للوهلة الأولى، وعلى امتداد فترات، في بقاء
الانقلاب الدموي في
مصر، يتغير الأمر وتتبدل حقائق بوقائع، وظروف ثانوية إلى كلية، فالأمر ليس بالسهل لمن يتصوره أن بين اليوم أوغد سيزول الانقلاب ويدحر الانقلابيون إلى غير رجعة.
ما هذا الذى يحدث في مصر، مذبحة جديدة و"دنشواى" أخرى، تلك التي عاشتها مصر أمس الأول عقب أن نطق قاضى "لايرى ولايسمع ولايمكنه التحدث"، بالإعدام شنقاً على 529 مواطناً مصرياً في جلسة واحدة وفى ساعة واحدة ووسط قاعة مغلقة صمت فيها الحق وعلا فيها صوت الديكتاتورية، لتعطى حكماً لم يكن يتوقعه أي مصري وحتى ولوكان بينه وبينه فصيل وتيار سياسي عدواة!
مثلث الانقلاب المتمثل في القضاء والشرطة والإعلام يجب أن يتم تطهيرهم بعد أن شهدت عدة صحف قبل حكم القاضي بإيحاءات وتوجيهات بأن عناصر الإخوان المسلمون يجب أن ينالوا الإعدام وقد كان! وهنا يجب أن نسأل الانقلابيون هل ستنتظر تصفيق جموع الشارع، وهل ستظن ان الاحتفالات المئوية ستقام، وهل ستذبح الذبائح ابتهاجا بالحكم، وهل بحالات الإعدام ستستطيع فصل فصيل عريض من التيار الإسلامي الموجود منذ 1918 بالطبع لا.. فالأمر سيزداد سوءاً إلى أسوء بفضل قضاء فاسد وذراع إجبارية تأمر ووكلاء نيابة مستأجرون!
وإذا ما تركنا النقطة السوداء السالفة، لكن أعجبني الترابط الحاصل في شوارع مصر الأن، ودرجة الاستفاقة من الغيبوبة التي كان يعيُشها أناس ممن أسموا أنفسهم ثوار 30 يونيو، فالأن درجة الغليان لديهم أكثر مما هو عليه من أصحاب الشرعية والثوار الأصليين، ولكل منهما هدفه، جينات وراثية لا تنفك ولن تزول مازلنا في حب الوطن نموت!
طلاب الجامعات خاصة الأزهر، نموذج حّي للنضال الطلابي الممتد من المقاومة للاحتلال الإنجليزي، مروراً بالحملة الفرنسية وكفاح الطلبة المروع وقت أن داست أقدام جنود نابليون بونابرت سجاد الجامع الأزهر الشريف، وقتها قام نابليون في محاولة لاسترضاء المصريين، وألقى نابليون خطابا في الإسكندرية والذي أعلن فيه عن مدى احترامه للإسلام حيث قال«سوف يقال لشعب مصر إنني جئت لتدمير دينكم: لا أعتقد ذلك! وإجابتي على هذا لقد جئت لاستعادة حقوقكم ومعاقبة المغتصبين".
لكن هذا لم يدخل على مسامع الطلبة والذين شاركوا بقوة في ثورة ضد القوات الفرنسية بدأت من الأزهر في 21 أكتوبر 1798. إذاً فالتاريخ الطويل ضد المحتل، وهو ما ظهر جليلاً خلال 9 أشهر على الانقلاب العسكري في مصر، قدم طلاب الأزهر منذ الانقلاب العسكري إلى 100 شهيد وأكثر من 700 اخرين إلى الآن، ولا عجب أن ترى فتيات الأزهر بثيابهن المميز يقذفن قنابل الغاز بعيداً عن زميلاتهن ولا عجب أن ترى منهن يتسلقن البوابات الحديدية لإيصال أصواتهن للعالم أنهن شركاء في القرار والثورة ضد صوت الرصاص الحى والمدرعات.
كأن مقياس الاختيار في عهد الانقلاب، اختلف بصورة مذهلة، وما قرأناه منذ أيام عن حصول راقصة على لقب الأم المثالية لعام 2014 أصاب "الوسط" المصري وتسبب في "هزه" قوية لدى الأمهات الكادحات والمكافحات بصدمة، نادمين على عدم كونهم لم يكونوا يوماً من الأيام أصحاب من ضمن هذا المجتمع. ويبدوا أن الانقلاب جاء لفك الكبت على نساء مصر، فما شاهدناه في الاستفتاء على الدستور الانقلاب انتهى برقص للنساء وما نراه كل يوم من خروج قنوات لتعليم ونشر الرقص دليل كاف أننا في وصمة عار لا يمحوها سوى العودة للأخلاق بعيداً عن الانقلاب والشرعية.
المقاطعة، سلاح فعال، حدثني إعلامي زميل أن المصريون لو فطنوا لمقاطعة قنوات دعم الانقلاب العسكري، سوف يتم كسر الانقلاب بنسبة 50% ، وعلل ذلك بأن "عقل "المصري مرتبط بما تقدمه تلك القنوات، والتي من خلالها يتم إدخال ما لذ وطاب من المقررات الانقلابية كتحسين صورتها وانجازاتها وما إلى ذلك، فضلاً عن خسائر رجال الأعمال أمثال الملياردير نجيب ساويرس وشقيقه ورجل الأعمال السيد البدوي ومحمد الأمين، إلى غير ذك من مالكي القنوات الذين يضخون مليارات لها الأمر في مقابل تسهيلات مستقبليه وأنية من رجال الانقلاب العسكريين، فالمقاطعة يجب ان تبدأ لمن خانوا الاستحقاق المصري التشريعي والرئاسي والدستوي.
وماذا بعد؟ تصغير المسألة حول مدة قصر عمر الانقلاب يجب أن يبدأ بحملات توعية تفصيلية من المواطن للأخر، والأخر ما أقصده التيارات التي مازالت على خصومة مع شركاء الوطن ذو التيارات الإسلامية، تبدأ بإنهاء الخصومة وتوقيف البيانات العنترية اللولبية من قبل قيادات دعم الشرعية، بالإضافة إلى ضم "التائبين" من قبل رافضي الانقلاب الأن والمؤيدين له سلفاً إلى الصف، فمازالوا حتى الأن يشعرون بغربة بين صفوف الثوار عند خروجهم لمسيرات أو وقفات ثانوية أو كلية في الميادين والشوارع المصرية.
الانقلاب ينتهى الأن، فهو يرتدى ثوباً ورقياً شفافاً، يمكننا فقط رؤية عورته وفضحه وتعريته للعالم، طريقة جس النبض لم تعد مجدية، فطول الانقلاب سيظل لعدة سنوات مدام هناك من يؤمن بمصطلح "الصبر مفتاح الفرج"، لكننا يجب أن نعيد نظرية "الهجوم خير وسيلة للدفاع"، ونظريات أخرى نخشى أن نترك لها مجالاً أخر، المهم أن يعود قفص الاتهام وبه المجرمون فلا مجال لهم في الأرض، أما الشرفاء فمكانهم محجوز بين صفوف الثوار في التحرير والقائد إبراهيم والأربعين بالسويس الباسلة.
صحفى مصرى ومدون