واسعة على أنصار مرسي خلفت نحو 1400 قتيل معظمهم من الاسلاميين، بحسب منظمة العفو الدولية.
ويعتقد جورج فهمي أن "أهمية المساجد تضاعفت بالنسبة للإسلاميين مع ضعفهم الراهن في مجال الإعلام".
وشهدت المساجد صدامات مرارا بين مؤيدي مرسي ومعارضيه خاصة أثناء حكم مرسي الذي استمر لعام واحد.
والجمعة، كانت الخطبة الموحدة حول الحفاظ على البيئة، فيما انصبت بعض مواضيع الخطب السابقة على تطوير الأحياء الفقيرة ودور الشباب، وهي موضوعات أبعد ما تكون عن الصراع السياسي وحالة الاستقطاب السياسي في البلاد بين مؤيدي ومعارضي الجيش.
وفيما التزم عدد من أئمة المساجد في ضاحية الدقي (غرب القاهرة) بالخطوط العامة للخطبة الموحدة، تجاهل آخرون القرار.
ولم يلتزم الأمام خلف مسعود في مسجد المنتزة في حي أمبابة بغرب القاهرة بالخطبة الموحدة، وخطب عن الصراع بين "الحق والباطل" في القرآن الكريم مسقطا الأمر على الوضع السياسي الراهن في مصر.
وقال مسعود: "أنا إمام اتبع الدين لست إماما اتبع السلطة"، وأضاف "الدولة تتخذ اجراءات ليكون الخطاب الديني تابعا لها. هذا أمر مرفوض".
وبعد خطبة الجمعة الأخيرة، أحيل أربعة أئمة للتحقيق في الوزارة بتهم "التحريض على العنف والدعوة لتظاهرات ضد الحكومة والإساءة للجيش والشرطة"، بحسب عبادة.
ويعتقد عزت أن وزارة الأوقاف "ليس لديها أي أداة تمكنها من بسط سيطرتها على كافة المساجد"، وبعد قرابة شهر من قرار توحيد الخطبة لا يمكن التأكد إذا ما كان القرار يطبق بشكل واسع عبر البلاد.
وقبل ثلاثة أشهر، قررت الأوقاف إنهاء التعاقد مع 55 ألف إمام في الوزارة من غير الأزهريين، كما قررت منع إقامة صلاة الجمعة في الزوايا التي تقل مساحتها عن 80 مترا، وهو القرار الذي بدا بعيدا عن التطبيق حتى الآن.
واتهمت السلطات المصرية الأئمة الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بأنهم "يدعون للعنف ويستخدمون المساجد لبث التشدد الديني والترويج لجماعات الإسلام السياسي".
وأكد وكيل وزارة الأوقاف أن "الإجراءات الأخيرة تهدف لمنع التحريض على العنف ونشر الأكاذيب في المساجد التي كانت المكان الأنسب للإخوان لنشر فكرهم وتضليل الناس".
وأضاف "كان هناك فوضى مدمرة في المساجد". وتتبع كثير من المساجد في مصر جمعيات أهلية وتقدم خدمات مجتمعية كما تستضيف أنشطة دينية مثل حلقات تحفيظ القران.
ويرى محللون أن الحكومة تهدف كذلك من خلال فرض سيطرتها على المساجد تجريد مؤيدي مرسي من أحد مصادر قوتهم.
ويقول عمرو عزت إن "الحكومة تحاول تقليل النشاط الديني في المساجد بقدر الإمكان عبر تكريس سيطرة الدولة عليها".
وأثارت القرارات الأخيرة جدلا بين المصلين أنفسهم خاصة في ظل احتدام حالة الاستقطاب السياسي بين مؤيدي الجيش ومعارضيه من أنصار مرسي ونشطاء سياسيين.
وفي مسجد أسد بن الفرات غرب القاهرة الذي كان مركزا لأنصار الشيخ حازم أبو اسماعيل القيادي السلفي المؤيد للإخوان، التزم خطيب المسجد بالخطبة المحددة وابتعد تماما عن أي حديث حول الوضع السياسي.
وبعد الخطبة، قال المهندس بهاء مروان 23 عاما: "أنا ضد توحيد الخطبة. الغرض سياسي ويهدف لاسكات معارضي الحكومة"، فيما قال آخر يدعى أحمد "القرار هدفه أن يسمع الناس ما تريد الحكومة أن تقوله فقط".
لكن الكهربائي محمود حسين (53 عاما) اعتبر أن "القرار صائب" وأن "الحكومة تحاول تهدئة الأجواء عبر إسكات المحرضين على العنف".