أود أن نذهب معا في فرض تخيلي إلى المستقبل القريب لنطرح عدة تساؤلات ونحاول أن نجيب عليها... لن نذهب بعيدا إنه الأول من شهر يونيو القادم الموعد الذي تم فيه إبرام الوعود لملايين مرضى فيروس "سي" ومرضى "الإيدز" في مصرنا الحبيبة، بالعلاج في مستشفيات القوات المسلحة بجهاز قالوا عنه أنه قمة الإعجاز العلمي.
الفرض الأول الذي سنفترضه هو بدء العلاج بالفعل على مسمع ومرأى من العالم، وبالطبع على مسمع ومرأى من أبناء هذا الشعب في تلك اللحظة، وبعد الإثبات العلمي والعملي لنجاح الجهاز، ويجب أن نأكد على تلك النقطة مرارا "الإثبات العلمي والعملي"، وبالتأكيد في تلك اللحظة سوف تنقلب الموازين العلمية والطبية رأسا على عقب ويتم دحر أي مشكك أو أي ساخر من هذا الاختراع، وفي تلك الحالة أيضا ستصبح
مصر على أعلى قمة الدول في مجال السياحة العلاجية، ما يدر على الدولة مصدر دخل، إذا تم لن نكون في حاجة إلى القيام بالتقشف أو فتح باب التبرع براتب شهر أو حتى فرض الضرائب على المغتربين، والجدير بالذكر في هذا الموضوع أن من ترأس المؤتمر التليفزيوني للإعلان عن هذا الاختراع المذهل هو نفسه من يدعو الشعب للتقشف والتبرع.
الفرض الثاني بالتأكيد هو عدم بدء العلاج بهذا الجهاز، وهنا السؤال الذي يتردد برأسي مرارا وتكرارا .. هل يؤمنون ؟؟
هل سيؤمن مؤيدو النظام الحالي أنهم اتبعوا دون علم ودون منطق ودون أدنى محاولة للتفكير والبحث فكرة كاذبة ؟؟ هل سيؤمنون أنه تم خداعهم والتدليس عليهم وعلى كل المصريين، بل على كل المصابين بهذا المرض حول العالم؟؟ هل سينتابهم الشعور بالذنب لأنهم قامو باتباع من أدمى شعور الملايين من المصريين المصابين بهذا المرض أو هذه الأمراض التي يعالجها هذا الجهاز بعد اكتشافهم أنه مجرد وهم وسراب؟؟ هل سيأسفون على أنفسهم .. هل سيأسفون على ضحالة فكرهم وتأييدهم الأعمى ؟؟
أعتقد أن القليل منهم سيؤمن بأنه أخطأ وتم خداعه، ويأسف على تأييده، ولكن الأغلبية العظمى ستجد ألف تبرير وتبرير لهذا التدليس والخداع، والبعض سيقول إن الشعب لا يستحق العلاج والبعض الآخر سيصدر الفتاوى بأن أمريكا ضغطت على مصر لإيقاف هذا المشروع، وأصحاب الخيال العلمي سيقولون إن المخابرات الأمريكية سرقت الجهاز، والآخر سيقول إنها كانت مناورة ناجحة من الجيش، لكي نحصل على علاج الفيروس بسعر خيالي مقارنة بالسعر العالمي، وسوف يثني على التدليس والخداع، ويقول إنه صب في مصلحة الوطن، ولكن في الحقيقة كل هؤلاء هم من يجب علاجهم، فهم مرضى في أفكارهم وإيمانهم، فإن كانت أمريكا صنعت دواء لفيروس "سي" فيجب أن نسألهم إن كان لديهم دواء لأصحاب المرض الفكري والإيماني ...
إنها أيام معدودات ويظهر الحق .. ندعوا الله أن نكون نحن من على خطأ، ويصبح هذا الجهاز واقع ملموس لعلاج الملايين، لأنه إن ثبت عكس ذلك فيصعب إصلاح الشرخ الذي صدع في إيماننا ويزداد يوما بعد يوم تجاه تلك المؤسسة.