انطلقت الحملة الإنتخابية الرئاسية في
الجزائر رسمياً، الأحد، لتستمر 3 أسابيع وسط وضع سياسي غير مسبوق يطبعه ترشح الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة بالرغم من وضعه الصحي المضطرب.
ولأول مرة منذ اعتلائه الحكم في البلاد العام 1999 يغيب بوتفليقة عن المشهد العلني لينوب عنه مناصروه في التجمعات المقررة عبر كامل المحافظات الـ 48 والتي تشهد بدورها حراكا غير مسبوق لرافضي العهدة الرابعة للرئيس الحالي.
ووعد بوتفليقة بإجراء تعديلات دستورية تساهم في تطوير المسار الديمقراطي الذي بدأته البلاد العام 1989 جاعلا من الإستقرار السياسي والأمني، وبناء اقتصاد ناشئ، ومواصلة المشاركة في الجهد الدولي في محاربة الإرهاب، وبناء اتحاد المغرب العربي، وتعزيز التعاون مع دول الساحل، أولوياته بالمرحلة المقبلة.
وقال في رسالة وجهها إلى الجزائريين ليل السبت، إنه "في حال جدد لي الشعب الجزائري ثقته، فإنني أتعهد بالسعي مع كافة الفاعلين الممثلين لسائر أطياف المجتمع إلى إيجاد الظروف السياسية والمؤسساتية التي تتيح بناء نموذج من الحكم يتجاوب وتطلعات شعبنا وآماله".
وأوضح أن ذلك سيتجسد عبر "مراجعة للدستور نشرع في إجرائها في غضون السنة الجارية".
كما وعد بوتفليقة بتسليم الحكم للشباب قائلا "إن هذا المسعى سيستجيب لتطلعات الشباب إلى استلام المشعل في محيط يسوده الاستقرار والعدالة الاجتماعية والإنصاف والإحترام"، معتبراً أن وضعه الصحي لا يحول دون بقائه في الحكم لفترة أخرى.
وقال إن "الصعوبات الناجمة عن حالتي الصحية البدنية الراهنة لم تثنكم على ما يبدو عن الإصرار على تطويقي بثقتكم وأراكم أبيتم إعفائي من أعباء تلك المسؤوليات الجلية التي قوضت ما قوضت من قدراتي... وأمعنتم في إلحاحكم على أن أبذل بقية ما تبقى لدي من قوة في استكمال إنجاز البرنامج الذي انتخبتموني من أجله المرة تلو الأخرى" ولذلك قررت أن "لا يخيب رجاء كل من دعاني للترشح من جديد".
وتعهد بوتفليقة بأنه "سينذر" فترته الرئاسية المقبلة في حال فوزه "لحماية بلادنا من التحرشات الداخلية والخارجية الداهمة ومن تلك المحتملة بكافة أشكالها".
ويجد بوتفليقة نفسه مدعوما بأركان نظام الحكم الذين كلفهم بخوض حملة لشرح برنامجه على غرار رئيس الوزراء عبد الملك سلال، الذي ترك منصبه مؤقتا لقيادة الحملة الإنتخابية، بالإضافة إلى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الرجل الثاني في الدولة، ومدير ديوانه الرئاسي أحمد أويحيى، رئيس الوزراء السابق، ومستشاره الخاص عبد العزيز بلخادم رئيس الوزراء الأسبق، فضلا عن الأمين العام للحزب الحاكم عمار سعداني.
وينافس بوتفليقة ونظام حكمه، شخصيات سياسية وحزبية قوية مثل علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق (2000-2004) الذي يعتبر من أقوى المرشحين وأشد معارضيه بعدما كان حليفه المقرب في بدايات حكمه، قبل أن ينقلب عليه ويتهمه بالتفرد بالحكم.
وذهب بن فليس الذي خرج من رحم نظام الحكم هذه المرة بعيدا عندما دعا إلى منح الكلمة للجزائريين في اختيار حكامهم بصورة حقيقية عبر انتخابات لا يشوبها تزوير لإرادة الناخبين.
وأعلن نحو 20 حزبا سياسيا من
المعارضة دعمهم لابن فليس فضلا عن إعلان قياديين محليين في جبهة التحرير الحاكمة وقوفهم إلى جنبه على غرار المكتب الولائي للجبهة في محافظة البليدة (50 كم جنوب العاصمة).
