"طولةِ العُمر إلك! لن نحتاج إلى الخمس دقائق في ذلك"، كانت إجابة الدكتور أسعد عبد الرحمن السريعة والمبدئية عن السؤال المحور "أين ذهبت
الفصائل الفلسطينية؟"، وكنت قد طلبت من وقته خمس دقائق لذلك. ضحك وحدّد لي موعدًا للحديث في "التفاصيل".
وأوضح عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية لموقع "عربي21"، أنّ "الفصائل ما زالت موجودة، لكنها ليست بالفاعلية والحضور اللذين كانت تتمتع بهما أو اعتدنا عليهما منها". وأضاف أنه "لعلّ أحد الأسباب الكبرى المؤدية إلى ذلك هو ما تعرضت له قيادات المنظمة والفصائل النافذة من حالات اغتيال أو وفاة، بحيث افتقدت الساحات إلى قامات طويلة وأكتاف عريضة كما كان الحال سابقًا".
وعن مدى خطورة الوضع السائد، أشار عبد الرحمن إلى "وجود استثناءات هنا أو هناك، في هذا الفصيل أو ذاك، علمًا بأنّ هذه المسألة لا تبخّس في مقام القيادات الحالية، ولكنها لأسباب متنوعة باتت قيادات الصف الثاني قياسًا على الماضي، وليست بالقيادات التاريخيّة".
وأضاف مستحضرًا عامل الزمن: "لا ننسى أن العمر امتدّ بنا؛ فمن كان شابًّا ويعطي، أصبح اليوم متقدّمًا في السنّ قليل العطاء".
وعن "صعوبة الوضع الفلسطيني" لفت عبد الرحمن وهو مفكر وناشط سياسي وأكاديمي إلى أن "عملية التجديد وخلق قيادات ما بعد الصف الثاني تعرّضت –كما يبدو- للإهمال ومرّت في نكبات، ما أضعف القدرة على التطور".
وأشار إلى أن "كثيرًا من القيادات الفلسطينية انغمست في أجهزة السلطة واحتلّت مناصب إدارية شغلتها عن القيادة الفعلية لمنظمة التحرير، وكان ذلك على حساب الدور الأساسي الذي يجب أن تقوم به".
واستدرك عبد الرحمن، بأنّ "هذا التوصيف –بطبيعة الحال- ينطبق على القيادات المستقلّة (التي لا تتبع لفصائل) كذلك، ولا يقتصر على من أفرزتهم الفصائل".
ورفض القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية القول بأنّ "مجمل الفصائل الفلسطينية سارت في ركب فصيل وحيد لا رتباطها بمركز المال، أو بالقيادة التاريخية التي مثّلتها "فتح" منذ صدور الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1968".
من جهته، رأى الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مشير المصري، أن الفصائل الفلسطينية "غائبة عن المشهد" بسبب "إشكالية ذاتية في الفصائل نفسها؛ فهي التي وضعت نفسها في حضن فصيل واحد هو حركة "فتح"، وهو فصيل لا يقدّر العمل الوحدوي، واتخذت قياداته مواقعها من خلال التسلق على الآخر، واستفردت بالقرار الوطني".
وبيّن النائب في المجلس التشريعي، لموقع "عربي21" أن منهج حركة "فتح" بتماديها في ترسيخ ثقافة الحزب الواحد وإقصاء الآخر عن المشهد، خلق إشكالية لدى العديد من الفصائل التي التزمت بخط "فتح" السياسي وربطت نفسها بالبعد المالي، الذي تُمسك "فتح" بزمامه".
وأشار إلى أن هذا ما حصل بعد انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وفوز حركة "حماس" بأغلبية المجلس، الذي عدّته الأولى "خطيئة"، وفق وصف القيادي الحمساوي.
وأوضح المصري، أن "منهج "فتح" في الإسقاط على الآخرين، دفع فصائل أخرى إلى عدم القدرة على المواجهة، ما أفشل قراراتها التي ارتبطت بالمال السياسي الذي استخدم لشراء الولاءات، مع أن المال ملك للمنظمة كلها وليس لفصيل بعينه".
وأضاف أن "الفصائل تناقضت مع أيدولوجياتها بتبعيتها لحركة "فتح"، وأصبحت مواقفها في القضايا الوطنية المصيرية مائعة، ولم يعد يعرف أكثرها ما إذا كان مع اتفاق "
أوسلو" أم ضدّه".
واستدرك المصري بأن "الشعب الفلسطيني -ولا شك- مُسيّس، ويعرف خياراته وأين هي مصالحه الوطنية، وقد اتعظ بما نتج عن خبراته مع منظمة التحرير، إلى جانب أنه شعب متديّن ومحافظ بطبعه، فاختار المقاومة والفصائل الإسلامية ليلتفّ حولها، ما زاد في ظهور الفصائل الإسلامية المقاوِمة وتصدُّرها المشهد". وأضاف أن "بعض فصائل المنظمة –هي الأخرى- اختارت طريق اللقاء مع حركة المقاومة الإسلامية".
يشار إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية بدأت حركة سياسية شبه عسكرية عام 1964، واعترفت بها الأمم المتحدة والجامعة العربية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، وحملت شعار تحرير كل فلسطين عبر الكفاح المسلّح. وضمت معظم الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائها، حيث شهدت الستينيات من القرن العشرين أكثر من 30 فصيلا، كان أكبرها حركة التحرير الفلسطينية (فتح) والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انبثقت عنها الجبهة اليمقراطية.
وجاء صعود حركات المقاومة الإسلامية في الثمانينيات من القرن الماضي، في سياق "الصحوة الإسلامية"، وكان أبرزها الجهاد الإسلامي والمقاومة الإسلامية- حماس. وثبت هاذان الفصيلان أقدامهما في فلسطين نظرا للدور البارز الذي لعباه في الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993)، وللتضحيات الضخمة التي قدماها في الانتفاضة الثانية (2000-2004).