كما أعلن المرشح الذي استبعد من سباق الإنتخابات، رجل الأعمال، علي بن واري، دعمه لـ علي بن فليس، ودعا برلمان الإتحاد الأوروبي إلى توقيع عقوبات صارمة في حق من يثبت أنه زوّر نتائج
الانتخابات الرئاسية برفض دخولهم وعائلاتهم فضاء الإتحاد وتجميد حساباتهم البنكية بأوروبا.
وحذر بن راوي في رساله وجهها إلى الأوروبيين من أن "الأمور كلها تدل على تزوير محتمل في ظل وجود مختلف مؤسسات المراقبة بين يدي الإدارة" أي السلطة.
أما المقاطعون للإنتخابات فتكتلوا في هيئات عديدة أهمها تنسيقية الأحزاب والشخصيات المقاطعة والتي تتألف من الإسلاميين والعلمانيين والديمقراطيين لأول مرة في التاريخ والمرشح المنسحب أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الأسبق، بالإضافة إلى حركة بركات (كفاية) وجبهة الرفض وتنظيمات أخرى محلية بدأت تنشأ رافضة لاستمرار بوتفليقة في الحكم.
وقد دعت التنسيقية في أكبر تجمع لها لم تستطع الحكومة منعه، المرشحين إلى الإنسحاب بزعم أن الإنتخابات محسومة سلفا لبوتفليقة، وحجتها في ذلك رفض السلطة مطلب المعارضة إنشاء لجنة مستقلة تشرف على الإنتخابات بدل من وزارة الداخلية.
كما تعهدت "جبهة رفض"، و"حركة بركات، بإقامة تجمعات، والتظاهر في الشارع رفضاً لبوتفليقة كان آخرها الوقفة الإحتجاجية التي نظمتها "رفض" أمس السبت وسط العاصمة، وهذه المرة لم تفرقها السلطات الأمنية التي بدأت تتجنب الإحتكاك بالمحتجين بعد ازدياد أعدادهم عقب حملات الإعتقال والتفريق التي قامت بها في التجمعات السابقة، وهو ما أثار ردود أفعال محلية ودولية مستنكرة ما جعل الحكومة تغير من نهجها.
وما زاد المعارضة قوة الخروج "القوي"، للرئيس الجزائري السابق اللواء اليامين زروال (1994-1998) الذي عارض استمرار بوتفليقة في الحكم ودعا إلى إقامة نظام سياسي جديد يستجيب لتطلعات الجزائريين في الحرية وفي اختيار حكامهم بكل شفافية والتداول الحقيقي للسلطة، معتبرا أن الإنتخابات الرئاسية المقررة في 17 نيسان/إبريل المقبل هي آخر فرصة للتحول الديمقراطي الحقيقي.
بدورها أطلقت تنسيقية من نشطاء الفيسبوك، على مستوى ولايات الشرق الجزائري، بكل من "باتنة، تبسة وخنشلة"، تدعمها حركة العروش "الشاوية"، حملة وطنية تدعو إلى "انسحاب المترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة من الانتخابات الرئاسية وتعهدت الهيئة على لسان منسقها عزيز بكاكرية، بجمع 20 مليون استمارة وتوقيع تصب كلها في مطلب ضرورة الانسحاب.
وبررت التنسيقية مطلبها بالحالة الصحية للرئيس بوتفليقة التي قالت إنها لا تسمح له بمواصلة مهامه "الصعبة والهائلة" بصفته رئيسا وممثلا للشعب في المحافل الدولية.
وأوضح بكاكرية وفقا لـ"الشروق" فإنه وكبداية للحملة تم توزيع 12 ألف استمارة 10 آلاف منها على مستوى ولاية باتنة وألفان في تجمع قاعة حرشة، كما تم منح أحزاب المقاطعة نسخا منها من أجل طبعها وتوزيعها، في انتظار جمع الاستمارات الخميس المقبل ومن ثمة الإعلان عن النتائج، نافيا أن يكون للحملة علاقة بتصريحات الوزير الأول ومدير حملة الرئيس الأخيرة بخصوص "الشاوية"، حيث أكد أن الأمر تم التحضير له.
وأضاف: "نحن لا ننكر ما قدمه الرئيس للبلاد ولكننا نرفض أن نكون شعبا محل مسخرة وتهكم من قبل الأجانب"، ولفت بكاكرية إلى أنه لا أحد حتى سلال يمكنه التحدث باسم الشع عندما قال إن الشعب ألح على الرئيس للترشح وأن التوقيعات ستدحض كل التصريحات.